الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاتجمعة عبدالله قراءة في رواية ( سقوط سبرطة ) او ( حب...

جمعة عبدالله قراءة في رواية ( سقوط سبرطة ) او ( حب في موسكو ) للكاتب برهان الخطيب

يتميز الكاتب , في ابداعه الروائي ,  الاهتمام بأدق التفاصيل في داخل  المنظور الروائي , ان تكون له امتدادات في زمكان , من الواقع الاجتماعي والحياتي  , لحقب سياسية متعاقبة توالت على  العراق , ان  يملك المتن السردي   صياغة بليغة في الايحاء والرمز , التي تكشف فعلياً واقع الحال الملموس والظاهر  , في مجريات الاوضاع العامة , وجعلها غربلة سياسية لتصفية حسابات قديمة . في محور نفس الشخصيات , التي تتناوب بالظهور في عدة  روايات للاديب  , بأشكال وصيغ وانماط مختلفة في النص الروائي  . وهذه الرواية . هي تتناول السيرة الحياتية في امتداد الماضي والحاضر , وتعايشها في بيئة غير البيئة العراقية ( موسكو ) , ولها  ارتباطات عميقة بوشائج  الوطن . وشخصية ( خالد ) سيطرت التي ادارة دفة المنظر الروائي الروائي السارد  , الذي  كشفت بادق التفاصيل  سيرته وتعايشه  في الغربة والاغتراب ومعاناته  , وهي  جزء من معاناة  الكاتب نفسه  , او بالمعنى الادق حياة ومعاناة الكاتب خلال تواجده في  الغربة في روسيا ( الاتحاد السوفيتي سابقاً ) . لقد تعامل بالكشف عن ابسط التفاصيل الحياتية والمعاشية , التي عايشها , واشبعته مرارة ومعاناة موجعة . اي انه بمثابة انتقال من النظام الشمولي , الى النظام الشمولي الاخر , نظام   تحركه خيوط  جهاز الامن والمخابرات في الدولة ( كه غه بي ) , وقد تجرع العلقم من اجراءاته المتعسفة والظالمة  ,   خلال تواجده في ( موسكو ). في نظام منخور في الفساد الاداري والرشوة والبيروقراطية  , ومن خلفها الارهاب الفكري , والفساد الروحي والاخلاقي . ان يجد المواطن  نفسه واقع  في حفرة كبيرة , تترصده وتراقبه بعدساتها اللاقطة , حتى تدخل القلق والخوف في وجدانه  , بأن للجدران أذان وعدسة لاقطة تراقب انفاس المواطنين , ولم يعد للمواطن سبيل ومخرج , ضمن نهج الترهيب والترغيب . رغم الديكور البراق المزيف . في هالة دولة القانون والديموقراطية   . كان في البداية ( خالد ) الذي انتهزفرصة البعثة الحكومية , ليفتش عن اية وسيلة وطريقة , للبقاء والسكن والدراسة والعمل . حتى لا يرجع الى الوطن ويقع في عواقب وخيمة , تهرصه هرصاً , كما وقع ابيه في حالة ابتزاز في ارغامه على  بيع بيته عنوة , من قبل  امين العاصمة لبغداد ( آنذاك ) في الاستحواذ على البيوت المجاورة , في ارغام اصحابها على البيع , وعندما رفض صفقة البيع , بادر امين العاصمة في اطلاق الرصاص عليه . ولم تسجل دعوة قضائية , خشية من العواقب الوخيمة , وكانت اصابته غير قاتلة , لذلك جهد ( خالد ) في الانفلات من الرجوع الى الوطن , بحجة مواصلة  الدراسة  الجامعية  في موسكو , حتى اجتهد في اكمالها , وحصل  على وظيفة عمل في دار النشر التابعة للدولة , بوظيفة مترجم . وحصل على اقامة وسكن , وتعرف على ( ستالينا ) وارتبط بعلاقة حب معها  , وكانت صادقة ووفية له في عواطفها العشقية  , وتيقنت بأنها  وجدت فارس احلامها المناسب لها . وكان يبادلها نفس التفكير والشعور  والمرام   , بالاقتران بها  سيمنحه  البقاء الدائم والعمل والاقامة ويفلت من شبح الرجوع الى الوطن  , ولكنه غير بوصلة حبه وعلاقته ,  في الارتباط  بفتاة اخرى ( ليلى ) رغم ان ( ستالينا ) حاولت ان تمسك به بكل عواطفها ومشاعرها الوجدانية لكنها فشلت في ذلك   , حتى اجهضت منه . لان  حالته غير مستقرة ومضطربة بفوضى الارتباك ,  او انه في حالة نفسية تجعله مشلول في اتخاذ  القرار في  العلاقة وتطورها ابعد من ذلك  , مما اثر في خفوت علاقة  الحب والصلة وخسرها من حياته  , رغم انه يشعرتجاهها  بالاحساس بالذنب والتقصير  . لذا انفصل عنها وارتبط مع حبه الجديد مع ( ليلى ), كأنه وجد ضالته المنشودة التي يبحث عنها , في زحام حياته المضطربة , وتيقن بأنها ستخفف وطئة الغربة والاغتراب , وهاله جمالها الفاتن  الذي انجذب اليها .  بشعرها الطويل الاسود , وعينيها السوداويتين الواسعتين , وبشرتها البيضاء الوردية , وصدرها العرم . ووجد بها  الوسيلة التي تشبع عواطفه ,  ويفلت من الرجوع الى  الوطن بالزواج منها  . من اجل تخفيف  عناء الغربة والاغتراب واقترن بها بالزواج الذي تمخض عن انجاب طفله ( سالم ) لكن مرمرته  نفسياً وروحياً  بعد ذلك ,  من كثرة المشاكل والقيل والقال  , مما جعل الخصام  يقف عقبة  في طريقه , ليهجر راحة البال , وتحل محلها المعاناة والازمات المتوالية  , حتى وصلت الى طريق الابتزاز ضده , رغم انه كان يتنازل عن كثير من الاشياء  لصالحها . من اجل الطفل , وكانت تكتب التقارير المدسوسة , حتى يقع في مشاكل عويصة وانتهت العلاقة بالطلاق . رغم ان الانفصال والطلاق  حصل ,  لكنها ظلت تلاحقه في ايقاعه في ورطات اخرى  , حتى يطرد من العمل  ,  ورفض تجديد  الاقامة والسكن , وكان يقف خلف زوحته , رجل كبير في الدولة وقيادي في جهاز المخابرات ( كه غه بي ) , فوجد نفسه في حالة نفسية يرثى لها , لكنه كان يتحدى  ويكابر في المواصلة ( كابرالآن ياخالد …. كابر … أنما ستمر عليك أعواماً هنا فتصبح لاحساً ككل الابطال المنهزمين الى روما العصر هذه . . )ص61
. فيشعر في انسحاق المعاناة التي تزيد من  وطئة الغربة والاغتراب اكثر وجعاً  , حتى وصلت الامور الى التهديد بالطرد من العمل والسكن , ثم الابعاد والطرد خارج البلاد  , من جملة التقارير التي كانت  تكتبها  ضده للايقاع به . . فوجد نفسه امام جدران مسدود الافاق والنوافذ , مما تزيد درجة الاحباط والخيبة في التواصل الحياتي. وجد نفسه يعاني من  التمزق والانكسار , بأنه معرض في شرنقة الاحباط , في وتيرة  الارهاب الفكري والنفسي والروحي , حتى فقد معادلة التوازن الحياتي , بأنه فشل في الحب والزواج ايضاً . وانه بقاءه ليس إلا تجرع المعاناة بشكل متزايد , وكان يشغل النفس ويواسيها  بعدم الانصياع والوقوع في براثن الاذلال ,  بان يملك روح التحدي امام هذه العواصف الثلجية ( قم أيها المغترب عن نفسك ومن حولك , لسوف يقتلك الثلج وكفاك تأكل منه مهما ألتهمت منه لا تستطيع ألغاء بيداءه البيضاء هذه حولك , وحرقتك الضاربة في اعماقك حرقة كلكامش وهو يرى جثة صديقه يأكها دود لن تطفئها برودة غادرة لئن لم تشعر بها الآن لسائل النار الذي شربته فهي قاتلتك غدا , واسئلتك المحيرة لن تجد لها جواباً ) ص264 . . هكذا تتقلص مسافات الصلح بين زوجته ,  رغم انه تنازل عن الكثير لها ,  في سبيل الطفل أبنه  , ولكن لم يسعفه ذلك ,  فظل شبح الطرد والابعاد يلوح في الافق ( – ليس من السهل ان تجد انساناً يفهمك وتفهمه .
– وانا هذا الانسان برأيك ؟
– أنت ؟ . ولا أدري ماذا يبقيك لحد الآن في هذه الحفرة الكبيرة هنا ؟!
– لي فيها أبن , واريد ان اعرف نهاية هذه اللعبة التي يديرها أربابك معي .
–  لن تعرف شيئاً على الاطلاق . ) ص295 .
لقد كتب عليه التمزق في الغربة والاغتراب بعذابات مريرة , كأنها متواصلة من الماضي الى الحاضر , تجر بخيولها المتسارعة لتصرعه  . فما عليه إلا شطب المكان طالما فقد الحماية والرعاية والسند   ,فلم يعد بوسعه الدفاع عن نفسه  , فقد رمي في الحجز , وارسل مخفوراً مع شرطيين في الابعاد والطرد الى المطار . حتى لم يسمحوا له بتجميع حاجياته واوراقه ووثائقه , لم يسمحوا سحب امواله من البنك , لم يسمحوا ان يودع طفله , وكذلك زوجته , التي شعرت بالذنب الكبير , الذي اقترفته بحقه ظلماً  .
  ××  الدلالة الرمزية في سقوط سبرطة وسقوط الحب , أو فشل الحب في موسكو :
سبرطة عصية على السقوط والانكسار مهما كانت الاحوال والظروف , فهي تخرج منتصرة , كما هي في نشأتها العصية والقوية في المجابهة والتحدي , وليس هي سهلة التطويع والانكسار في ظروفها الداخلية والخارجية , لكنه سقطت في موسكو , سواء كانت سبرطة القديمة , او سبرطة الجديدة ( البيريسترويكا ) التي تدعي انها  اكثر رحمة وانسانية من القديمة , وانها تحب الغرباء ولا تبعدهم . لكن العكس هو الصحيح . لذلك سقط ( خالد ) في الامتحان ,  في الحب والزواج  , ووجد نفسه منبوذاً ومطروداً  . ولكن ماذا عليه ان يفعل ؟( وماذا بأمكاني ان افعل ؟ أشحن سيارتي بمتفجرات وأدفعها الى الكرملين كما يفعل يائس , أم اصعد على ضريح لينين وانتحر كما يفعل عصابي ,  أم أعلق لافتة برقبتي وادور بها أمام مقر الحزب القائد مطالباً بسقوط أدارة فاسدة , أم أذهب بمسدس الى ادارة النشر وأقتلهم جميعاً ,كل ذلك ليس أكثر من هزيمة العقل .. ) ص342 . هكذا تبخرت الامال وجفت  وضعفت بالانكسار  . هكذا سقطت سبرطة , ولم تعد تنفع شيئاً , ولم تعد سوى مجاراة الالم . ( ستالينا ) انتحرت بسب فشل الحب الذي هرسها هرساً , ولم يسعفها في البقاء , او طلبت منه الرحيل الى خارج البلد  معه ,  لتتخلص من الحفرة الكبيرة التي وقعا فيها معاً  , وكان حلمها حين تصل الى الخارج ان  تفضح قاذورات الارهاب الفكري المسلط قهراً على عامة الناس  , لكنه لم يمد يد العون لها , كما وقع له  في نفس المشكلة ,  لم يمد يد العون له . ولم يكن هناك طريق سوى اليأس والاحباط , رغم ان مشاعره وحنينه الى الوطن , لكنه غير مقبول وغير مرحب به , لا  من النظام ,  ولا من المعارضة . فالنظام   في شخصية  قنصل السفارة ( عدنان ) يشك في ولاءه للسلطة والحزب القائد ,  وانه يقف الى جانب المعارضة , و المعارضة  تتشك في نواياه , بأنه مرتبط بالتواطئ  بالسلطة والسفارة في موسكو , الى حد الاتهام بالتجسس , ومن المعارضة في شخصية  عمه ( صلاح ) القيادي الكبير في المعارضة اليسارية , ولا حتى عمه , لم  يستطع ان يزكيه و يضمن ثقته , وانه يشك به  في  التواطئ مع النظام والسفارة , فيجيبه ( خالد ) محتجاً بقوله ( اذا  أنت لم تعرف أنساناً قريباً اليك فكيف أردت تغيير العالم ) ص378 . هذه القصر النظر السياسية بالجمود العقائدي , المصاب به اليسار العراقي عموماً  . ولكن من الطرف الاخر سلطة البعث  تفرز اخلاقياتها   بالعقلية البدوية في الانتقام والثأر ,  من الصراعات والاحقاد القديمة  , التي تظل راسخة في العقلية , رغم تقلبات وتبدلات الزمن والظروف , في مسألة الغدر والخيانة , في شخصية ( عدنان ) اذ لم ينسى احقاد وصراعات الماضي السحيق  , مع خصمه اللدود ( صلاح ) فقد استدرجه الى بيته بحكم العلاقات ضمن الجبهة الوطنية  القائمة بين الحزبين النظام والمعارضة  , وهناك دس له سم  الثاليوم في فنجان القهوة , وهي تمثل اخلاقيات تربية البعث في الغدر والخيانة
× رواية : حب في موسكو . او سقوط سبرطة
× المؤلف : برهان الخطيب
× اصدار : منشورات  أوراسيا . ستوكهولم – السويد
× الطبعة الاولى : عام 1992
× عدد الصفحات : 384 صفحة
جمعة عبدالله
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular