تمر علينا هذه الأيام الذكرى الأولى لقيام الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بتمرير مشروعه القومي في غاية الأهمية، لتقرير مصير كوردستان بشكل عام وظروف الشعب الكوردستاني في العراق بشكله الخاص، وما يوسف له حقيقة كانت المبادرة ذاتية حزبية خاصة تقدم بها سيادة مسعود البرزاني بأعتباره رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وعليه لم تكن جميع القوى الكوردستانية متفاهمة ومتفقة مع هذا النهج الحزبي السياسي الوحيد في المنطقة، ومع كل هذا وذاك تعاطف الشعب الكوردستاني بشكله الواسع والكبير، وبكل تنوعاته القومية والأثنية مع الأستقلال للقسم الجنوبي لكوردستان الكبرى والقسم الشمالي من العراق لتصل نسبة الموافقة على الأستقلال متجاوزة 90%.
كانت القوى السياسية الكوردستانية الأخرى بمختلف ألوانها وتشعباتها، تقرأ بعناية فائقة خارطة العمل الواقعية الموضوعية البحتة بتركيز تام، بالأضافة الى القوى الوطنية السياسية المعنية والمتفقة ضمن مبادئها الأساسية، على حق تقرير المصير لشعوب العالم أجمع، مستندين الى المباديء الأنسانية في نهج وعمل تلك القوى الوطنية العراقية بشكل عام والكوردستانية بشكلها الخاص، كما وتركز دور القوى الوطنية وخصوصاً اليسار العراقي عامة والشيوعي خاصة، حول المواثيق والقرارات الدولية في هذا النهج الوطني الأنساني، لأسباب عديدة منها ذاتية ومنها موضوعية على النطاق المحلي والأقليمي والدولي.
تقرير المصير هو حق مشروع دوليأً، أقرته منظمة حقوق الأنسان العالمية ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بموجب ميثاقها عام 1948م كحق وطني مشروع، خاصة الشعب الذي عانى الأمرين خلال فترة طويلة قاربت القرن بكامله، جراء تصرف حكومات دكتاتورية فاشية منذ تشكيل الدولة العراقية عام 1921 ولحد 1991م، تلك الحكومات الأستبدادية المتأصلة واللصيقة بنظرتها الشوفينية الفاشية التعصبية، على حساب الأنسان المظلوم في بلاد ما بين النهرين الخالدين عبر التاريخ القديم والحديث، حتى صدور قرار دولي بمنع طيران السلطة العراقية الصدامية وفق خط عرض 36، ليتم فصل المنطقة عن تأثير السلطة في بغداد، لتكون سلطة قائمة في كوردستان العراق مستقلة وشبه منفصلة عن العراق، لغاية أحتلال العراق من قبل قوى أنكلوأميركية في 9 نيسان عام 2003، حتى توافقت القوى السياسية العراقية بما فيهم القوى الكوردستانية، بتشكيل سلطة مؤقتة مشتركة على أسس طائفية وقومية محاصصاتية، تقسم الغنائم على الأطراف بعيداً عن العمل الفعلي لصالح الشعب العراقي بكافة مكوناته بما فيهم العرب والكرد بأعتبارهما مكونين أساسيين وبقية المكونات القومية والأثنية الأخرى، على حساب الشعب والوطن وفق مساومات خارجة عن جميع المقائيس الأنسانية.
تحالفت تلك القوى الطائفية الشيعية والسنية والكوردية، على أساس تحملهم مسؤولية أدارة البلد بطرق فاشلة وغير منصفة على جميع مكونات الشعب العراقي، والتي تمثلت بضربة قاصمة لروح وفكر الديمقراطية ونهجها الخادم للشعب، لتتفاقم ازمات متتالية أمنية وخدمية وبطالة خانقة تجاوزت 30%وبطالة مقنعة هي الأخرى لأكثر من 30%، بممارسة أفعال ماعشية لسلطات متعاقبة لا تقل وحشيتها عن الفاشية في ضرب ومقارعة الخيرين الوطنيين من الشعب العراقي، ناهيك عن سلب ونهب واردات العراق دون حسيب ولا رقيب، على حساب الأقتصاد العراقي المدمر من قبل تلك القوى الفاسدة، والتي لاتقل خطورتها عن داعش الأسلامي السياسي المتعفن.
تلك القوى المتحالفة دمرت البشر والحجر في العراق الجديد، كونها متشبثة بالديمقراطية زوراً وبهتاناً، مستغلة الشعب العراقي أبشع أستغلال من جراء فسادهم الفاني من جميع النواحي التعليمية والصحية والخدمية والأجتماعية والأقتصادية، بالأضافة الى تشويه السياسة العراقية بأستغلال عملها ابشع أستغلال، حتى وصلت الى تشويه الصورة السياسية العراقية بشكلها العام، ليترحم قسم من الشعب العراقي بشكله العفوي على النظام السابق وفق المعطيات على الأرض.
ما قام به الأستاذ مسعود بخصوص الأستفتاء لم يكن موفقاً من جهة ، مما أنعكس سلباً على أدارة العراق بشكل عام وكوردستان بشكل خاص، كونه جزاً لا يتجزأ من الأخفاق الحاصل في العراق، نتيجة مشاركته في أدارة السلطة العراقية لأكثر من 15 عام، وفي أقليم كوردستان لأكثر من 27 عام، والسبب هو تحالفه مع القوى القومية الكوردستانية الطفيلية، التي لا يروق لها مستقبل المنطقة والشعب حفاظاً على مصالحها الذاتية.
كما وتحالفه الدائم مع القوى الطائفية الشيعية بما يسمى(التحالف الوطني) والسنية بمختلف أجنداتها المتنوعة، كون تلك القوى بعيدة كل البعد عن مصالح الشعب والوطن، وخير دليل على هذا وذاك هو كتابة الدستور العراقي، بعلله القائمة وتناقضاته المميتة المدمرة والمخفقة نظرياً وعملياً، لبناء دولة قائمة على مؤسسات فاعلة وأسس رصينة وهدف معني وواضح لخدمة الشعب العراقي. والقوى الكوردستانية تملك قدرات وأمكانيات لا يستهان بها من خلال مشاركتها في السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية والرئاسية محسومة لها في كل عمل تحالفي قيادي ينعكس سلباً على عملها الوطني الفاشل.
فعلى الأخوة الكرد، مراجعو الذات والأداء بأنفتاح تام وتقبل النقد بوعي تام فاعل، بأهمية رفد عمل قوى الثورة الكوردستانية منذ نشأتها ولحد الأنتفاضة الخالدة في آذار 1991، ومحصلتها أستقلالية سلطة كوردستان عن السلطة المركزية العراقية، بجهود جميع تلك القوى الواعية التي ساهم بها العرب والكرد والتركمان والكلدان والآثوريين والأزيديين والصابئة المندائيين والكرد الفيلية والشبك والخ من مكونات المجتمع العراقي، التي تحملت الجزء الكبير في مقارعة الدكتاتورية الصدامية منذ عام 1978م، وفي مقدمة تلك القوى التي ساندت الشعب الكوردستاني في نضاله العسير، هم الشيوعيين العراقيين، كسياسيين تاريخيين وطنيين مضحين بكل ما ملكوا من الأمكانيات والقدرات، بما فيه أرواحهم ودمار عوائلهم من أجل سعادة شعبهم وحرية وطنهم.
الأخفاق الحاصل لم يكن وليد الصدفة بل كان العين بعينها، حيث الوضع الداخلي لا يقل خللاً عن الأقليمي كما الدولي. كان على الأخوة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني ترتيب بيتهم الداخلي بالكامل، بعيداً عن التشتت والأنقسام الحاصل بين قواه السياسية والشعبية، وأحترام حقوق المكونات القومية ضمن كوردستان كاملة غير منقوصة وأحترام آراء حلفائهم في النضال لعقود من الزمن، كما ومراعاة الوضع الداخلي والأقليمي، بمد يد الحوار الدائم مع دول الجوار الذي يعيش فيها الشعب الكوردستاني وخصوصاً أيران وتركيا وسوريا، أضافة الى التنسيق التام المتواصل مع دول عالمية مؤثرة، ناهيك عن دعم ومساندة القوى الوطنية المؤثرة في دول الجوار العراقي وصولاً للسلطة في تلك البلدان، ومن ثم يتطلب التحاور البناء مع السلطات الجديدة، بتفهمها للوضع الكوردستاني بأحقاق حقوقها كاملة غير منقوصة.
حكمتنا: (لا يمكن نجاح أي مشروع، الاّ من خلال أستحكام آلياته المطلوبة).
منصور عجمايا
أيلول \ 2018