اقامت المؤسسات الدولية التالية ( مؤسسة الهيمالايا للبحوث والثقافة & الملتقى الأفريقي للدفاع عن حقوق الإنسان & مؤسسة الحكيم ) في 14 سبتمبر 2018 في قصر الامم المتحدة وذلك بالتواازي مع انعقاد الدورة ال39 لمجلس حقوق الانسان ندوة بعنوان (حوار مفتوح حول التراث الثقافي والسلام ) وشارك فيها كلا من الاسماء باوراق عمل :
البروفيسور كا واريكو : الامين العام لمؤسسة الهمالايا للبحوث والثقافة.
البروفيسورة سوناليكا كول : مركز الدراسات التاريخية ، جامعة جواهرلال نهرو.
الكاتب حسو هورمي : رئيس مؤسسة الايزيديين في هولندا
الدكتور غولام رسول دهلوي : باحث وكاتب بارز في الإسلام ، الصوفية والثقافة بجامعة جون نوتردام الأمريكية
وادار الندوة الاستاذر بيرو ديوارا مدير مؤسسة رادهو .
واليكم نص الورقة التي قدمته معززا بصور من مراحل بناء المزرات وقبل واثناء التدمير وبعد اعادة البناء:
تدمير التراث الحضاري الايزيدي جريمة لن تغسلها الإدانات
( بعشيقة وبحزاني تنهض من جديد ).
حسو هورمي
شكرا جزيلا على هذه الدعوة واثمن دور القائمين على هذه الفعالية .
الجميع هنا على اطلاع بما قام به داعش من جرائم بحق الاقليات العراقية ( الايزيدية والمسيحية والشبك الشيعة والتركمان الشيعة والكاكائية ) في سنجار وسهل نينوى والان حديثنا سيقتصر على جريمة داعش في تدمير التراث الحضاري الايزيدي ودور الاهالي في اعادة اعمار هذا التراث وتوظيفها في تكريس السلم المجتمي .
لقد وزعنا على الحضور تقريرا من اعداد مؤسستي ( دمدم للاغاثة الانسانية في اقليم كوردستان العراق و الايزيدية في هولندا ) يبين بالارقام والاحصائيات ما ارتكبته داعش بحق الايزيديين من جرائم .
حيث تنتقل هذه الحرب الدموية لتطال الإنسان الإيزيدي في شخصيته وتاريخه، وتراثه العريق من خلال تدمير المراقد، والمزارات، والمعابد الدينية، والمقابر وجميع مايتعلق بتراثه الحضاري الثقافي والديني والمجتمعي وهي من أقذر أشكال الحروب في التاريخ ، ومع شديد الأسف يقف العالم المتحضر متفرجا على نار تشتعل لتأكل كل الطرق إلى الله .
الجهاديون يدمرون مواقع أثرية وحضارية
ما حدث من تدمير للتراث الايزيدي ليس بجديد فهناك مواقع أثرية وحضارية يعود بعضها لقرون عديدة دمرها الجهاديون والجماعات الإرهابية في المغرب العربي والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وهنا نستعرض بعض منها ( سنة 2012 في مالي قامت الجماعات الإسلامية المسلحة بهدم ونهب الضرحة والاماكن الاثرية في مدينة تمبكتو وفي سوريا تقول جمعية حماية الآثار السورية أن أكثر من 900 نصب أو موقع أثري دمرت بأيدي النظام السوري أو المعارضين المسلحين أو الجهاديين منذ عام 2011 وفي العراق قام تنظيم “الدولة الإسلامية” بعملية “تطهير ثقافي” بعدما أزال بقايا حضارات بلاد الرافدين القديمة وبيع بعض منها وفي ليبيا والجزائر خلال السنوات الماضية دمرت الكثير من أضرحة شيوخ الطرق الصوفية وفي افغانسان لايزال منظر تدمير تمثالين عملاقين لبوذا في باميان “تارخهما اكثر من 1500 عام ” سنة 2001 والتي اعتبرتهما حركة طالبان “مخالفين لتعاليم الإسلام” التي تحرم نحت تماثيل على شكل إنسان وهناك الكثير من الامثلة الحية .
عود على بدء
سوف اتكلم عن تجربة فريدة من نوعها وهي اعادة ترميم المزارات والاضرحة والمقامات الدينية للايزيديين في بعشيقة وبحزاني ,التي اجتاحتها داعش يوم 7 اغسطس 2014 وبقوا فيها لغاية يوم الاثنين 7 نوفمبر 2016 حيث تحررت .
نعم لقد نزح اهالي بعشقية وبحزاني ( حوالي 36 الف نسمة غالبيتهم من الايزيديين بنسبة 85 %، ولم يتبق في المنطقة الا عدد قليل من العوائل المسلمة لا يتجاوز عدد الاصابع، الى جانب بقاء 3 مسيحيين مصابين بعوق ذهني احدهم اعتقله داعش والاخرين ماتوا جوعا ) في ليلة 6 اغسطس 2014 من سكناهم نحو قرى وقصبات اقليم كوردستان وهاجم داعش في اليوم التالي جميع مناطق سهل نينوى.
27 شهرا هي الفترة التي بقت فيها بعشيقة وبحزاني تحت رحمة اقذر تنظيم ارهابي ” داعش ” ، عاث عناصر التنظيم دمارا في المنطقة وحسب الاعلامي مهند سنجاري فان التقديرات الأولية للخسائر الاقتصادية والزراعية والمادية جراء التخريب والتدمير تشمل :
1ـ التدمير و التخريب و التفجير
2ـ السلب والنهب واللصوصية
3ـ الاستحواذ على الممتلكات الشخصية
4ـ الخسائر الاقتصادية و التجارية
5ـ الخسائر التي لحقت بالزراعة والثروة الحيوانية
6ـ ما لحق بالبنية التحتية المصانع والمعامل والبيوت
7ـ تدْميرْ المعابد والمزارات و الكنائس
8 ـ الورش والمكاتب الالكترونية
ملحوظة: تقع ناحية بعشيقة على بعد 12 كم شمال شرق الموصل وهي ناحية تابعة لقضاء الحمدانية واغلب سكانها من الايزيديين والمسيحيين بالاضافة الى قرى تابعة لها تسكنها الشبك و العرب و التركمان. وبجانبها تقع قرية بحزاني .
ترميم واعادة بناء مادمره داعش
المهندس خيري كدي الذي شارك مع مجموعة من الخلمتكارية في اعادة وترميم وبناء هذه الرموز ، يتحدث لنا قائلا ( الحقيقة بدأ التفكير بإعادة إعمار المزارت منذ لحظة سماعنا نبأ تفجيرها في الشهر الثامن من عام 2014 واول خطوة قمنا بها هي تثقيف وتوعية الناس على اهمية اعادة بناء المزارات لشحذ الهمم وتقوية معنوياتهم في تلك الفترة العصيبة ) واستدرك قائلا ( بالنسبة لكنائس المسيحيين في بعشيقة لم تتأثر الكنائس بصورة كبيرة ماعدا العبث بالمحتويات وسرقة قسم منها ، اما جوامع المسلمين فلم يصبها ضرر لان مسلمي بعشية من المذهب السني ، عدا بعض القرى المجاورة من المذهب الشيعي دمرت حسينياتهم وقد تم اعمار البعض منها) وذكر ايضا بانه ( كان لاعمار المزارات تأثير ايجابي في نفسية الاهالي مما ساعدهم على العودة الى ارضهم وحياتهم السابقة وبالتالي ادى الى حدوث نوع من الاستقرار في المنطقة مما ساعد على ترسيخ السلام في المنطقة لأنها أعطت نوع من الراحة النفسية وإمكانية قبول الاخر من من من لم تتلطخ ايديهم بالجرائم) .
واضاف قائلا ( وهذا ما ساهم بشكل او اخر في تجذر وتشبث الأهالي بأرضهم وعدم التفكير بالهجرىة ومزاولة حياتهم اليومية كما كانت في السابق حيث قل عدد المهاجرين بشكل ملحوظ خلال وبعد فترة البناء للمزارات) .
اما عن اعادة ترميم وبناء التراث الحضاري الايزيدي يقول الاعلامي مهند السنجاري وهو من اهالي المنطقة وقريب من كل ماجرى لهم ( لقد تم تدمير جميع القباب الخاصة بالمكون الايزيدي وجميع القاعات الدينية وتدمير القبور ايضا، وان اعادة بنائها منذ الايام الاولى لتحرير المنطقة كان له الاثر الايجابي الكبير في عودة الاهالي وعودة الامل، وساهم في التخلص من ابرز العوامل النفسية التي اثقلت كاهل المواطن الايزيدي، وباتت خصوصا بعد عودته، حين شاهد بان الكنائس والجوامع لازالت قائمة على العكس من القباب المدمرة، كما ان العمل الطوعي لبنائها زاد من اندفاع الشباب بشكل عام للعمل الطوعي وتمخض عن ذلك عدد من الحملات الشبابية الطوعية التي ساهمت في تنظيف المدينة من مخلفات الحرب، وزرع الامل في نفوس الاهالي.وبشكل عام فان قضية المختطفات وتدمير القباب كانت اكثر العوامل التي تسببت في الشعور بالاحباط واليأس، وان اعادة بناء القباب باتت تمثل تحدي لاجل البقاء ) .
بهدف طمس هوية الاقليات في سنجار وسهل نينوى وخاصة الايزيدية كاقلية دينيةعريقة قام داعش بتدمير كل ما يمت إلى تاريخها الحضاري والإنساني في محاولة لازالة الشواهده والآثار المتعلقة بها في العراق وسوريا ، إنه مشهد مؤلم ومثير للانتباه.
إنها جريمة بحق التاريخ والحضارة الإنسانية لن تغسلها إدانة من هذه المنظمة الدولية او هذا المسؤول الأممي أو ذاك السياسي المتآمر الداعم للإرهاب ، بل ستظل وصمة عار في جبين التجار وسماسرة الحروب .
في الختام
اقول على الجميع السعي لحماية مواقع التراث الحضاري الانساني ضد الهجمات التي تستهدفها بتعزيز الثقافة وتوظيفها كمصدر من مصادر السلام ومحفّز للحوار والبحث عن اليات وتدابير لاستثمار هذا التراث المتنوع في خدمة تكريس السلم الجمعوي والتعايش المجتمعي.
ملاحظة: لاهمية ورقة عملنا طلبت احدى المجلات المتخصصة في التراث الحضاري بضورة نشرها في العدد القادم