مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية
مقدمة تمهيدية : الأنبياء والرسل هم صفوة الله تعالى من البشر في خلقه ، وهم أيضاً المختارون من لدنه الى الناس جميعاً في المعمورة لأجل التوحيد والهداية والإصلاح وتعزيز القيم والفضائل في المجتمعات . وقدِ آختار الله تعالى لتصدِّي مقام النبوة العظيم أفضل خلقه وأنقاهم وأتقاهم وأصبرهم وأحلمهم وأنبلهم خًلُقاً وأعلاهم عفة وأعقلهم وأكثرهم ذكاءً ونبوغاً وبصيرة وأمانة وغيرها من الصفات العالية ، وذلك لتحمُّل أعباء النبوة ، أو الرسالة ونشرها كما هي بين الناس بكل صدق وأمانة ، ثم الأنبياء هم أكثر الناس عرفاناً ومعرفة بالله تعالى ، وهم أكثرهم أيضا تواضعاً لله سبحانه وطاعة وعبادة .
لذلك يؤكد القرآن الكريم على الإصطفاء والإختيار الإلهي الرباني للأنبياء ، فقال في هذا الشأن : { الله يصطفي من الملائكة رُسُلاً ومن الناس * إن الله سميع عليم } الحج / 75 ، والنبوة لا تُكتسب ولا تُدرك بالسعي والمناضلة لها . كذلك فالنبوة لا تنال بكثرة الطاعة والعبادة ، ولا بالغلبة والقوة ، ولا بالتوارث ، ف( ولد النبيِّ لا يكون نبياَ بطريق الإرث عن أبيه ، بل هي بمحض الفضل الإلهي ، والإصطفاء الرباني { ولقد آخترناهم على علم على العالمين } ، { إن الله آصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } ) يُنظر كتاب ( النبوة والأنبياء ) لمؤلفه الأستاذ محمد علي الصابوني ، دار الحديث ، القاهرة / مصر ، ط 2 ، 1980 ، ص 10
المسيح وكثرة طاعته وعبادته لله تعالى : من أوجه الصواب والصحة في الإنجيل بنسخه المتعددة المختلفة ، وذلك رغم التناقضات والتحريفات الكثيرة الواردة فيه ، هو مازال يختفظ بالعديد من الكلام الذي يمكن آعتباره صحيحاً ، أو إنه فعلاً صدر عن عيسى المسيح ، أو إن الله سبحانه عبر وحيه قد أوحاه اليه ، منها إن المسيح كان كثير العبادة لله عزوجل ، مثل الصلاة والصوم والحمد والشكر لله ربه والدعاء له والتضرُّع اليه . فيما يلي أنقل مقتطفات من مختلف الأناجيل حول كثرة مزاولة عيسى المسيح الطاعة والعبادة لله خالقه وربه المتعال ، وهي :
1-/ يقول إنجيل متَّى عن صوم عيسى المسيح أربعين يوماً وأربعين ليلة لله تعالى ربه : [ ثم سار الروح بيسوع الى البرية ليجربه ، فصام أربعين يوماً وأربعين ليلة حتى جاع ] . يُنظر كتاب ( الكتاب المقدس ) ، جمعيات الكتاب المقدس في المشرق ، بيروت / لبنان ، دار المشرق . ش . م . م . بيروت / لبنان ، المكتبة الشرقية ، بيروت / لبنان ، ط 6 عام 1988 ، كتاب ( إنجيل متّى ) ، ص 43
2-/ المسيحُ يحضُّ الناس في قومه على الصوم الخالص من الرياء لله عزوجل : [ واذا صمتم فلا تُعبِّسوا كالمرائين فإنهم يُكلِّحون وجوههم ، ليظهر للناس أنهم صائمون , الحق أقول لكم إنهم أخذوا أجرهم . أما أنت ، فإذا صُمتَ ، فآدهن رأسك وآغسل وجهك ، لكيلا يظهر للناس أنتَ صائم ، بل لأبيك الذي في الخُفية ، وأبوك الذي يرى في الخفية يُجازيك ] . يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة والإنجيل ، ص 53
3-/ المسيح يُوجِّهُ الناس الى الدعاء لله وحده وسؤاله دون غيره : [ فما أوْلى أباكم الذي في السماوات بأن يُعْطِيَ ما هو صالحٌ للذين يسألونه ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة والإنجيل ، ص 55
4-/ المسيح يحمد ُ الله تعالى ربه : [ أحمدكَ يا أبتِ ، رَبَّ السماوات والأرض ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة والإنجيل ، ص 68
5-/ المسيح يُصلِّي لله ربه : [ ثم جاء يسوع معهم الى ضَيْعة يُقال لها جَتَسمانية ، فقال للتلاميذ : أمكثوا هنا ، ريثما أُمضي وأُصلِّي هناك ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة والإنجيل ، ص 111
6-/ المسيح يحضُّ أتباعه على الصلاة والتسامح وحسن الدعاء لله ربه المتعال : [ كل شيءٍ تطلبونه في الصلاة ، آمنوا بأنكم قد نِلْتموه ، يكن لكم . واذا قمتم للصلاة ، وكان لكم شيءٌ على أحد فآغفروا له ، لكي يغفر لكم أيضاَ أبوكم الذي في السماوات زلاتكم ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة ، كتاب ( إنجيل مرقس ) ، ص 162
7-/ المسيح يُحْيي الليل كله في التعبد والصلاة لله ربه سبحانه : [ وفي تلك الأيام ذهب الى الجبل لِيُصلِّي ، فأحيا الليل كلهُ في الصلاة لله ] يُنظر المصدر المذكور والجمعيات ودار النشر والمكتبة والمكان والزمان والطبعة ، كتاب ( إنجيل لوقا ) ، ص 208
هكذا ثبت بكل وضوح من خلال النصوص والشواهد التي نقلناها من مختلف الأناجيل لكلام عبدالله تعالى ونبيه عيسى المسيح بأنه كان نبياً من الأنبياء المرسلين ليس إلاّ ، وأنه كان كثير الصلاة والصوم والدعاء والحمد والشكر لخالقه الله جلَّ في عُلاه ، وأن كل ما يقولون عنه ليس إلاّ تقوُّلاً وتحريفاً وآنحرافاُ مباشراً عن سيرة النبي العظيم عيسى بن مريم – عليهما الصلاة والسلام – ، وما أحوجهم بالعودة اليها ، حيث الرجوع عن الخطإ فضيلة كبرى ، لنا أمل بحكمائهم وعقلائهم الذين يهمهم الحق والحقائق والإثباتات لا شيئاً آخر ..