الكاتب الحقوقي والخبير في الشأن الإيراني
من المقرّر إجراء الانتخابات المقبلة لمجلس شورى نظام الملالي في 21 فبراير الجاري. ضمن هذا العرض الحکومي، تتزاید وتتسارع النزاعات داخل النظام لدرجة أنه يزیح الستار عن عمق حرب الذئاب المشتعلة داخل النظام من أجل تصفیة الأطراف المتنازعة. وشهدت هذا الحرب الحامیة الوطیس استبعاد 90 نائباً من النواب الحاليين من قبل مجلس صيانة الدستور. هذا العرض الانتخابي المثير للسخرية یشبه قطعة قماش یتصارع مسؤولو العصابات الحاكمة في إیران علی تمزیقها إرباً إرباً للحصول علی حصة أكبر لأنفسهم أو لزمرتهم.
في هذا الشأن حذّرت الصحف التابعة لعصابة روحاني، خامنئي وعصابته من حملة الإقصاء واسعة النطاق التي طالت مندوبي ومرشحي “الإصلاحیین” مؤکدةً علی أنّ وتیرة الإقصاء والتصفیة التي یشهدها مجلس الشوری المقبل سيجعل النظام برمته أكثر عرضة للأحداث. في هذا الصدد نقلت صحیفة “جهان صنعت” الحکومیة في 22 ینایر التحذیر الذي وجّههه “فلاحت بیشه” عضو لجنة الأمن في البرلمان، إلی مجلس صیانة الدستور وعلی رأسه خامنئي قائلاً:
«الظروف العامة للبلاد لا تسمح بإقصاء واسع النطاق لأنه ليس في مصلحة البلاد والنظام. نظراً لاحتجاجات نوفمبر والوضع الاقتصادي للشعب وبتبعه الاستیاء العام من الوضع السياسي في البلاد، كان من المتوقّع ألا نرى إقصاء واسع النطاق من قبل مجلس صيانة الدستور للانتخابات البرلمانية».
من الواضح أنّ هذا الصراع الداخلي وتأجيج الأزمات أمر غیر مرّحب به من قبل قادة نظام الملالي لکن الشعب وخاصة الثوّار قد فرضه عنوة علیهم. يمكن رؤية مثال على هذه الاضطرابات والأزمات الداخلية في تضرّعات المعمّم حسن روحاني ومناشدته الشعب للمشارکة في الانتخابات عندما قال في 27 يناير:
«دعونا نحضر صنادیق الاقتراع! حتى إذا لم نحرز النسبة التي نریدها، فقد نحرز نسبة 90 في المائة أو 80 أو 70 في المائة لكننا يجب ألا ننسى مهمتنا الأساسیة. يجب أن نعلم مدی تأثیر حضورنا في الساحة في هذا المنعطف التاریخي»!
محاولة استنجاد المعمّم روحاني هذه تطرح السؤال التالي: ماذا يقصد روحاني بالمنعطف التاریخي؟
في الأدبيات السياسية يشير مصطلح “المنعطف التاريخي” إلى الظروف التي تعتبر أهم العوامل المحددة لمصير الأمة والتي يجب تحديدها من خلال الإرادة الوطنية العامة.
ولكن بغض النظر عن المعنى السياسي لهذا المصطلح، يمكن تفسير المعنى الذي قصده روحاني بعدة طرق:
-
مثل هذا الوضع بالنسبة لنظام الملالي یتبلور فقط من خلال الشعب الإیراني وقراره الحاسم للإطاحة بهذا النظام الفاسد. وهذا يعني أنّ الشعب الإیراني في هذا “المنعطف التاريخي” يعمل علی الإطاحة بالنظام الفاسد برمته في سبیل تحدید مصيره الوطني والتاريخي. هذا هو المعنی الدقیق لمصطلح “المنعطف التاریخي” الذي استشعره حسن روحاني ولمسه عن کثب بصفته رئیس الدولة وأخذ التهدید الناجم عنه علی محمل الجد.
من الواضح جداً بالنسبة لروحاني أنّ إحدى الخطوات الهامة التي سيتّخذها الشعب الإيراني المظلوم ضد نظام ولایة الفقیه الهمجي هي مقاطعته لمسرحیة الانتخابات الساخرة وعدم المشارکة فیها. لأن النظام قد حاول من خلال إقامته سیرك تشییع جثة قاسم سليماني الجزّار أن یروّج لکذبة مفضوحة مفادها المطالبة الشعبیة واسعة النطاق ببقاء هذه الحکومة الفاسدة. وهي طريقة مفضوحة یلجأ إلیها الملالي إبّان الانتخابات وقد اعتاد علیها الشعب الإيراني ولم یعد ینخدع بعد الآن.
يحاول عملاء النظام بشكل مستمیت إبقاء العرض الانتخابي ساخناً، ولكن بما أنهم یعلمون جیداً بمدی كراهیة الشعب إزاء النظام والوضع المتفجّر داخل المجتمع، لا يمكنهم إخفاء مخاوفهم من الانتفاضة القویة التي أبعدت حتی الغربیین عن سیاسة الاسترضاء والمساومة مع النظام وعجّلت الإطاحة به، وبالتالي یعکسون تلقائیاً الأزمات المریرة والهزّات التي یعاني منها جسد النظام المتهالك عبر تصریحاتهم الجوفاء.
المعمّم روحاني –سواء في منصبه الحالي کرئیس البلاد أو المناصب الحساسة المختلفة التي تقلّدها سابقاً– یدرك جیداً طریقة الملالي المفضوحة هذه کما یدرك تصمیم وإصرار الشعب المحتجّ علی مقاطعة الانتخابات وعدم المشارکة فیها، وبالتالي لجأ إلی آلیة المناشدة والتضرّع لاستمالة مجموعة من الأشخاص –ممن لا زالوا عرضة للخداع– إلی المشارکة في الانتخابات وجرّهم إلی صنادیق الاقتراع بکل الطرق المتاحة.
-
الجانب الآخر في “المنعطف التاريخي” الذي أشار إلیه روحاني یرتبط باحتجاجه على عملیة الإقصاء الواسعة لمرشحي عصاباته ومنعهم من خوض الانتخابات. قبل بضعة أيام وبناءً علی أنّ النظام یواجه موجة من التحدیات والنزاعات، قام روحاني بتصفیة العصابة المتنافسة علی أمل إزاحتها من العرض الانتخابي.
في حرب العصابات هذه، كشف روحاني عن حقيقة العروض الانتخابیة في حکومة ولایة الفقیه قائلاً: «يتم تعيينهم في مكان آخر کي یذهب الناس إلى صناديق الاقتراع ویؤدوا شکلیات الانتخابات». في هذا الصدد ضرب روحاني المحتال مثالاً مخادعاً لإثبات تحیّز النظام وانکماشه وتعيين المندوبین من قبل خامنئي بدلاً من انتخابهم من قبل الشعب وقال: لنفترض أنه طلب منکم الذهاب إلى متجر كبير لابتیاع غرض ما، إذا لم يكن في المتجر سوی جنس واحد وعلامة تجاریة واحدة فما معنی الاختیار! بهذا المثال أوضح روحاني للعصابة المنافسة أنّ جميع مرشحي مجلس الشوری المقبل هم من عصابة خامنئي وقد تمت غربلتهم وانتقائهم بعنایة شدیدة مسبقاً.
يستشهد “صادق زيباكلام” أحد منظري عصابة “الإصلاحيین” بأمثلة للکشف عن الابتذال الانتخابي الذي يوضّح عمق الانقسام داخل الحكومة قائلاً:
«بما أنّ جميع المندوبین الحالیین قد وافق عليهم مجلس صيانة الدستور نفسه في انتخابات عام 2015، فإنّ النتيجة الكارثية التي يتعيّن علينا اتخاذها هي أنّ «مجلس الشوری الإسلامي» بدلاً من أن یکون «مجلس الأمة» أصبح ملاذاً «لانتاج الفساد»، والأشخاص النزهاء والأبرياء الذين يدخلونه یتحوّلون إلی حفنة من متعاطي الرشاوي والمفسدین مالیاً وأخلاقیاً. في هذا الشأن یطرح سؤال نفسه وهو: ألا ينبغي علینا أن نهتف ضد مجلس الشوری الذي تمكّن العدو من التسلل إليه إلی هذه الدرجة الکارثیة بینما نردّد الشعارات المناهضة لأمریکا وإسرائیل وبریطانیا وفرنسا وآل سعود والمسؤولین غیر الأکفاء ومؤیدي المفاوضات؟
ما ذکرنا أعلاه ليس سوى لمحة عن الأزمات التي تضرب نظام الملالي الفاسدین الناجمة عن الضربات المتتالیة التي تلقّاها النظام نتیجة الانتفاضات الشعبیة المتعاقبة. وسیواجه خامنئي وروحاني المزيد من الحروب والصراعات والأزمات في الفترة التي تسبق الانتخابات. ولا شك أنّ الشعب الإيراني والمقاومة الإیرانیة هما الرابحان في هذه القضیة، لأنّ مأزق نظام ولایة الفقیه ووابل أزماته ينشأ من الدور الفعّال الذي لعبه الشعب الإيراني والمقاومة والذي أودی بالنظام إلی ما هو علیه الیوم وجرّه إلی “المنعطف التاریخي” الذي تحدّث عنه “روحاني“.