ساحة التحرير، مفخرة العراق ونقطة إنطلاق كتابة تأريخه الحديث، تأريخ يُكتب بالدماء ليفتح صفحة مشرقة في كتاب شعب يقوده شابّات وشبّان الى حيث الإنعتاق من الذلّ والجوع والتبعية. ساحة سنستعيد من خلال خيامها وهتافات ثوّارها كرامة شعب صادرها البعثيون والإسلاميّون القتلة، ساحة التحرير قدس أقداس العراق ومكّتها المكرّمة. ساحة التحرير ساحة ليست ككل الساحات، ساحة تبدو الساحات أمامها فقيرة، ساحة ملئت وستملأ اخبارها الدنيا وتشغل الناس، ساحة سيكون نصب حريّتها مزارا للثوار، مزارا للأحرار، مزارا للباحثين عن أوطان.
من مثلك يا عروسة بغداد، ساحة الكونكورد الباريسية وهي تحتضن مسلّة فرعونية أُهديت لها من مصر؟ وهل تصل الكونكورد الى شموخك وأنت تحتضنين نصب جواد سليم بكلّ رمزيته؟ نصب عراقي خالص يلتحف به ثائرات وثوّار بيدهم ” مفاتيح مستقبل زاهر“(1)، و ثائرات وثوّار تسلّقوا السماء في مواجهتهم للحقد الإسلاميّ الأسود وهم ينظرون صوب شمس الحريّة التي تصنعها أكفّهم وهي تُقبر عصر الفجيعة الإسلاميّة، لهؤلاء تنشد ساحة التحرير وهي تحتضن الثورة سوأ “سلامٌ على جاعلين الحُتوف… جسراً إلى الموكبِ العابرِ“(2). لا، الكونكورد ليست مثلك الّا في جزئية إعدام لويس الرابع عشر، والذي ستستعيضين عنه في أن تُنصب فيك أقفاص القتلة والخونة والمأجورين والفاسدين لمحاكمتهم.
من مثل نصب حريتك، تمثال الحرية في مانهاتن؟ إن كانت فرنسا قد أهدت تمثال الحريّة لأمريكا، فأنّ شابّات العراق وشبّانه يهدون كلّ يوم شعبهم تماثيل للحريّة، وسينصب أبناء شعبنا وهم يكنسون السلطة الفاسدة الى حيث عليها أن تكون، تماثيل للحريّة تزيّن فضائك وجسور الشهداء والأحرار والجمهورية ومحمّد القاسم، وساحات السنك والوثبة والخلّاني والطيران وحديقة الأمّة. تماثيل بعدد شهيدات وشهداء الإنتفاضة وهم يحملون مشاعل النور، التي نقوم بإيقادها متنقلين اليها بالتك تك المقدّس.
من مثلك أيتها الرشيقة، بلازا مايور المدريدية..؟ هناك كانت مصارعة الثيران، وفيها كان المصارعون يمتّعون المشاهدين وهم يقتلون الثيران فيها. أمّا في حرمك المطهّر فأنّ العصابات تقتل أبناء العراق، لتثبت لرعاتها ولائها وتبعيتها وحقدها على أبناء شعبنا. وكما ألغى الإسبان تلك المصارعة غير الإنسانية الى الأبد، فثوار ساحتك سيلغون حكم العصابات الإسلاميّة والى الأبد.
إنّك يا قلب العراق اليوم لست كما (تيان آن مِن) في بكّين، فهناك خرج ذوي الياقات البيض ليغيّروا تأريخ بلدهم ففشلوا بعد أن إستخدمت ضدهم السلطة كل أشكال القمع. أمّا أنت فذوي الياقات البيض يزيّنونك كما تُزيّن العروس، ويخرجون في زفّة عرسك وهم يواجهون رصاص القتلة وقنابلهم. وإن كان طلبة بكين قدّ هُزموا فأنّ طلبة العراق مصمّمين على النصر الذي بات قاب قوسين أو أدنى، فهؤلاء الطلبة ومعهم كل متظاهري العراق قد عرجوا الى السماء ولا عودة منها الّا ومعهم رايات النصر التي ستزيّن نصبك وحرمك وتزيّن الوطن. وكما وقف الزعيم الصيني ( ماو تسي تونغ) في الأوّل من أكتوبر عام 1949 على منصّة هذا الميدان وهو يُعلن قيام جمهورية الصين حتى اصبح (تيان آن مِن) رمزا للصين الحديثة، فأنّ الأوّل من أكتوبر عام 2019 كان موعد الجماهير لإعلان الإنتفاضة على سلطة اللصوص وهم يعلنون رفضهم لسلطة العصابة بعد أن خرجوا من نفق التحرير الى ضوء النهار ليعلنوا ولادة عراق جديد ولتكوني رمزا جديدا قديما لوطن حر معافى، فهل الأول من أكتوبر في بكين وبغداد مصادفة تأريخية .. ؟
في الساحة الحمراء بموسكو وأثناء الحرب العالمية الثانية، كانت الدبابات تعبر الساحة وهي تتجه الى جبهات القتال ضد النازيين. واليوم في ساحة التحرير فأنّ الثوار يخرجون منها عراة الصدور الا من يد تحمل علما، وهتافا يهزّ الفضاء وهم متجّهون لمواجهة النازيين الإسلاميين. ومثلما كانت الغلبة لدبابات موسكو وهي تدك الرايخشتاغ في برلين، فأنّ الغلبة ستكون لثائرات وثوار بغداد والعراق وهم يدكّون معاقل القتلة وأوكار الخونة..
أيها الجواهري يا عاشق دجلة والفرات أبلغ جواد سليم من أنّ نصبه اليوم أصبح مزارا وساحة التحرير كعبة للثوار والأحرار، وأبلغ أحبّة شعبك بأن شعبنا أذّن اذان الثورة، وقام ينفخ في الصور ليعلن القيامة على الطغاة ورثة الطغاة.
سلاماً، أحبة شعب نيامى، إلى يوم يؤذن شعب قياما… (3)
سلاما ساحة التحرير وساحات العراق المنتفض
سلاما ثائرات وثوار التحرير وثائرات وثوار العراق المنتفض
مجدا شهيدات وشهداء ساحة التحرير ومجدا شهيدات وشهداء العراق المنتفض
(1 و 2 و3) أبيات من قصيدة (سلاما والى أطياف الشهداء الخالدين) للجواهري الكبير.
زكي رضا
الدنمارك
1/2/2020