كتاب البروفيسور جون جوزيف
https://e.top4top.io/p_1493xr3w41.png
البروفيسور جون جوزيف (1923-)، مسيحي سرياني شرقي (نسطوري)، أي من الكنيسة التي سمت نفسها حديثاً آشورية، وهو من أصل إيراني نزحت عائلته إلى لعراق إبان الحرب الأولى، نشأ وترعرع فيه، هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1946م، وأصبح مؤرخاً في دراسات الشرق الأوسط ودرَّس تاريخ الشرق الأوسط في كلية فرانكلين آند مارشال، بنسلفانيا، وطبعاً البروفيسور القدير جوزيف يؤكِّد ما أقوله بصورة قاطعة إن الآشوريين الحاليين (المتأشورين) هم سريان انتحل لهم الغرب اسم الآشوريين أسوةً بأشقائهم الكلدان الحالين (المتكلدنين) الذين انتحل لهم الغرب اسم الكلدان، والاسمان غرضهما سياسي طائفي، وهو يتحدث عن الكلدان أيضاً لكنه بالطبع يرُكِّز أكثر على الآشوريين واسمهم المخترع، مستنداً إلى أدق المراجع العالمية الرصينة والتفاصيل والمعلومات عن السريان النساطرة وبصورة مباشرةً من ناس عملوا معهم وعاشوا بينهم، والكتاب الأول، اسمه:
The Nestorians and their Muslim neighbors
النساطرة وجيرانهم المسلمين، طبع جامعة برينستون 1961م، ثم وضع كتاب أوسع وأشمل من الأول، طبع في بريل 2000م، اسمه:
The modern Assyrians of middle east, encounters with western Christian missions, archaeologists, and colonial powers.
الآشوريين الجدد في الشرق الأوسط، ولقاءات البعثات الغربية المسيحية، علماء الآثار، والقوى الاستعمارية
يجب قول كلمة الحق إن المتكلدنين أكثر أنصافاً من المتأشورين على الأقل إلى سنة 2003م، حيث ترجموا كتباً كثيرة تؤكِّد أنهم سريان، بينما المتأشورين لأن هذين كتابي الأستاذ جوزيف يوضحان بصورة جلية أنهم سريان، فلم يترجموا الكتابين، علماً أنهما لأستاذ من أهل الدار، بينما ترجموا كتباً كثيرة لمستشرقين وأناس خارج الدار، ومع ذلك أغلب تلك الكتب المترجمة خاصة تاريخ الكنسية تؤكد أنهم سريان، ويلخص الأستاذ جوزيف موضوع الآشوريين في كتابه، الآشوريين الجدد في الشرق الأوسط، بالقول: إن الآراميون هم السريان، وهما اسمان مترادفان، ومنذ بداية المسيحية ولمدة 1800 سنة خلت كل مسيحيّو الشرق الذين لغتهم الآرامية ومنهم الذين يطلقون على أنفسهم اليوم اسم الآشوريين، كانوا يُسَمُّون أنفسهم (سورايا، سريان Suraye ،Suryaye، باللهجة السريانية الشرقية) أو (سوريويو، Suroyo ،Suryoy، باللهجة الغربية)، وكما أن المسلمين المتكلمين باللغة العربية، هم عرب، لذلك أسم الآراميين يشمل المتكلمين باللغة الآرامية، ولا زال إلى اليوم السريان الأرثوذكس يتسَمَّون بهذا الاسم.
لأهمية الكتاب الثاني للبروفيسور جوزيف: قبل عدة سنوات سألني أحد الشخصيات المهمة، برأي ما هو أفضل كتاب من الآشوريون أنفسهم يفند زعمهم الباطل؟، فقلت له كتاب جون جوزبف (الآشوريون الجدد) لكنه بالإنكليزي، فقال إنه سيفكر بترجمته على نفقته، لكن يبدو أنه انشغل، لذلك قمتُ أنا بترجمة وتحقيق القسم المهم المتعلق بالأسماء، مع ملاحظة أن الهوامش الموضوعة بين قوسين بعلامة [ ]، وعلامة،” “، هي هوامش المؤلف الأصلية، وعندما أبديت ملاحظتي الشخصية التوضيحية، وضعتها بعد هامش المؤلف بصيغة (نيسكو: ثم أدرجتُ ملاحظتي)، علماً أن معلومات الهوامش سواءً للمؤلف أو لي مهمة جداً، مع ملاحظة أنه عندما ترد في هامش المؤلف عبارة انظر أدناه أو مرجع سابق أو لاحق، ليس بالضرورة المقصود في القسم المترجم هذا، بل ربما يكون من القسم الغير مُترجم من كتاب المؤلف الأصلي، وصفحات الكتاب التي أنقل ترجمتها وتحقيقها، هي: 1-22، إضافة إلى ستة صفحات من النوع الكبير وهي رد البروفيسور جون جوزيف على مقال الباحث ريتشارد فراي الذي استشهد من كتابه (أي فراي استشهد من كتاب جوزيف)، علماً أني ترجمتُ صفحات أخرى من كتاب جوزيف في أماكن أخرى من كتابي القادم: اسمهم سريان، لا آشوريون ولا كلدان، أو كيف سَمَّى الغرب بعض السريان آشوريين وكلدان.
الترجمة والتحقيق
النساطرة، الكلدان، السريان الآراميون، الآشوريون/ البروفيسور جون جوزيف
قبل ما يزيد قليلا على مائة سنة كتب المبشران الأنكليكان آرثر ماكلين ووليم براون سنة 1892م كتابهما عن جاثليق الشرق وشعبه، وعنوانه “بعض عادات وتقاليد السريان الشرقيين المسيحيين” المعروفين بأسماء مختلفة مثل الآشوريين والكلدان النساطرة، وأن السريان الشرقيين هو الاسم المستخدم في أوربا وأمريكا لتميز المسيحيين الناطقين بالآرامية عن السريان الغربيين الذين اسمهم الأكثر شيوعاً والمعروف اليوم وهو، السريان الأرثوذكس (اليعاقبة)، ويُشار بالشرق إلى إمبراطوريات البارثيين والساسانيين في بلاد فارس قبل الإسلام بما فيها أراضي بلاد ما بين النهرين، واستخدام مصطلحات، نساطرة، كلدان، سريان، آراميين، وآشوريين هو إشارة إلى نفس الأقلية المسيحية، ويعتمد استخدامها على مدى ما يفضِّلهُ كل مُستخدِم، وبسبب استمرار هذه البلبلة سنقوم وبإيجاز بدراسة تاريخ هذه التسميات المختلفة والتركيز على الحديث منها وهو الآشوريون بسبب النزعة القومية التي سُطِّرت لهذا الاسم بالاعتماد على عمقه التاريخي.
النساطرة
الكنيسة النسطورية هي من كنائس غرب آسيا المعروفة رسمياً باسم كنيسة المشرق، وباسم كنيسة المشرق الآشورية منذ 1976م، وكانت واحدة من اثنين من الكنائس التي نمت خارج الإمبراطورية الرومانية، والكنيسة الأخرى هي الكنيسة الأرثوذكسية الأرمنية [1]، وعندما أصبح النساطرة جزء من الإمبراطورية العثمانية والقاجارية الإيرانية أصبحوا محور اهتمام البعثات البروتستانتية الغربية في القرن التاسع عشر، وقد اتخذ بعض الكُتَّاب موقف من استخدام اسم النسطورية في إشارة إلى هؤلاء المسيحيين عندما عاد في القرن السابع عشر عدد كبير منهم وانتظموا مع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وشكلوا كنيسة مستقلة باسم (الكلدانية)[2]، أمَّا أولئك الذين بقيوا موالين للكنيسة الأم الخاصة بهم، كان يُطلق على جميع رعيتهم اسم النساطرة، لأنه بطبيعة الحال كان يشار إلى اسم النساطرة لفترة طويلة قبل القرن السابع عشر [3]، وتحدث الراهب قزمان في كتاب رحلته إلى العالم الهندي عن النساطرة المسيحيين في وقت مبكر من سنة 525م [4]، والكُتَّاب العرب في القرون الوسطى كانوا يعرفونهم باسم نسطوريين أو النصارى أي المسيحيين النساطرة [5]، ونحو نهاية القرن الثالث عشر الرحَّالة أشار الرحَّالة بورشار إلى النساطرة بأنهم يشكلون أمة لأن انطباعه كان أن اختصاص الأسقف قد وصل إلى أبعد من اختصاصات أساقفة الشرق في الكنيسة الغربية برمتها [6].
حتى منتصف القرن التاسع عشر لم يكن الكُتَّاب يُسَمُّون هؤلاء المسيحيين، آشوريين، وقد أشار القس جورج بيرسي بادجر أن لديه مخطوط عربي كتبه صليوا بن يوحنا الموصلي سنة 1332م، أوضح فيه أن المسيحيين الشرقيين أضافوا اسم نسطور لأنهم رفضوا لعن نسطور المطرود من كيرلس الأول +444م، كما كتب ابن يوحنان أن الاسم اُستعمل منذ ذلك اليوم وحتى الوقت الحاضر [7]، وفي الوقت نفسه بدأ هؤلاء المسيحيون الشرقيون بالإشارة إلى أنفسهم على أنهم نساطرة، ومار عبديشوع النصيبيني (الصوباوي) أسقفهم في القرن الثالث عشر أشار إلى إيمان الكنيسة بعنوان “العقيدة الأرثوذكسية للنساطرة”، وكتب في الختام “كنيسة النساطرة المباركة” [8]، واستمرت الرعية بالإشارة إلى نفسها على أنها نسطورية خلال القرن التاسع عشر، وفي عام 1874م عندما تم الاعتراف من قسم من الكنائس الإنجيلية أو البروتستانتية بالكنيسة النسطورية رسمياً ككنيسة مستقلة عن الكنيسة الأم، أصبح يشار إليها باسم الكنيسة البروتستانتية النسطورية [9]، وبدأ البعض الأكثر تعليماً من المجتمع النسطوري مستاؤون من التسمية النسطورية نحو نهاية القرن التاسع عشر عندما وعَّاهم المبشرون الغربيون خاصة التابعين لكنيسة إنكلترا أن مصطلح النسطورية فيه وصمة عار ولوم لأنه يشير إلى بدعة [10]، وكان من المفترض أن تُسَمَّى الكنيسة رسمياً بالتسمية المعروفة “كنيسة المشرق القديمة” [11].
الكلدان
أصل واستخدام اسم الكلدان كان أيضاً موضوع نقاش حاد كبير، في حين أن هذا المصطلح المقبول عموماً اليوم يشير إلى الذين انشقوا عن الكنيسة النسطورية واعتنقوا الكاثوليكية الرومانية، وتم استخدامه من الأوربيين في القرن التاسع عشر للتمييز بين الكنيستين، واستعمل بصيغة النساطرة الكلدان، أو الكلدان الكاثوليك [12]، وفي عام 1840م كان الرحَّالة آنسورث من أوائل القليلين من الأوربيين غير الكاثوليك الذين زاروا النساطرة، وذكر أن هؤلاء الناس يعتبرون أنفسهم كلداناً، وأنهم أحفاد الكلدانيين القدماء وآشور، وبابل وما بين النهرين، وأوضح آنسورث أنه من أجل التمييز بين فرعي الكنيسة بقي مصطلح النسطورية سنة 1681م يستعمل لأولئك الذين احتفظوا بمذهبهم القديم [13]، أوستن هنري لايارد الذي اكتشف أطلال نينوى خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر[14]، مثل آنسورث اعتقد أن مصطلح النسطورية صيغ خلال فترة الانقسام القرن السابع عشر مشيراً إلى أن الشعب أشاروا دوماً إلى أنفسهم أنهم كلدان [15]، وذكر أنه في دير الربان هرمز حيث أقام البطاركة النساطرة هناك عدة مقابر لبطاركة دفنوا هناك قبل فترة طويلة مكتوب على أضرحتهم “بطاركة الكلدان المشرقيين” [16] ، لكن ذلك نقضه القس بادجر الذي فحص كل الأضرحة ولم يكتشف أي عبارة تؤكد ما قاله لايارد [17]، ووفقاً لبادجر فاللقب المُدرج على الأضرحة هو “البطاركة خلفاء مار أدّي وماري” [18]، وهو اللقب الذي كان بعض البطاركة النساطرة في أوقات معينة يُطلقوه على أنفسهم، لكن قراءة بادجر الخاصة بالنقوش لم تكن مؤكدة (صحيحة) [19] ، والمبشران الأمريكيان إيلي سميث ودوايت [20]، زارا النساطرة قبل عقد من الزمن قبل لايارد وآنسورث، وذكرا أن الجماعة التي اعتنقت الكاثوليكية من الكنيسة النسطورية كان اسمها “الكنيسة الكلدانية” خلال الانقسام في القرن السابع عشر، واثنان من المبشرين الأمريكيين الآخرين هما جوستين بيركنز وآشيل غرانت اللذان زارا الجالية النسطورية قبل آنسورث ولايارد وأدليا نفس الملاحظة عن التسمية الكلدانية، فكتب غرانت: نادراً ما يُطلق اسم الكلدان على النساطرة، وفي كل الأحوال لا يبدو أنه أُطلق عليهم قبل فترة الانقسام، وكتب هاريتو ساوث كيت الذي كان يقوم بجولة في المنطقة أوائل 1830م، يبدو في الواقع أن النساطرة أيضاً يطلقون على أنفسهم اسم الكلدان كاسم وطني، ومن المثير للاهتمام بعد أن أصبح ساوث كيت يدرك موقف غرانت الراسخ وهو أن النساطرة لم يستخدموا اسم الكلدان، وأنهم من نسل القبائل العشرة المفقودة من إسرائيل، أصبح ساوث كيت أكثر حزماً وقال: إن هؤلاء السريان هم أحفاد الآشوريين وليس اليهود، ومصدر ساوث كيت الذي اعتمد عليه هو أن هناك من يدعي ذلك، وهم ليست لديهم أية فكرة حول أصلهم، ووفقا لهذا المصدر نفسه فاليعاقبة أحفاد الآراميين أي السريان الذين كانت دمشق عاصمتهم [21]، فسميث ودوايت أخطأ عندما أكدا أن اسم الكلدان كان معتمداً في أواخر القرن السابع عشر، وتحدث ناقد الكتاب المقدس الفرنسي ريشار سيمون عن العديد من الطوائف المسيحية في الشرق التي تحمل اسم الكلدانية أو السريانية، وذكر أن معظم الكلدان هم من نُسَمِّيهم نحن النساطرة [22]، والبابا بولس الخامس (1605-1621م) كتب إلى البطريرك إيليا الثالث أن جزءً كبيراً في الشرق مصاب بالبدعة النسطورية، وخصوصاً الكلدان [23].
تعود التسمية الكلدانية لسنة 1445م عندما سُمِّي من انتمى من نساطرة قبرص إلى كنيسة روما كلداناً [24]، أمَّا لماذا سُمِّى النساطرة كلداناً؟، فواحد من أقدم الكُتَّاب يشير إلى أبناء الكلدان القدماء هو الكاثوليكوس الشهير ابن العبري الشهير في القرن الثالث عشر من كنيسة السريان الغربيين، السريانية الأرثوذكسية (يعقوبية)، ولكن كما سنرى أنه استخدم مصطلح الكلدان بطريقة مُهينة، وكان الباحث يوسف السمعاني أوضح ببساطة مصطلح الكلدانية وقال: إن النساطرة يُطلق عليهم عموماً الكلدان المسيحيين لأن مقر كنيستهم هو في أرض الكلدان القدماء [25]، وعندما تأسيس فرع الكثلكة من الكنيسة النسطورية في القرن السابع عشر، تمت الرئاسة الجديدة باسم بطريرك بابل، والعنوان القديم لبطاركة النساطرة قبل ظهور الإسلام كان بطريرك ساليق- قطسيفون المدائن [26]، والبطريرك الكاثوليكي الجديد هو باسم بطريرك الكلدان في الشرق، مما يدل بوضوح على الخلط بين المصطلحات الجغرافية والعرقية، ورأى البعض أن استخدام بابل في لقب البطريرك المتحدين بروما يرجع تحديداً إلى القرن السابع عشر لاعتقادهم الخاطئ أن بغداد الحديثة هي بابل القديمة [27]، وأياً كان الأمر فالسبب هو الموقع الجغرافي للبطريركية وليس بسبب أصل الرعية العرقي، فدُعي السريان الشرقيين (النساطرة) كلداناً، ومختلف الأسماء والألقاب المعروفة خلعتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على البطاركة بتركيبات غريبة أخرى مثل “الكلدان آشوريين” و “الكلدان الكاثوليك الشرقيين الآشوريين” وهذه التسميات استعملت نادراً من بطاركة النساطرة أو شعوبها نفسها، لكنهم استعملوا مثل هذه الألقاب المألوفة والتقليدية باعتبار أن بطريرك المشرق هو سليل كرسي مار أدّي، وفي القرن السابع عشر وفقاً لجان فييه، فمار شمعون الثامن دنحا نفسه في رسالة وجهها إلى البابا كليمنت العاشر كتب ببساطة أنه بطريرك كرسي المشرق [28].
بالنسبة لأبن العبري أشار إلى أن النساطرة هم أحفاد الكلدان [29]، لكن القراءة المتأنية له أنه استخدم هذا المصطلح بشكل طريف (فكاهي)، فتحدث عن اللغة الآرامية ولهجاتها المختلفة، وأن بعضها غير مفهوم مثل اللهجة العجيبة لأولئك الشرقيين أبناء الكلدان القدماء، وتحدث عن علامات الغناء (الموسيقى) [30]، واسم الكلدان عند ابن العبري يعني “السحرة” وهو بنفس المعنى المستخدم في سفر دانيال (2: 2، 10)، وفي واحد من كتب ابن العبري المعروفة، فاسم الكلدان عنده يعني: علم التنجيم وفنون السحر [31].
هناك سبب آخر لتسمية النساطرة بالكلدان هو أن لغتهم الأم هي لهجة من اللغة الآرامية التي كانت لغة الكلدان (القدماء)، فقد كتب هرمز رسام أن الكلدان الحاليين من رعية الكنيسة النسطورية والكاثوليكية مع استثناءات قليلة يتكلمون نفس اللهجة المستخدمة في الترجوم (البابلي اليهودي) وبعض أجزاء من سفري عزرا ودانيال التي تُسَمَّى الكلدانية [32]، ولدعم نظريته بالقول إن النساطرة هم من نسل الكلدانيين القدماء، اعتمد رسام على المصادر التاريخية الكلاسيكية مثل زينوفون الذي دعا سكان شمال بلاد ما بين النهرين “الكلدان”، لكن زينوفون سَمَّى سكان أرارات وهو اسم آشوري أكدي قديم لجبل هو جزء من أرمينيا الحديثة، فسَمَّاهم زينفون “الخلديين، Haldians Khaldians ،and Chaldeans”، ومن المثير للاهتمام أن زينوفون في حملة العشرة آلاف مرَّ في بلاد آشور بعد أكثر من مائتي سنة على سقوط الإمبراطورية الآشورية، ووجد مناطق ذات كثافة سكانية، وتعرَّفَ إلى مواقع وخرائب المدن كنمرود ونينوى، لكنه سَمَّى سكانها السابقين “الميديين” [33].
لذلك اسم الكلدانية هو مثل النسطورية، استُخدم قبل الانشقاق في القرن السابع عشر بسبب الموقع الجغرافي لبطريرك كنيستهم، واستعمل في إشارة إلى كل السريان في الشرق، ومنعت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية من تسمية المتحدين معها من الهراطقة أن يُسَمُّوا أنفسهم نساطرة، وأصبح اسم المتحدين معها هو الكلدان الكاثوليك، وهكذا مَيَّزت روما بدقة بينهم وبين الكنيسة النسطورية الأم، مُدَّعيةً أن رعية الاثنين النساطرة وإخوانهم الكلدان تربطهم نفس العلاقة ببابل، لذلك بدأ بطاركة النساطرة استخدام اسم الكلدان أحياناً في وثائقهم رسمية، مُدَّعين أنهم البطاركة الحقيقيون للكنيسة الكلدانية، وأنكروا الحق الحصري لاستعمال اسم الكلدان التاريخي للمتحدين (مع روما)، لكن المتحدين (مع روما، أي الكلدان) لم يقبلوا ذلك وأصبحوا يُكنوهم، بالنساطرة، ومنذ القرن التاسع عشر تم تنظيم المتحدين (الكلدان) بصفة دائمة واعترف بهم رسمياً من الحكومة العثمانية [34]، فنجد أن مصطلح الكلدان خسر مدلوله الوطني ليعني فقط اسم طائفة دينية، “الكلدان الكاثوليك، النساطرة سابقاً”.
—————————————————————————
الهوامش
[1] للحصول على مقالات علمية في وقت مبكر من تاريخ اثنين من هذه الكنائس الشرقية، انظر ( East of Byzantium Syria and Armenia in Formative Periods، بيزنطة الشرقية، وسوريا وأرمينيا في فترات التشكيل) Garsoian, Thomas Mathews ،Robert ، كارسوين، توماس، وتوماس، واشنطن، مركز الدراسات البيزنطية 1982م. وبالنسبة للبدايات المبكرة للكنيسة الشرقية السريانية انظر أدناه، ص35 وما يليها. (نيسكو: المقصود ص35 أدناه، هو من صفحات كتابه الأخرى.
[2] وليام أنسورث، (الرحلات والبحوث في آسيا الصغرى وبلاد الرافدين، الكلدانيين وأرمينيا، لندن 1842م، ج2 ص272. وهاريتو ساوثكيت، (سرد جولة عبر أرمينيا وكوردستان وبلاد فارس وما بين النهرين)، لندن1840م، ج2 ص178-179. ولايارد، نينوى وبقاياها، نيويورك 1851م، ج1 ص217.
[3] راوولف ليونهارت، خط سير الرحلة في البلدان الشرقية، سوريا، فلسطين أو الأراضي المقدسة، أرمينيا، بلاد ما بين النهرين، آشور، والكلدانيين، وغيرها، ترجمة نيكولاس ستافورست، لندن، 1693م، ص22، 350-351. وليونهارت رحَّالة زار المنطقة سنة 1573-1574م، والرحَّالة بيدرو تيكسيرا زار بغداد عام 1604م، قال: وجدت ثمانون منزلاً للنساطرة وعشرة للأرمن، انظر كتابه رحلات بيدرو تيكسيرا، ترجمة وشرح ويليام سينكلير، لندن، 1902م، ص66، 168، 252. انظر أيضاً، رفائيل بابو إسحق، تاريخ نصارى العراق منذ انتشار النصرانية في الأقطار العراقية إلى أيامنا، بغداد، 1948م، ص124. (نيسكو: الطبعة الحالية الجديدة باسم تاريخ نصارى العراق، قدمس للنشر والتوزيع، بيروت، ولكن نفس رقم الصفحة).
[4] انظر جون ستيوارت، (Nestorian Missionary Enterprise، مدراس المؤسسة النسطورية التبشيرية)، 1928م، ص89، 114، 328. (نيسكو: قزمان كان راهباً تابعاً للكنيسة النسطورية وسافر إلى الهند وألَّف كتاب Indicopleustes).
[5] البيروني، الآثار الباقية عن القرون الخالية، لايبزيغ، 1878م، ص288، 309، وانظر الشهرستاني، الملل والنحل، لندن 1846م، ص175، انظر أيضاً ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، القاهرة 1928م، ج1 ص48، وفي العصر الحديث تستخدم المصادر مصطلح النسطورية باللغة العربية.
[6] ( Burchard of Mount Sion, A Description of the Holy Land، بورشارد من جبل صهيون، وصف للأرض المقدسة العابرة)، أوبري ستيوارد، لندن 1896م، ص107، في مكتبة الحجاج فلسطين، مجلد 12 قسم3. وانظر أيضاً ( The Travels of Abbe Carre in India and the Near East، رحلات آبي كار في الهند والشرق الأدنى 1672-1674م)، لندن، 1947م، ج1 ص87. (نيسكو: يقصد أن بطريرك الكنيسة النسطورية يمارس صلاحيات مدنية كزعيم أمة، وهذا واضح للجميع ومذكور في مصادر تاريخية كثيرة، فقد ذكر الدكتور ويكرام وهو أشد الداعمين للسريان الشرقيين ومروجي ومثبتي الاسم الآشوري، أن البطريرك النسطوري يتصرف كزعيم أُمة أكثر من بطريرك، وهو أطرف وأعجب بطريرك كنيسة في العالم).
[7] بادجر، النساطرة وطقوسهم، لندن 1852م، ج1 ص127-129، بالنسبة للاهوت نسطور وإدانته. (نيسكو: أولاً: أدرجنا مخطوط سنة 1332م لصليبا الموصلي الذي يقول فيه: نحن سريان قبل نسطور بل سريان، انظر كتابنا، فصل: (بالوثائق، السريان المتأشورون والمتكلدنون أغرب شعب في التاريخ، فقرة 19)، ثانياً: كيرلس الأول هو بطريرك الأقباط ورئيس مجمع إفسس المسكوني 431م الذي حرم نسطور من الكنيسة بسبب أفكاره التي اعتبرت بدعة).
[8] المرجع نفسه ص49.
[9] لاحظ بادجر أن البطريرك مار شمعون إضافة إلى أورهام أخبراه أن من بين جميع المسيحيين نحن فقط من يُطلق علينا اسم النساطرة، ويقول كوكلي إن رسالة خطية كُتبت في مارس 1888م من قبل إسحق حنان يشوع قائلا: نحن النساطرة الشرقيين (كنيسة المشرق وكنيسة إنكلترا، أكسفورد، 1992م، ص141، 365n. 8).
[10] موسهيم، (An Ecclasiastical History, Ancient and Modern، موسوعة التاريخ القديم والحديث)، نيويورك 1867م، مج1 ص151. وانظر آرثر جون ماكلين وويليام براون، كاثوليكوس (جاثليق) المشرق وشعبه، لندن 1892م، ص6. وانظر كوكلي تحت عنوان “العقيدة النسطورية”. وانظر أدناه ص40f.(نيسكو: يقصد بقية كتابه).
[11] منذ عام 1976م أصبح يفضل استخدام كنيسة المشرق الآشورية واتُّبعَ رغبة العلمانيين في اختيار اسم وطني للكنيسة لكي لا يكن هناك تداخل مع الأسماء السريانية في الغرب مثل يعقوبية أو سريانية أرثوذكسية، والاسم التاريخي الذي يُفضِّله البعض هو الآرامي، بينما أقلية من العلمانيين اختارت الآشوري. (نيسكو: أول من أطلق اسم الآشورية سنة 1976م على الكنيسة هو البطريرك دنحا الرابع. انظر كتابنا، فصل: البطريرك السرياني النسطوري دنحا يُسَمِّي كنيسته آشورية لأول مرة 1976م.
[12] كلوديوس ريج، (وقائع (جولة) من الإقامة في كوردستان وعلى موقع نينوى القديمة)، لندن 1836م)، ج1 ص275، ج2 ص276. انظر أيضاً B Piolet Jean ، بيولت، (Missions catholiques francaises au xix siecle، البعثات الكاثوليكية الفرنسيسكانية في القرن التاسع عشر)، باريس 1901م، ج1 ص223. وانظر أنسورث، ج2 ص198، 223. وماري شيل، (Glimpses of Life and Manner in Persia، لمحات من الحياة في بلاد فارس)، لندن 1856م، ص349. وانظر Joseph Wolff، ولوف (Travels and Adventures of the Rev. Joseph Wolff، رحلات ومغامرات القس جوزيف ولف)، لندن 1861م، ص223، 457.
[13] أنسورث، ج2 ص272.
[14] لمزيد من التفصيل عن هذه الحفريات، انظر ص15-16 أدناه (نيسكو: يقصد كتابه).
[15] لايارد، نينوى وبقاياها، ج1 ص5، 217.
[16] المرجع السابق، ج1، ص199.
[17] بادجر، ج1 ص181.
[18] المرجع السابق.
[19] لمعرفة الكتابات على الأضرحة، انظر كوكيس عواد، الآثار القديمة في العراق، دير الربان هرمز، الموصل 1934م، ص35-37. وانظر Jacque Voste، فوستي، (Les Inscriptions de-Rabban Hormuzd et de N-D des Semences pres d-Alqos, Iraq، نقوش دير الربان هرمز في ألقوش، العراق)، 43 Le museon، 1930م، ص263-316. وعناوين ما قبل القرن التاسع عشر هي ببساطة كاثوليكوس (جاثليق) أو بطريرك المشرق، وأحيانا ببساطة كاثوليكوس، وقد لاحظ بادجر أن ختم البطريرك يحمل لقب خليفة أدّي وماري، لكن كتابات أضرحة البطاركة لا تحمل هذا اللقب، وأنا مدين للدكتور موريفان دينبيرغ الذي زودني بمقالة فوستي عن تلك النقوش، والبطريرك النسطوري أرسل رسالة إلى جوستن بيركنز سنة 1836م، وترجمها حرفياً هيرالد سنة 1857م، واللقب المستخدم ببساطة هو: بطريرك المشرق، وهو يُطابق المراجع السابقة. ولمزيد من المعلومات حول ألقاب البطريرك النسطوري انظر أدناه، ص22-23. وتوما المرجي، الرؤساء، لندن، 1893م. وبدج.
[20] بالنسبة للمراجع الأخرى كسميث ودوايت، انظر أدناه، ص65، 67.
[21] هاريتو ساوث كيث، جولة عبر أرمينيا وكوردستان وبلاد فارس وبلاد ما بين النهرين، نيويورك 1840م، ج2، ص182-183. وكوكلي، مرجع سابق، ص367 n12، وهنري، مرجع سابق ص110، ن20. وغرانت، النساطرة أو القبائل المفقودة، لندن 1841م، ص 198-199، وجوستن بيركنز، الإقامة ثماني سنوات في بلاد فارس بين المسيحيين النساطرة، نيويورك 1943م. (نيسكو: السيد جون جوزيف اقتبس جزءً من كلام هاريتو ساوث كيت فقط، انظر النص الإنكليزي والترجمة في كتابنا، فصل: كشف الأدلة من كل ملَّة لإثبات العِلَّة، فقرة 32).
[22] Richard Simon، سيمون، ( Histoire critique de la creance et des coutumes des nations du levant التاريخ النقدي للعقيدة والعادات من الدول الشرقية)، فرنكفورد، هولندا 1684م، ص83.
[23] السمعاني، المكتبة الشرقية ج4 روما 1721م، ص75. (نيسكو: الصحيح ج4 هو سنة 1728م).
[24] واحدة من الكنائس النسطورية المهدمة في فاماكوست في قبرص.
[25] السمعاني، المكتبة الشرقية ج3، 2 ص177.
[26] انظر السينودس (المجمع) التاسع 1. (لعله يقصد مجمع يوسف 544م وهو السابع وليس التاسع في ترقيم المجامع التي نشرها شابو وترجمها الأب يوسف حبي، ويذكر ذلك بوضح في الفقرة 1.
[27] J. Labourt ، لابورت، (Chaldean Christians، المسيحيون الكلدان)، الموسوعة الكاثوليكية، دريسلر، بغداد، الموسوعة الكاثوليكية الجديدة. وانظر Donald Attwater، اتويتر، (Catholic Eastern Churches، الكنائس الكاثوليكية الشرقية)، لندن 1935م، ص231n. وانظر بطرس نصري، لمعة في تاريخ الأبرشيات الكلدانية وسلسة أساقفتها، مجلة المشرق عدد 9، 1906م، ص640، وانظر بادجر، ج1 ص153.
[28] لكثرة الألقاب الأبوية التي تمنحها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، انظر جان فييه، السريان الشرقيون، سوريّيَا مدنخا، آشوريون أم آراميون؟، (1965م)، ص146-148، (نيسكو: سنُترجمها لاحقاً)، ومؤخراً مقاله الذي نُشر بعد وفاته وكيف جاء الغرب حديثاً بمصطلح الكلدان؟ نشرته مكتبة جامعة مانشستر 78، خريف 1996م، ص163-170. وانظر أيضاً لايارد، نينوى وبقاياها، ج1 ص199. وشموئيل جميل، علاقات الكلدان والكرسي الرسولي، روما 1902م، ص208.
[29] هرمز رسام، (Biblical Nationalities Past and Present، الكتاب المقدس وقوميات الماضي والحاضر)، جمعية الكتاب المقدس علم الآثار 8، 1885م، ص373. وانظر بطرس نصري وأدي صليبا أبراهينا، طائفة الكلدان الكاثوليك، مجلة المشرق، 3 ،1900م، ص818.
:[30] ابن العبري، الغراماطيقي، القدس 1916م، ص7-8، مخطوطة مكتبة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، مطرانية بيروت. (نيسكو: هذا الهامش مرتبط بهامش 25، وعلَّقنا على الموضوع فيما يخص ابن العبري بالتفصيل حين قال: أشكرك يا رب لأنك خلقني سريانياً آرامياً، ولم تُدنسني بالكلدانية الوثنية، انظر كتابنا، فصل: مطران الكلدان أدّي شير وكتابه كلدو وأثور).
[31] ابن العبري، تاريخ مختصر الدول، والس بدج، لندن 1932م، 1، 7، المرجع نفسه، ص9، 52. بالنسبة لمعنى كلدان انظر قاموس يعقوب أوجين منا، دليل الراغبين في لغة الآراميين، الموصل1901م، ص4f. (نيسكو: ص338 في القاموس).
[32] لمزيد من المعلومات حول العلاقة بين الكلدان والآراميين القدماء ولغاتهم، انظر أدناه ص12.
[33] انظر Xenophon’s، زينوفون، (Anabasis، حملة لعشرة آلاف، الحملة على فارس)، الكتاب الثاني 4 وإلى الكتاب الثالث 5، وهنا وهناك، وطوال مذكراته الشهيرة استعمل زينفون اسم آشور مساوياً لميديا. وانظر كلمة ميديا في الموسوعة البريطانية، طبعة 11. وانظر David Oates، أوتس، (Studies in the Ancient History of Northern Iraq، دراسات في التاريخ القديم شمال العراق)، أكسفورد، لندن 1968م، ص60. وانظر M. Rostovtzeff، روستوفزيت، (A History of the Ancient World، تاريخ العالم القديم)، أكسفورد 1925م، ج1 ص117. وانظر J. Friedrich ، فريدريش، ( Extinct Languages، اللغات المنقرضة)، نيويورك 1957م، ص81. وانظر A.T.E. Olmstead، أولمستيد، (History of Assyria، تاريخ آشور)، نيويورك 1923م، ص100-111، وانظر H.R. Hal (The Ancient History of the Near East، التاريخ القديم في الشرق الأدنى)، لندن 1947م، ص458-459.
[34] انظر أدناه، ص57-58. (نيسكو: يقصد بقية كتابه).
وشكراً/ موفق نيسكو
يتبع ج2