نظام مير محمدي
الكاتب الحقوقي والخبير في الشأن الإيراني
في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء الموافق 8 يناير بتوقيت طهران، تزامنًا مع هجوم قوات حرس نظام الملالي بالصواريخ على قاعدتين أمريكيتين في عين الأسد وإربيل في العراق، فوجئ العالم بخبر تحطم طائرة أوكرانية مدنية على متنها 176 راكبًا وطاقمها، ودخل في حالة من الذهول الشديد وعدم التصديق.
وفي الأيام الثلاثة الأولى من هذا الحادث المؤلم اللاإنساني، لجأت السلطات العسكرية والمدنية التابعة للملالي الحاكمين في إيران إلى تلفيق السيناريوهات لتضليل الرأي العام في أبعاد هذه الجريمة البشعة، إذ كانوا يعتقدون أنهم سيحققون هذا الهدف بأساليب عبثية ومضللة. ولكن نظرًا لأن جميع الأدلة الفنية والعلامات الواضحة من داخل إيران وخارجها تشير إلى أن القصف كان متعمدًا من منصة صواريخ قوات حرس نظام الملالي، اضطر هذا النظام الفاشي إلى الاعتراف بهذه الجريمة الصارخة.
وتلبية لأوامر خامنئي الفاشي بوصفه القائد العام للقوات المسلحة؛ أصدرت الأركان العامة للقوات المسلحة بيانًا جديرًا بأن ينعت بالحمق للغاية وغير فني يعزو سبب هذا الحادث إلى ”خطأ بشري“ وقع من الدفاعات الجوية لقوات حرس نظام الملالي نتج عنه إطلاق صاروخ واحد على الطائرة. لكن نشر شريط الفيديو الذي لا يمكن إنكاره أثبت بوضوح أنه تم إطلاق صاروخين على الطائرة المدنية الأوكرانية وأن الصاروخ الثاني أطلق بعد 30 ثانية من إطلاق الصاروخ الأول.
وجاء هذا الحادث بعد وقت قصير من اغتيال الحرسي الإرهابي قاسم سليماني وشريكه في الجريمة، أبو مهدي المهندس، في العراق. حيث أن نظام الملالي كان قد أعلن أنه سوف ينتقم بشدة لهلاك المجرم قاسم سليماني.
وبعد أن قصفت قوات حرس نظام الملالي الطائرة المدنية الأوكرانية بالصواريخ وقتل جميع الركاب وأفراد طاقمها، طالبت الدول التي فقدت رعاياها في هذا الحادث الدموي بالشفافية والفحص الدقيق في ملابسات الحادث. وتحقيقًا لهذا الغرض تتمثل الخطوة الأولى في المطالبة بنقل الصندوق الأسود إلى البلدان التي لديها القدرة على فك تشفير المعلومات الموجودة في الصندوق واستقرائها، من منطلق أن هذه الخطوة أسلوب فني وتخصصي ومعروف تمامًا.
إلا أن السلطات الإيرانية لم تستجب لهذا الطلب الدولي المنطقي، بل على العكس من ذلك، قدمت طلبًا غريبًا وغير منطقي يتمثل في الحصول على تكنولوجيا إظهار معلومات الصندوق الأسود.
ويعتقد الخبراء الفنيون في مجال الطيران والرحلات أن المعلومات الواردة في الصندوق الأسود، والتي تتضمن محادثات الطيار والمعايير الفنية لرحلة الطائرة، من شأنها أن تكشف عن الحقائق المتعلقة بسبب تحطم الطائرة.
وصرح وزير الخارجية الأوكراني يوم الاثنين الموافق 20 يناير: “إننا سنضغط على إيران لتسليم الصندوق الأسود لأوكرانيا. حيث أن تسليم الصندوق الأسود دليل على حسن نية إيران لإجراء تحقيق محايد حول تحطم الطائرة”.
والآن، بعد مرور شهر تقريبًا على هذا الحادث المأساوي، كشف تلفيق الأكاذيب للادعاء بأن تحطم الطائرة يرجع إلى خطأ بشري وأن قصف الصواريخ جاء سهوًا، عن قيام قوات حرس نظام الملالي بهذا العمل المشين عن عمد تلبية لأوامر خامنئي وروحاني.
وأثار قيام مختلف عناصر نظام الملالي مرة أخرى بسرد القصص والتستر وتلفيق الأكاذيب، السؤال حول سبب رعبهم الشديد من فك تشفير الصندوق الأسود للطائرة، على الرغم من الاعتراف بمسؤوليتهم عن تحطم الطائرة الأوكرانية؟ فما هي المعلومات الموجودة في الصندوق الأسود والتي لا تريد السلطات الإيرانية الكشف عنها؟ أليس هذا هو أفضل دليل وبينة على إطلاق قوات حرس نظام الملالي الصواريخ عن عمد والانتقام الشديد الموعود به في وقت سابق انتقامًا لهلاك المجرم الإرهابي قاسم سليماني؟
تذكرني شدة إصرار نظام الملالي على عدم تسليم الصندوق الأسود للطائرة الأوكرانية بقصة إيرانية قديمة. وتحكي القصة أن أحدا من الملالي المحتالين الذي أراد الذهاب إلى العراق بذريعة زيارة العتبات المقدسة، كان ينوى ممارسة عمله التجاري في هذه الرحلة. لذا أحضر معه حقيبة من البارود. وأثناء عبور الحدود سأله حرس الحدود العراقي في ذلك الزمان: ماذا تحمل معك لزيارة الضريح في العراق؟ قال الملا المحتال الطماع: إنني أحب القنّب كثيرًا وأحمله معي في كل زيارة. وعندما أدرك حارس الحدود احتيال الملا، صب حفنة من البارود في راحة يد الملا وأشعل الكبريت وأمسك بلحية الملا فوق الشعلة. وبينما كانت لحية الملا تحترق قال بوقاحة لحارس الحدود ” أرأيت أنه قنّب؟!
فالفاشية الدينية الحاكمة في إيران لها باعٌ وتاريخ طويل من التجاوز على القوانين وتجاهل إرادة المجتمع الدولي، والطرق المضللة الخارجة عن المألوف وانتهاك القوانين. وهناك أدلة كثيرة على ذلك بدءًا من الاغتيالات العديدة في البلدان حتى ارتكاب العمليات الإرهابية مثل التفجيرات في الأرجنتين.
وبثت القناة الإخبارية TSN الأوكرانية شريط المحادثة التي دارت صباح الأربعاء الموافق 8 يناير بين مساعد طيار الرحلة رقم 3768 التابعة للخطوط الجوية الإيرانية التي كانت تهبط في مطار طهران، مع برج المراقبة. وتتزامن هذه المحادثة مع بداية الرحلة الدولية للطائرة الأوكرانية 752 من نفس المطار. وتبين هذه المحادثة أن مساعد الطيار بلغ برج المراقبة عن رؤية صاروخين تم إطلاقهما من طهران وحدوث انفجار ضخم في السماء، وحاول برج المراقبة الذي يعلم أن المقصود هو الطائرة الأوكرانية الاتصال 9 مرات بالطائرة الأوكرانية، ولكن لم يجب أحد.
طائرة قطرية أيضاً شاهدت إطلاق الصاروخ ومجلس شورى الملالي كان على علم بذلك.
وبناءً عليه، يوجد سبب رئيسي على أنه لم يعد هناك مجال لتلفيق الأكاذيب والدجل والشعوذة وأن نظام الملالي نفسه وقع في فخ الصندوق الأسود المشفر. وتشير كافة الأدلة إلى أن هذا النظام المتخلف القروسطي قد وصل إلى نهاية مطاف تلفيق الأكاذيب وألعاب المشعوذين. لذلك، فقد حان الوقت ليرد خامنئي وقوات حرس نظام الملالي التي تخضع لقيادته وكذلك الملا روحاني على هذه المذبحة المروعة.
وفي وقت سابق، قالت رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي، من منطلق معرفتها التامة بجرائم وأفعال كل من خامنئي وروحاني وقوات حرس نظام الملالي؛ إن تحطم الطائرة الأوكرانية جريمة أخرى من جرائم نظام الملالي التي لن يتسامح فيها الشعب الإيراني ولن ينساها. والمجرمون الرئيسيون في هذه الحادثة هم خامنئي وروحاني وقادة قوات حرس نظام الملالي الذين يجب محاكمتهم ومعاقبتهم على هذه الجريمة البشعة.