شهد العراق خلال السنوات الماضية موجة غير مسبوقة من انتشار المخدرات في غالبية المحافظات العراقية وخاصة الوسطى والجنوبية منها، إذ وبعد أن كان العراق ممرا للمخدرات من إيران ودول شرق آسيا إلى مختلف دول المنطقة بات العراق اليوم منتجا للمخدرات ومنها الكريستال والحشيش بعد تقارير محلية ودولية تفيد ببدء صناعة هذين النوعين من المخدرات داخل الأراضي العراقية.
انتشار المخدرات في العراق من الصناعة المحلية أثار الكثير من اللغط عن أماكن تصنيعه وكيفية صناعته وما هي المواد الأولية الداخلة في الصناعة وأين تنتشر هذه المصانع؟
مخدر الكريستال الأبيض
كثيرة هي أنواع المخدرات التي تستهلك في العراق من قبل شباب مغرر بهم يشكون البطالة وضيق ذات اليد وفقدان الهوية، إذ يقول مصدر مسؤول في وزارة الصحة فضل عدم الكشف عن هويته في حديثه لوكالة “يقين” إن دوائر الصحة في المحافظات العراقية أشرت وجود ما لا يقل عن 12 نوعا من الإدمان على المخدرات من بينها الإدمان على الكريستال والحشيش والهيروين والحبوب المخدرة التي عادة ما تستخدم لأغراض طبية ومتوفرة في الصيدليات.
وأضاف المصدر لوكالتنا أن وزارة الصحة عممت على جميع الصيدليات والمذاخر الطبية قبل أكثر من 4 سنوات بعدم صرف أي حبوب قد تستخدم استخداما مزدوجا، لافتا إلى أن من بين هذه الأدوية المحظور بيعها إلا بوصفة طبية هي حبوب (زولام) التي تستخدم في معالجة الأمراض النفسية والاكتئاب، مشيرا إلى أن وزارة الصحة مسؤولة رسميا عن هذه الأنواع من المخدرات، أما بقية الأنواع من الحشيش والهيروين والكريستال فتقع مسؤولية متابعة استخدامها ودخولها البلاد على عاتق وزارة الداخلية، بحسبه.
يعد مخدر الكريستال من أكثر أنواع المخدرات رواجا في العراق، إذ يقول الضابط “محمد خضر” الذي يعمل في إدارة مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية إن العراق وبعد أن كان ممرا للمخدرات إلى الدول المجاورة بات الآن من أكثر دول المنطقة استهلاكا لهذا النوع من المخدرات.
وأضاف خضر أن ما يقرب من 70% من المخدرات تدخل العراق من إيران عبر الحدود البرية، لافتا إلى أن ذلك يتم إما عن طريق التهريب عبر المنافذ الحدودية الرسمية مع البضائع الإيرانية المستوردة أو من خلال التهريب عبر الشريط الحدودي الطويل مع إيران والذي يبلغ طوله أكثر من 1200 كيلومترا.
ويختتم خضر حديثه لوكالتنا بالإشارة إلى أنه وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الداخلية في متابعة تجار المخدرات واعتقالهم، إلا أن شبكات الاتجار بالمخدرات واسعة ومتشابكة وترتبط بجهات متنفذة في العراق، على حد قوله.
أخصائي العلوم الكيميائية الدكتور “خزعل حسن” وفي حديثه لوكالة “يقين” كشف عن أن صناعة مخدر الكريستال في العراق لم يعد صعبا، بل بات تصنيعه محليا من خلال استيراد مواده الخام بصورة رسمية والتي تدخل في مجال الكثير من الصناعات وخاصة صناعة البلاستيك.
ويضيف حسن لوكالتنا أن المواد الأساسية (الخام) لتصنيع مخدر الكريستال تدخل في ذات الوقت في مجالات التصنيع في معامل البلاستيك والعطور والمنظفات، إذ يعمل المصنعون للكريستال محليا على التخفي وراء مصانع صناعة البلاستيك والمنظفات واستحصال تراخيص حكومية لاستيراد هذه المواد ومن ثم استخدام جزء كبير منها في صناعة الكريستال، لافتا إلى أن من أبرز هذه المواد حامض الهايدروكلوريك وميثيل البانزين والأسيتون ومركب الفينيل وأملاح الليثيوم.
ويحذر حسن في ختام حديثه لوكالتنا من أن مخدر الكريستال المصنع محليا أشد خطورة من المهرب إلى البلاد، إذ أن نسب المواد الصناعية فيه مرتفعة جدا وهي ذات سمية عالية للغاية، عازيا ذلك إلى رغبة المصنعين في تخفيض سعر الكريستال المصنع محليا من أن أجل استحصال أرباح أكبر، مؤكدا على أن هناك مصانع كثيرة للكريستال في العراق أهمها في البصرة وميسان، بحسبه.
الحشيش يزرع في العراق
ليس الكريستال وحده الذي يصنع في العراق، إذ كشفت تقارير أمنية عن أن بعض المحافظات الجنوبية باتت تشهد زراعة نبتة الخشخاش والحشيش.
مصدر في مجلس محافظة واسط المنحل وأحد أعضاءه كشف في حديثه لوكالة “يقين” عن أن هناك جهات مسلحة عملت منذ عامين على زراعة الحشيش في ضواحي واسط من أجل استنبات المخدر من دون الاضطرار إلى إدخاله للعراق عن طريق التهريب.
ويضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن هويته مقابل الحديث لوكالة “يقين” عن أن أحزابا سياسية وفصائل مسلحة معروفة تقف وراء زراعة الحشيش والقنب في واسط، مشيرا إلى أن محافظات المثنى وذي قار والقادسية كذلك تشهد نشاطا متزايدا في زراعة الحشيش، بحسبه.
انتشار المخدرات في الوسط والجنوب
تتزايد حدة استهلاك وإدمان المخدرات في محافظات وسط العراق وجنوبه، وعن أكثر المناطق التي تلقى رواجا للمخدرات في العراق، يؤكد الضابط في مديرية مكافحة إجرام البصرة “عقيل الحيدري” في حديثه لوكالة “يقين” على أن البصرة تعد من أكثر المحافظات العراقية التي تعاني من المخدرات، إذ أن نسب التعاطي والبيع والتهريب فيها مرتفعة جدا.
ويعزو الحيدري ذلك إلى أن البصرة وبسبب إطلالتها البحرية ومنفذ زرباطية البري مع إيران، فإنها تشهد تهريبا ورواجا كبيرا للمخدرات، وأن سلطة تجار المخدرات ومروجيها أكبر من سلطة الاجهزة الأمنية بعشرات المرات، إذ يرتبط هؤلاء بمافيات كبيرة وجهات مسلحة بل وحتى دول بعينها، على حد تعبيره.
الخبير الأمني العراقي “خليل إبراهيم” وفي حديثه لوكالة “يقين” يقول إن المحافظات الوسطى والجنوبية وبسبب استحكام الميليشيات ونفوذها فإنها تشهد رواجا واستهلاكا للمخدرات أعلى من بقية مناطق العراق.
“إن المحافظات الوسطى والجنوبية وبسبب استحكام الميليشيات ونفوذها فإنها تشهد رواجا واستهلاكا للمخدرات”
ويؤكد لإبراهيم على أن ذلك مرتبط بقرب هذه المحافظات من الحدود الإيرانية فضلا عن سيطرة هذه الميليشيات وتحكمها في الملف الأمني وخاصة مديريات الشرطة والاستخبارات، على خلاف بقية المحافظات الشمالية والغربية، التي تشهد نشاطا أقل للميليشيات وعزوفا كبيرا من شباب تلك المناطق عن التعاطي.
ويختتم إبراهيم حديثه لوكالتنا بالإشارة إلى أن المحافظات الشمالية والغربية وحتى عام 2014 لم تسجل أي إشكاليات كبيرة في تجارة المخدرات وتعاطيها في محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار والتأميم، لافتا إلى أنه ومنذ انتهاء العمليات العسكرية في هذه المناطق ودخول فصائل الحشد لهذه المحافظات، باتت تجارة المخدرات فيها ترتفع شيئا فشيئا، ما يعد دليلا دامغا على أن الميليشيات تقف وراء تهريب المخدرات وصناعتها وترويجها في العراق، بحسبه.
تزدهر تجارة المخدرات في العراق وتنتشر كالنار في الهشيم، فالعراق الذي كان حتى عام 2003 من أقل دول العالم في تعاطي المخدرات بات اليوم ممرا رئيسيا ومستهلكا كبيرا للمخدرات بعد 17 عاما من الغزو الأمريكي الذي أطاح بالبنية الاجتماعية والاقتصادية والأمنية للبلاد.