في خطوةٍ هي الأولى من نوعها في السليمانية، تدير امرأة مطعماً للأكلات الشعبية الكردية بكادر نسائي متخصص، وهذا ما زاد شعبية المطعم وجماهيريته سواء بالنسبة لسكان المدينة أو حتى للسائحين الوافدين اليها.
ونال مطعم “مالي خاتون” والذي يعني “بيت السيدة” بالعربية، صداً واسعاً في المدينة بل حتى في كامل اقليم كردستان بعد فترة قصيرة من افتتاحه، فتحول الى مقصد لمحبي الأكلات الشعبية كما للجمعيات والمنظمات والشخصيات التي تؤمن بتمكين المرأة وقدرتها على ادارة مختلف الأعمال التجارية.
يتميز بتقديم الاكلات الشعبية
ويرتاد اليوم الكثير من عشاق الأكلات الشعبية مطعم “مالي خاتون” حيث يقدم المطعم عادة أكلات لا تقدم ولا تطبخ في المطاعم الأخرى بالإقليم التي تقتصر معظمها على تقديم الاكلات الغربية والشرقية غير الكردية.
وما يجعل المطعم أكثر تميّزاً وشهرةً واثارةً عن المطاعم الأخرى في السليمانية، أنه يخضع لإدارة نسوية بحتة حيث تعمل فيه أكثر من 15 امرأة كردية، يتوزع عملهن بين مهام الطبخ واستقبال الزبائن وتلبية مختلف طلباتهم.
ويقع المطعم في وسط السليمانية وتحديداً في منطقة “عقاري” وهي أحد أشهر وأقدم الأحياء في السليمانية، ويطل من خلال نافذته الخارجية على الشارع العام، ويمكن لزبائن المطعم تذوق الأكلات الشعبية الفريدة كما الاستمتاع بأجوائه وما يحويه من مناظر وصور لمعالم وأشياء قديمة تجسّد الفلكلور الكردي القديم.
عند دخولك المطعم تقع عيناك على المستلزمات والاحتياجات الفلكلورية الكردية التي كانت تستخدم قبل عشرات السنوات، ومنها ما يتعلق بالمفروشات الكردية التقليدية والأخشاب الخاصة بالطاولات أو مقاعد الجلوس اضافةً الى الأواني المطرزة بالأحجار والنقوش القديمة.
تحدٍ أم ثقة بالنفس
لم يكن من السهل على “بيريفان” المرأة التي تدير المطعم، القيام بتلك المهمة بكاملها مع مجموعة من النسوة في مجتمع رغم التطور والانفتاح الذي يشهده إلا أنه مازال يخضع في بعض جوانبه الحياتية الى الأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية والعشائرية التي يصعب على النساء العمل في العديد من المجالات والمهن خاصة التي تتطلب التواصل والاحتكاك مع عموم الناس.
وفي ردٍ على سؤال لـ“صباح كوردستان” فيما اذا كانت قرارها بافتتاح هذا المطعم وادارته بكادر نسوي هو تحدٍ للأعراف والعادات والتقاليد في رسالة موجهة لعموم الناس، أم هو نتيجة الثقة العالية بالنفس وفي ظل التطور الذي يشهده اقليم كردستان في السنوات الماضية، تقول بيريفان (36 عاماً) لـ“صباح كوردستان“: ان “المرأة الكردية لها امكانيات وقدرات هائلة إلا أنها بحاجة الى بيئة صالحة ومناسبة لإثبات جدارتها في الأعمال اليدوية والمهن وحتى المجالات الفكرية“.
وتفتح بيريفان باب المطعم في الساعة السادسة من صباح كل يوم وتشرف على طبخ وتحضير الاكلات وتأمين المستلزمات الخاصة بالمطعم بنفسها ولغاية الرابعة مساءً دون ملل أو كلل، بعدها يتولى شقيقها الأكبر الاشراف على المطعم خلال ساعات غيابها.
وتقول ان ذلك العمل بما يحمله من تميز يزيدها سعادةً كونها تؤمّن معيشة عائلة كاملة تتولى هي مسؤوليتهم، رغم انها لم تتزوج الى الآن.
لائحة متنوعة من الماكولات
ويقدم المطعم 22 نوعاً من الأكلات الكردية الفلكلورية الشعبية الشهيرة لدى الكرد ومنها “قره خرمان، تاسكه بابي، كفته” وغيرها من الأكلات التي لم تعد تقدم في غالبية المطاعم الكردية الأخرى سواء كان في السليمانية أو الاقليم عموماً.
بيريفان ليست المرأة الوحيدة التي تدير محلا خاص بها، فقد دفعت مصاعب الحياة اليومية وتأمين لقمة العيش خلال السنوات الأخيرة وبعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقليم، العشرات من النساء للعمل في مجالات متنوعة وافتتاح مشاريع خاصة بهم، وحتى وان كانت بعضها تتطلب جهداً شاقة مثل ما تقوم به بيريفان مسؤولة المطعم بكل ما يتطلبه ذلك من متاعب يومية.
وتضيف بيريفان انه “ليس من السهل على امرأة مثلي في المجتمع الكردي الخروج للعمل في الساعة السادسة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، إلا أن دعم أهلي واخوتي جعلني اتجاوز جميع المصاعب والمتاعب والانتقادات التي تواجهها أي امرأة مثلي أثناء العمل“.
15 امرأة في المطعم
وتعمل مع بيريفان 15 امرأة كردية أخرى ومن أعمار مختلفة، جميعهن يساعدن عوائلهن لتأمين لقمة العيش وبعضهن يأتين من مناطق بعيدة في السليمانية ويقمن بأعمال عادة ما يقوم بها الرجال.
بيريفان انتقدت بعض المطاعم لاعتمادها على العاملات الأجنبيات في وقت توجد العديد من النساء الكرديات يسعين للعمل في هكذا مجالات، مبينة ان عمل الكردية واشرافها على الطبخ او تقديم الأكلات “أنظف وهو أكثر سلامة من الناحية الصحية“.
وبعد الشهرة التي لاقاها المطعم في السليمانية والاقليم، تقول بيريفان وهي واقفة في المكان المخصص لـ“شوي الكباب” متحدثة لـ“صباح كوردستان” عن فتح فروع أخرى في بقية محافظات الاقليم تحت كادر نسوي متخصص بالأكلات الفلكلورية الكردية الشعبية.
الاكلات الشعبية باتت منسية
وترى بريزاده بكر (63 عاماً) وهي امرأة كردية مسنة من عشاق المطعم: ان أهم ما يميّز هذا المطعم عن بقية المطاعم هو الأكلات الكردية الشعبية التي تقدمها، مضيفةً في حديثها لـ“صباح كوردستان“: انه “للأسف المطاعم في الوقت الحالي باتت تهتم بالأكلات الغربية دون الاهتمام بالأكلات الكردية الشعبية الشهيرة التي تمتاز بها كردستان“.
ويعتبر توجه بيريفان لفتح مطعم خاص بالأكلات الكردية الشعبية خطوة مهمة لاحياء الأكلات الشعبية الكردية التي أصبحت منسية خلال السنوات الماضية وتقدم فقط خلال المناسبات، بحسب بريزاده، التي دعت الى افتتاح هكذا مطاعم في الاقليم تساعد على تعريف الأجانب والسواح بالأكلات الكردية في كردستان.
وعن سبب اختياره مطعم “مالي خاتون” ليكون مكانه المفضل للأكل فيه مع عائلته، يقول محمد غريب (30 عاماً) وهو أحد السواح الوافدين من محافظة الأنبار والذي يتردد بين فترة وأخرى على محافظة السليمانية خاصة خلال فترات العطل: انه “استطاع التعرف على الأكلات الكردية الشعبية من خلال مطعم مالي خاتون“.
ويضيف وهو يتناول قطع من “الكفتة الكردية” انه رغم الأكلات الشهية المعروفة بها محافظة الأنبار “إلا أنه يستحيل طبخ “كفتة كردية” بهذه اللذة والطعم كما هو في مالي خاتون“.
ويفضل السائح الأنباري الأكلات الساخنة من مطعم “مالي خاتون” خلال زيارته الى السليمانية في فصل الشتاء، كونه يساعد الى حدٍ كبير في التأقلم مع الجو البارد المعروف به المدينة خلال الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلوج على الجبال المحيطة بالمدينة.
تصميم فلكلوري
واضافةً الى الأكلات الشعبية الفلكلورية الكردية التي يقدمها المطعم، فانه يتميز بتصميم فلكلوري يشير الى الصبغة التراثية التي كان يتمتع بها الشعب الكردي خلال العقود الماضية، وهذا ما زاد من شعبية وجماهير المطعم لدى رواده والسائحين.
ويعد الاعتماد على كادر نسوي خطوةٍ من صاحبة المطعم لتشجيع النساء على العمل ومساعدة عوائلهن في تأمين لقمة العيش وتأمين احتياجاتهن الشخصية، او مساعدة ازواجهن لتدبير جزء من مصاريف المنزل والعائلة.
وتؤكد (شوخان 25 عاماً) وهي احدى العاملات في المطعم، انه “رغم العمل الشاق الذي أقوم به هنا وساعات العمل الطويلة من الصباح وحتى وقتٍ متأخر من المساء، إلا أنني أشعر براحة نفسية كبيرة كوني أساهم في تأمين لقمة العيش ومصاريف الحياة مع زوجي تلبية لمتطلبات واحتياجات أطفالنا“.
وتضيف في حديثها لـ“صباح كوردستان“: انه “ليس من السهل على امراة متزوجة ولها عائلة وتتحمل مسؤولية تربية الأطفال العمل لساعات طويلة والبقاء خارج البيت، إلا أن ثقة المرأة بنفسها ومساندتها من قبل أهلها وخصوصاً زوجها اذا كانت متزوجة يشكل أكبر تحفيز معنوي لرد جميع الانتقادات التي تتعرض لها النساء العاملات“.
ودعت شوخان جميع النساء من أعمارها أو أقل الى العمل في أي مجال يؤمن لهن لقمة العيش بصورة صحيحة ومساعدة الرجل في تأمين متطلبات الحياة والاطفال، فالحياة في هذا الزمن أصبحت صعبة جداً لاسيما مع ارتفاع تكاليف المعيشة وتلبية مصاريف الأطفال.
وترى الفتاة الكردية الى ان نجاح المرأة في هكذا جوانب ومجالات يعتمد على مدى مساندتها والوقوف معها من قبل ذويها وأقربائها، كون المجتمع الكردي رغم انفتاحه وتطوره خلال السنوات الماضية إلا أنه مازال ينظر الى المرأة بعين “الانتقاص” كونه مجتمع شرقي.
ولم تختلف أسعار الأكلات الشعبية الكردية في “مالي خاتون” عن أسعار بقية المطاعم التي تقدم أطباقاً مختلفة من الطعام، بل تعتبر مناسبة جداً مقارنة بمطاعم اخرى تبلغ تكلفة الوجبة الواحدة منها نحو 25 ألف دينار عراقي أو أكثر.