الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتنحو حوار هادئ وموضوعي بين القوى الديمقراطية واليسارية : كاظم حبيب

نحو حوار هادئ وموضوعي بين القوى الديمقراطية واليسارية : كاظم حبيب

 

 يمر العراق بمرحلة سياسية واجتماعية مفصلية صعبة ومعقدة. فالصراع الجاري في البلاد ليس محلياً فحسب، بل إقليمياً ودولياً أيضا، وليس دينياً ومذهبياً فحسب، بل وبالأساس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً أو طبقياً، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، أي بين الفات الاجتماعية الكادحة والفقيرة والعاطلة عن العمل والمهمشة من جهة، وبين الفئة الطفيلية الطائفية الفاسدة الحاكمة والسارقة لخزينة الدولة وثروة المجتمع من جهة أخرى. هذا الواقع المعقد، حيث لا يزال ميزان القوى يميل من الناحيتين العسكرية والمالية لصالح الطغمة الفاسدة الحاكمة، فأن من مصلحة القوى الديمقراطية بكل أطيافها واتجاهاتها وتطلعاتها، بما فها القوى اليسارية، والحزب الشيوعي منها في الصدارة، ممارسة الحوار الفكري والنقاش السياسي حول مجرى تطور الأوضاع منذ إسقاط الدكتاتورية حتى الآن والنهج الذي مورس ويمارس اليوم من جانب كل القوى والأحزاب السياسية لا من باب التخوين والإساءة أو الاستفزاز وفقدان الهدوء والموضوعية والتصور بامتلاك الحقيقة كلها، بل من منطلق التعمق في الرؤية الواقعية والتحليل الجدلي لواقع العراق والتحولات الجارية فيه من النواحي الاجتماعية ودور الدين والمذاهب في مجمل العملة السياسية الجارية، إضافة إلى الدور الخارجي، الإقليمي والدولي الكبيرين، للوصول إلى رؤية مشتركة أو متقاربة، أو حتى في حالة عدم الوصول إلى رؤية مشتركة، الاحتفاظ بالاحترام المتبادل وعدم الإساءة المتبادلة واستخدام لغة غير لغة الحوار الحضاري المنشود.

هناك دون أدنى ريب فارق بين تحليل الأفراد للوضع السياسي القائم وما يتوصلون إليه من استنتاجات وسياسات، وبين تحليلات واستنتاجات وسياسات الأحزاب السياسية. والفارق الأول والمهم يبرز في جماعية التحليل والتشخيص والمسؤولية التي تتحملها الأحزاب بكل قيادتها وكوادرها وأعضاءها عن النتائج التي تتوصل إليها وتمارسها عملياً، وبين مسؤولية الأفراد التي يتحملونها بمفردهم وليس فيها بالضرورة عواقب وخيمة على عدد أكبر من الأفراد أو المجتمع. ولكن التحليل العلمي الجدلي المسؤول، سواء مارسه الفرد أم هذا الحزب أو ذاك من القوى الديمقراطية واليسار له أثار معينة على الأفراد والأحزاب والمجتمع. ولا شك في أن من هم في الداخل تتوفر لهم معلومات ومستلزمات التحليل والتشخيص أكثر ممن هم في الخارج، رغم إن هذا الرأي ليس بشكل مطلق بل نسبي واحتمال الخطأ والصواب في الجانبين وارد. ولهذا من غير المناسب لباحث علمي أن يتعكز على وجود باحثين وكتاب في الخارج يرون الوضع غير ما يرونه من هم في الداخل، لشن هجوم لا مبرر له، بل إن الطريق الوحيد والصائب هو الحوار الهادئ والموضوعي بعيداً عن التشنجات والإساءات المتبادلة التي لا تثمر غير تشنجات إضافية لا معنى ولا مبرر لها أصلا. فالوضع السياسي في العراق معقد إلى الحد الذي يمكن أن تبرز فيه وجهات نظر متباينة بحكم الكثير من العوامل الفاعلة والمؤثرة الآنية المتحركة منها والثابتة نسبياً، الداخلية والخارجية، إضافة إلى الخلفيات التاريخية والثقافية والاجتماعية، ثم العوامل الخارجية المؤثرة في كل ذلك.

الحزب الشيوعي العراقي حزب ثوري، وله تاريخ مجيد يمتد طوال 86 عاماً بالتمام والكمال، وأبرز ما في هذا الحزب استمرارية نضاله طوال هذه الأعوام دون انقطاع ولمصلحة الشعب، ولاسيما كادحيه، والوطن، كما إنه يمتلك نظرية علمية تساعده على التحليل المادي للأوضاع. وفي هذا لا يختلف إلا من يقف في صف طبقي آخر أو أعداء الحزب أو غير المطلعين على تراثه ونضاله وشهداء الحزب الأماجد. والحزب الشيوعي العراقي يمارس السياسة اليومية، وبالتالي فهو بحاجة إلى مراقبة سياساته يومياً وإجراء التغييرات الضرورية على تكتيكاته اليومية، بل وتحالفاته وائتلافاته السياسية. وإذا كانت العقود المنصرمة قد أكدت على الكثير من سياسات الحزب الشيوعي الصائبة، فأنه قد ارتكب أخطاءً أيضاً كلفت الحزب الكثير من المشاق والأذى. وهذي الحقيقة تعبر عن واقع فعلي هو أن من يعمل يمكن أن يصيب ويمكن أن يخطئ، ومن لا يعمل هو المخطئ الأكبر. وعليه لا يحتاج الحزب الشيوعي إلى رقابة ذاتية على سياساته من جانب قيادته وكوادره وأعضاءه فحسب، بل ومن القوى الديمقراطية واليسارية المحيطة بالحزب المتأثرة بسياساته والمؤثرة فيها، بل يمكن أن تأتي الرقابة من مختلف الأوساط الشعبية، وهي مهمة وضرورية. ومثل هذه الرقابة ليست ضرورية فحسب، بل ومهمة جداً للحزب الشيوعي العراقي وصواب سياساته وشعبيتها.

هذا يعني إن الحزب الشيوعي يفترض أن يعرف بأنه معرض للنقد من جانب رفاقه ومن جانب المحيط الديمقراطي واليساري، كما إن القوى والعناصر الديمقراطية واليسارية يفترض أن تعرف بأنها هي الأخرى تكون معرضة لنقد الحزب ورفاقه. إذ بدون هذه الرؤية الحوارية والنقدية المتبادلة يصعب التفاهم والعمل المشترك أولاً، كما يفترض أن ندرك بأن ليس كل النقد المتبادل هو بالضرورة صائب وصحيح ثانياً. ولكن كما هو معروف “رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب”. بهذه الرؤية الحضارية يمكننا أن نجد طريقاً سليماً لعملنا المشترك.

الحزب الشيوعي العراقي وكل القوى والعناصر الديمقراطية واليسارية تعمل في الشأن العام. ومن يعمل في الشأن العام معرض للرقابة والنقد، والتأييد أو المعارضة. ولهذا يفترض أن نحتفظ بالرؤية الهادئة والموضوعية إزاء النقد المتبادل، فهو ضروري جداً لأنه ينير طريق السائر دوماً في نضاله المعقد والصعب كالحزب الشيوعي وكل قوى اليسار والديمقراطية.

إن الوضع الراهن في العراق قابل للتباين الشديد في وجهات النظر، وعلينا أن يتقبل بعضنا الآخر دون تخوين أو إساءة، ولا اتهامات مسيئة ومرفوضة من باحث علمي له وزنه الكبير، كما جاء في مقال صديقي الفاضل الأستاذ الدكتور فارس نظمي الموسوم “بعد 6 عقود من موسوعة ذبحهم في 8 شباط.. الشيوعيون الميدانيون في قلب الحراك الثوري التشريني …! في ملحق جريدة المدى “الاحتجاج” بتاريخ 09/02/2020 ما يلي:   

“فقد شهدت الأيام الأخيرة اشتداد حملات السخرية والتخوين والتأثيم التي يمارسها بتلذذ بعض فرسان الكيبورد من مدنيين و”يساريين” أغلبهم يقطن في المنافي الدافئة، إذ يكرسون وقتهم للتشهير والتهكم والتنكيل اللفظي، ومحاولة التذاكي الأيديولوجي الديماغوجي عبر التلاعب السمج بالمفردات والأفكار والمفاهيم، لإظهار “خطايا” الشيوعيين الميدانيين في الداخل. هؤلاء يستميتون للبحث عن دور مفقود أو هوية غائبة بعثرتها الأيام، عبر محاولة إظهار أهميتهم المفقودة بتبخيس قيمة الآخرين الفاعلين حقاً في الميدان، مستخدمين منصات التواصل الاجتماعي لممارسة التشهير التسقيطي لبعض الأسماء أو التكفير الأيديولوجي الضمني، دون أن ينتابهم أي شعور بالذنب يدفعهم لترك حياتهم المستقرة والالتحاق بالميدان حيث قنابل الغاز والرصاص الحي والتغييب وغرف التعذيب...!

في الوقت الذي أعرف جيداً بأن الحزب الشيوعي العراقي وعموم اليسار والديمقراطيين يخوضون نضالاً في أوضاع صعبة ومعقدة وخطيرة وأعطوا الكثير من الشهداء الأبرار، وفي الوقت الذي أرفض أي إهانة أو تخوين للحزب الشيوعي العراقي أو أي رفيق فيه أو أي عنصر من قوى اليسار العراقي بسبب سياساته ونهجه مهما اختلف هذا أو ذاك معها، أرفض في الوقت ذاته هذا الأسلوب وهذه المفردات القاسية التي مارسها الصديق في الإدانة والإساءة، إذ إنها ليست لغة للحوار الديمقراطي الحضاري والنقد البناء. أتمنى وأرجو أن نعود جميعاً إلى الصيغة الديمقراطية المعروفة في النقد والنقد الذاتي وفي التعامل الودي عند الاختلاف والإصرار على ممارسة النهج الديمقراطي في الحوار وفي النقاشات السياسية الجارية.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular