تضامَنَ و كُتب و عُلّق الكثير على الانتفاضة السلمية التشرينية البطولية العراقية، في الداخل و الخارج، بعد ان اثبتت و تثبّت مطالب عادلة و روحية عالية في الصبر و التضحيات و المنطق العادل، و استطاعت الحصول على نجاحات عديدة من : التأييد الجماهيري المستمر و المتصاعد لها، تأييد المرجعية العليا لها، استقالة رئيس الوزراء عبد المهدي، و انحياز النسبة العالية من البرلمانيين اليها وفق تصريحاتهم العلنية في وسائل الإعلام، بل و وصلت حداً الى تأكيد الرئاسات الثلاث العلني على سعيها لتنفيذ مطالبها المشروعة، رغم دورانها في نفس الفلك الذي اثبت قصوره و فشله في حكم البلاد حتى الآن.
و ترى اوسع الاوساط انه لتلك الاسباب تكالبت عليها الكتل الحاكمة و ميليشياتها و ميليشيات الطرف الثالث، بمختلف اساليب العنف و الخديعة و الاتهامات الباطلة و الرخيصة، بل و تواجهها الآن حتى ميليشيات القوى الاسلامية (المعتدلة) بالسلاح الابيض و الرصاص الحي، بإسم الثورة و كأنها هي من صنعت الانتفاضة السلمية السائرة نحو الثورة السلمية . .
و ترى اوسع الاوساط بأنه رغم التضامن العالي الداخلي و الخارجي مع الانتفاضة من جهات كبرى متنوعة، الاّ ان ذلك التضامن بقي محصوراً بالاقوال و اعلان الاسف على مايجري من مجازر و اعمال دموية و ارهابية واسعة تجري بحق المتظاهرين السلميين، استنكرتها الامم المتحدة في بيانها الرسمي قبل يومين.
و يشير مراقبون مستقلون الى الاهمية الكبرى لنداء المرجعية العليا الى الجيش و القوات الأمنية، للقيام بواجبها بحقن الدماء و حماية شباب البلاد السلميين بوجه انواع العنف و الفتن و التلوّن و محاولات ركوب الموجة من كتل و تيارات اسلاموية طائفية كانت حتى الامس مع المتظاهرين، في محاولة انانية بائسة للاعلان عن (تمثيلها و قيادتها هي) للانتفاضة، في رؤية قاصرة لدور الجماهير و عدم ادراك بأن زمن مليونيات بائسي الحياة و الفكر قد انتهى، و ان الانتفاضة ايقظت الشعب بمكوناته و اجناسه و تسببت بتصدّع تلك الكتل و التيارات ذاتها، و فضحت و تفضح، سارقي قوت الشعب باسم الدين و الطائفة.
في وقت تؤكّد اوسع الاوساط المجربة و المتخصصة و ذات الخبرة النضالية المشرّفة ضد الدكتاتورية المنهارة، و الدكتاتورية التي يسعى اليها مخربون الآن بإسم الدين و باسم (الحق الإلهي) . . . تؤكّد على ان من الواجبات الاساسية للجيش و وفق الدستور، هي الدفاع عن الدستور و عن سلامة و استقلال البلاد و بالتالي من اجل قيام حكومة انتقالية تعدّ لإنتخابات مبكرة، وفق المطالب الشعبية بإعتبار ان (الشعب مصدر السلطات).
و تدعو اوساط اخرى، الى ان المؤسسة العسكرية في ظروف المجازر الجارية بحق شباب البلاد و غياب الدور الفاعل لرئيس وزراء تصريف الاعمال، و غياب و مراوحة الجديد في مكانه دون تشكيل حكومة جديدة بصلاحيات، في ظروف يتسارع فيها تفاقم الوضع الاقليمي و تصاعد الخلاف الايراني ـ الاميركي المهدد بزجّ البلاد في حرب لاناقة لها فيها و لا جمل، بشعارات براّقة لاتُغني و لا تُسمن . .
مدعوة الى قيام و اخذ المؤسسة العسكرية صلاحيات فوق العادة لحماية الانتفاضة و حتى استلام مقاليد الحكم بقرار و اتفاق اعضاء القيادات العليا او عدد منهم او بأية طريقة أخرى كما يجري في الدول الدستورية اليوم في ظروف مشابهة . . وفق مواد الدستور و روحه و لمدة يجري تحديدها، و السير بكل ما يتطلبه الإعداد و الاشراف على الانتخابات المبكرة لقيام حكومة مدنية ستعرقل اجراءها و قيامها الكتل الحاكمة الحالية بشهادة سلوكها المتعجرف و سلوك ميليشياتها الدموي الجاري اللامبالي بتضحيات الشعب المتزايدة و لا بمصيره . . انقاذا للبلاد و لشعبها في هذه الظروف.
و الاّ ماهي الصفة القانونية للميليشيات للتدخل المسلح و قتل المتظاهرين من الجنسين الذين وصل عدد شهدائهم حتى الان اكثر من 700 شهيد و الجرحى و المعوقون الى اكثر من 30 الف اضافة لضحايا القوات الامنية و المئات من المختطفين و المختطفات ؟؟ . . و محاولة السيطرة على التظاهرات في ظروف تُعاق و تُعزلً فيها القوات الامنية عن قيامها بواجباتها و تجريدها من السلاح الضروري لحماية المتظاهرين.
في وقت لاتدرك فيه الاحزاب و الكتل الحاكمة التي داست على الدستور باقدامها، ان الوطن يعيش مرحلة تحوّل و طيّ صفحة الماضي . . بسبب تزايد الفقر و الآلام و تزايد الوعي الذي اطلقته الانتفاضة و سقوط (المقدّس الديني كطريقة حكم) الذي برايته سُرق الوطن من حكام فاسدين لايؤمنوا الاّ بمصالحهم الأنانية . .
9 / 2 / 2020 ، مهند البراك