كاظم حبيب
نتائج العدّْ اليدوي وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة
انتهى العدّْ اليدوي للتدقيق في نتائج الفرز الإلكتروني وتبين عن وجود تباينات طفيفة جداً لم تغير من نتائج الفرز الإلكتروني. وهذه الحقيقة لا تغير من واقع ما أجمع عليه المراقبون في العراق من أن الانتخابات في العراق شابها الكثير من عمليات تزييف إرادة الجماهير من خلال شراء أصوات الناخبين، ولاسيما الفقراء منهم والمعوزين والبسطاء والمخدوعين، أو مشاركة جمهرة من شيوخ الدين في التأثير على مسيرة التعبئة للانتخابات لصالح هذا الحزب الإسلامي أو لهذه المليشيا الطائفية الشيعية المسلحة أو تلك، ولاسيما في المناطق التي تعرضت للدمار، إضافة إلى قانون الانتخابات السيء الصيت والتدخل الإقليمي في هذه الانتخابات لصالح قوى بعينها عبر الأموال والدعاية التلفزيونية الأفراد. وبالتالي فالعدّْ اليدوي لا يغير من تلك الحقيقة، ولكن يؤكد إمكانية استخدام الفرز الإلكتروني في استخراج نتائج الانتخابات حين تكون الانتخابات نظيفة وعادلة.
تفتح نتائج العدّْ اليدوي لنتائج الانتخابات الباب على مصراعيه لتشكيل التحالف الأكبر الذي يمكن تكليف أحد مرشحيه لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. ومنذ بدء الإعلان عن نتائج الفرز الإلكتروني بدأت الحوارات حول تشكيل الكتلة الأكبر، وبدأ الصراع الحقيقي والتدخل الخارجي، ولاسيما الإقليمي في التأثير على مجرى تشكيل الكتلة الأكبر. وإذا كانت قائمة سائرون قد أكدت في برنامجها الانتخابي وفي حديث مقتدى الصدر، أو أعضاء في قيادة سائرون، إلى أنهم يرفضون تشكيل حكومة على أساس المحاصصة الطائفية ويسعون إلى تشكيل حكومة عابرة للطوائف وعلى ضوء برنامج مدني يحمل معه موم الناس، فأن قائمتي فتح ودولة القانون أكدتا بما لا يقبل الشك أنهما يسعيان إلى تشكيل الكتلة الأكبر اعتماداً على ذات الأسس الطائفية ومحاصصاتها في تشكيل الحكومة الجديدة وأن مرشحهما واحداً من اثنين: إما المالكي وإما هادي العامري، وكلاهما مسؤولان بشكل مباشر أو غير مباشر عن الحشد الشعبي والميليشيات الطائفية المسلحة وما جرى في العراق خلال السنوات المنصرمة من مآسي وكوارث ودماء ودموع وفساد لا حصر لها. في حين بقي مركز رئيس الوزراء لقائمة سائرون يتراوح بين اسمين أو ثلاثة أكثرهم حظاً في الحصول عليه ولدورة ثانية، كما يبدو، هو حيدر العبادي.
كان هناك أكثر من احتمال لتشكيل القائمة الكبرى، ولاسيما في ضوء الحوارات والتقلبات في الرؤية أو الرغبة أو الاحتمال، ولكن التحالف الذي بدا أكثر حظاً في تشكيل الكتلة الأكبر في الانتخابات هو الذي يستند إل القوائم الانتخابية التالية:
سائرون 54 مقعداً نيابياً، النصر 42 مقعداً نيابياً، الوطنية 21 مقعداً نيابياً، والحكمة 19 مقعداً نيابياً، إذ مجموع القوة التصويتية له هي 136 صوتاً من مجموع 329 صوتاً. يبقى هنا أصوات الأحزاب والقوى الكردية في كردستان العراق. فإذا أضيف لمجموع مقاعدة التحالف المشار إليه في أعلاه عدد أصوات الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ومجموعهما 35 صوتاً، ستكون القوة التصويتية لهذا التحالف المحتمل 171 صوتاً في المجلس الجديد، وبالتالي يشكل الكتلة القادرة على الحصول على أكثر من نصف أصوات أعضاء مجلس النواب وعددها 165 صوتاً. وهذا الاحتمال هو الأكثر حظاً حتى الآن. من الممكن أن يحصل هذا التحالف على أصوات أخرى من قوائم فازت بعدد قليل من الأصوات وضمن القوى المدنية والديمقراطية، عندها سيمتلك هذا التحالف قوة تصويتية مريحة في التصويت على قرارات مجلس النواب. بيضة القبان لهذا التحالف مرتبطة بأصوات القوائم الكردية ولاسيما قائمتي الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
أما التحالف الآخر الذي تضغط إيران بقوة على تشكيله فهو من مكون من قوائم الفتح ودولة القانون والنصر والحكمة، وربما يسعون إلى جر سائرون له لتفليشه، ليبقى في الغالب تحالفاً شيعياً طائفياً بامتياز، وفي حالة رفض سائرون يسعون إلى تشكيل تحالف من القوى الأربع الأخرى، إضافة إلى محاولة كسب الاتحاد الوطني الكردستاني أو قائمتي الكرد وربما قوائم كردية أخرى صغيرة. هذا التحالف لا تصل قوته التصويتية إلى قوة تحالف سائرون مع النصر والوطنية والحكمة والكرد، وبالتالي من الواقعي القول باحتمال قيام حكومة تمثل قوى التحالف الأول، وتكون في الغالب برئاسة حيدر العبادي.
ولكن هذا التحالف يفترض فيه أن يضع برنامجه الانتخابي زائداً الموقف من القضية الكردية ومن مطالب الكرد المشروعة والعادلة والواقعية ضمن برنامجه ليستطيع السير في تشكيل الحكومة وفي الحصول على تأييد أوسع مما هو عليه رئيس الحكومة الحالية من تراجع شديد في تأييد الناس له وللأحزاب الإسلامية السياسية.
هناك افتراض أن يقوم رئيس الوزراء الحالي، وبعد تشكيل التحالف وتشكيل الوزارة الجديدة، بتحويل حزبه أو قائمته إلى حزب مدني، وكذا تيار الحكمة، فهل هما في مستوى الأحداث والتغيرات المطلوبة في الساحة السياسية العراقية؟ لم يبرهن الطرفان على مثل هذا التوجه الفعلي خلال الفترة المنصرمة رغم حديثهما عن المدنية. كما إن المسألة مرتبطة بمدى قدرة مقتدى الصدر وتياره التحول من مجموعة سياسية شيعية، إلى مجموعة سياسية مدنية تتناغم مع التصريحات الكثيرة التي أطلقت قبل واثناء الانتخابات العامة، والتخلص من حالة التقلبات في التصريحات والتي تقع بين مدينتي “نعم” و “لا”، على حدِّ قول الشاعر الروسي افتوشنكو!
الصراعات الداخلية المتأثرة بالصراعات والضغوط الخارجية، الإقليمية منها والدولية، على القوى السياسية العراقية ستكون شديدة الوطأة على الجميع خلال هذه الفترة. ولا بد من حركة جماهيرية واسعة تواصل ضغطها بالاتجاهات التي تبلورت في الحراك المدني وفي مظاهرات الجنوب والوسط خلال شهري تموز وآب، والتي لا تزال لم تتوقف حتى الآن وبصيغ مختلفة، لكي يمكنها فرض برنامجها في الإصلاح والتغيير على مجلس النواب وعلى تشكيل الحكومة الجديدة، إذ بغير ذلك سيتواصل الوضع الطائفي البائس والفساد والإرهاب المدمر لوحدة العراق وشعبه ومستقبل بناته وأبناءه.