قبل الولوج في صلب موضوعنا أود التنبيه، بأنني أريد التركيز في مقالتي هذه على أهمية المصطلحات السياسية والقانونية تحديدآ، لأن هذا ما يهمني في هذه الوقفة. فمن خلال إطلاعي على دراسات كثيرة غربية وشرقية حول هذا الموضوع، وجدت أنه لا يمكن بحث أي موضوع بشكل علمي وجدي وإيجاد حلول لها والتقدم بها نحو الأمام، من دون تحديد المصطلحات وضطبها أولآ.
أهمية المصطلحات:
المصطلحات هي مفاتيح العلوم، على حد تعبير الخوارزمي. وإن فهم المصطلحات هو نصف العلم، لأن المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم ما، والمعرفة عبارة عن مجموعة من المفاهيم التي ترتبط ببعضها البعض على شكل منظومة. وقد ازدادت أهمية المصطلح وتعاظم دوره في المجتمعات المعاصرة، التي أصبح توصف بأنها “مجتمعات المعلومات” أو “مجتمعات المعرفة“، حتّى أن الشبكة العالمية للمصطلحات، التي تأخذ من فينا بالنمسا مقرآ لها، إتخذت شعار “لا معرفة بلا مصطلح” شعارآ لها.
كما أن أهمية المصطلحات عمومآ تنبع، من أنها الوعاء الذى تطرح من خلاله الأفكار والرؤى، فإن لم يتم ضبط هذه المصطلحات إختلطت الأشياء بعضها ببعض، ومعه إختلطت دلالاتها التعبيرية وإختل البناء الفكرى من أساسه، وعندها تعم الفوضى الفكرية، ولا يمكن حل أي معضلة. فضبط المصطلحات والمفاهيم ليس إجراءً شكليآ ولا شيئآ مصطنعآ، بقدر ما هي عملية تمس صُلب الموضوع ولها نتائج وأبعاد منهجية وفكرية.
فمثلآ مصطلح الحكم الذاتي، له مدلولات فكرية وسياسية وقانونية ودستورية، مختلفة كليآ عن مصطلح الفدارالية أو الكونفدارلية. ولكل مصطلح من هذه المصطلحات الثلاثة، تبعات قانونية وسياسية ودستورية وحقوقية وواجباتية.
والفدرالية لها عدة أنواع ولكل واحدة منها مفهومها الخاص، ويحمل مضمون مختلف عن الأخرى.
فمثلآ فدارلية سويسرا مبنية على أساس قومي، كونها متعددة القوميات واللغات. بينما فدرالية المانيا مبنية على أساس الأقاليم كون الشعب الألماني شعب واحد وله لغة واحدة. بينما في الولايات المتحدة الأمريكية الفدرالية مبنية على أساس دول. وفي العراق بنيت الفدرالية على أساس خليط ما بين قومي ومناطقي معآ بهدف حل القضية القومية الكردية من جهة، و حل المعضلة المذهبية في العراق (السنة والشيعة) من جهة أخرى. وهذا ينطبق أيضآ على أسماء الدول والأقاليم ضمن إطار الدولة الواحدة مركزية أكانت أم فدرالية أو حتى مستقلة.
كان لا بد من سرد هذا الشرح المهم والضروري، لفهم ما نحن بصدده على الصعيد الكردي وما يحدث من تجاوزات سياسية وقانونية من قبل قيادات بعض الأحزاب الكردية ومجموعة من “المثقفين والكتاب والصحفيين ” المرتبطين بها كي لا أقول المطبلين والمزمرين لها.
نحن على الساحة الكردستانية لدينا فلتان كامل في المصطلحات والمفاهيم، حيث أن كل جماعة أو فريق سياسي، أعطى لنفسه الحق في إطلاق التسميات التي يشاؤوها وفق مصالحه الذاتية، دون التدقيق في عواقب تلك المصطلحات السياسية والقانونية. وهنا سأطرح عدة أمثلة لنرى مدى صحتها ودقتها وما هي التبيعات السياسية والقانونية لها في المستقبل.
المثال الأول: مصطلح كردستان العراق:
هذا المصطلح خاطئ وخطير سياسيآ وقانونيآ وسيكولوجيآ، وعلى الفور سأوضح لماذا.
أولآ، لا يجود تاريخيآ شيئ إسمه “كردستان العراق“، حيث أن العراق بحد ذاته دولة مصطنعة وعمرها لا يتعدى ثمانين عامآ. بينما كردستان كوطن للشعب الكردي عمرها عشرات ألاف السنين. وعندما تقول كردستان العراق، أي أنك تقول إنها ملك للدولة العراقية وجزء لا ينفصم عنها، وهذا غير صحيح سياسيآ وخطأ جسيم إرتكبته القيادات الكردية، وبل أعتبره خطيئة. لأنها تجرد الكرد من ملكيتهم القانونية لهذا الإقليم.
ثانيآ، لها تأثير نفسي خطير على أبناء الكرد، ويزرع في نفوسهم لا شعوريآ أن هذه الأرض ليست فقط لهم وإنما أيضآ للعراقيين حصة فيها. ومن هنا جاءت تسميت “الكردي العراقي وكرد العراق، الكردي السوري وكرد سوريا، الكردي التركي وكرد تركيا، الكردي الإيراني وكرد ايران“. هذا التقسيم النفسي أخطر برأي من السرطان نفسه. وللأسف الشديد ما زال السياسيين الكرد في جنوب كردستان يستخدمون هذه التسمية المقيتة إلى الأن، ومعهم جوقة من الصحفيين والكتاب التابعين للإدارتين الخرفتين.
التسمية الصحيحة هي: جنوب كردستان وكرد باشور.
المثال الثاني: مصطلح شمال شرق سوريا:
حزب العمال الكردستاني، منذ أن القي القبض على زعيمه عبدالله اوجلان، وهو يعيش في دوامة تغير الأسماء والأعلام والشعارات والسياسات لها أول وليس لها أخر، وفي الحقيقة ليس لها أي مبرر منطقي.
لنبدأ منذ بداية تأسيس حزب الإتحاد الديمقراطي (ب ي د)، على يد عثمان اوجلان وكيف تجنبوا وضع كلمة كردستان في إسم الحزب إرضاءً للنظام السوري القاتل، الذي يدينون له، بسبب إحتوائه لقياداتهم في الماضي ومن ضمنهم عبدالله اوجلان، في بداية ثمنانينات القرن الماضي.
وبعد إندلاع الثورة السورية بفترة وجيزة، سحب النظام السوري موظفيه وشرطته وأجهزته الأمنية من المناطق الكردية وسلمها لفرع حزب العمال (ب ي د)، بعد الإتفاق معه ومده بالسلاح والمال، ولكن إشترط عليه، منع الكرد من المشاركة بالثورة وخاصة الشباب منهم. الهدف كان إشغال تركيا بالموضوع الكردي، والضغط عليها بهذه الورقة وقد نجح النظام في ذلك.
مع إستلام (ب ي د)، المنطقة، أخذ يستخدم مصطلح (روزافا)، ورفض إستخدام كلمة كردستان مرة أخرى!! والسبب واضح، لأن النظام يرفض ذلك. ولم يكتفي هذا التنظيم بذلك، وإنما تراجع عن هذا المصطلح أو التسمية، وأحل محلها مصطلج جديد ألا وهو: “شمال شرق سوريا“.
ما خطورة هذه المصطلح سياسيآ وقانونيآ على مستقبل قضية الشعب الكردي في هذا الجزء العزيز من كردستان، ووجدانيآ على نفسية الكرد؟
الحقيقة هذا المصطلح له أثار ضارة وخطيرة جدآ على قضية الشعب الكردي ومصيره في المستقبل. من هذه المخاطر نكران وجود شعب كردي في هذا البلد وإقليم إسمه “غرب كردستان“. وثانيآ، وضع منطقة غرب الفرات الكردية، خارجآ نطاق هذا الإقليم. وكما نعلم أن غرب الفرات تشمل كل من: دارازه، عفرين، إعزاز، جرابلس، الباب، منبج والشهباء، وهي تعادل حوالي نصف مساحة غرب كردستان.
وعندما تريد أن تفاوض النظام السوري أو المعارضة السورية، وتقول لهم نريد إدارة ذاتية أو فدرالية لمنطقة شمال شرق سوريا، سيقولون لك ومن ماذا تشكي منطقة شمال غرب سوريا، ومنطقة جنوب غرب سوريا، وجنوب شرق سوريا؟ كلها مناطق سورية لا فرق بينها. وسيقولون لك أيضآ لدينا نظام إدارة محلية وكل محافظة تدير شؤونها بنفسها.
أما عندما تطرح مصطلح أو تسمية “غرب كردستان“، مجرد طرح المصطلح يفهم الطرف المقابل منه بأنه هناك معضلة قومية وهذه القضية مختلفة كليآ عن قضايا باقي المناطق السورية، كونها قضية سياسية ويجب إيجاد حل لها عبر التفاوض مع الطرف الكردي وبالطرق السلمية. وأول خطوة في هذا الإطار الإعتراف بالشعب كثاني قومية والتي يتعدى عدد أفرادها (10) ملايين، ومن ثم الجلوس على مائدة التفاوض وإيجاد لهذا القضية، ومن ثم عرض الإتفاق على الجهور الكردي لإبداء رأيه فيها. فإما إن يقبلها أم يرفضها. وعلى القيادة الكردية من الأن تحديد حدود إقليم غرب كردستان.
التسمية الصحيحة هي: غرب كردستان وكرد روزافا.
وهنا أطرح السؤال التالي:
هل يحق لمجوعة كردية أو فريق سياسي معين أن يتلاعب بإسم جزء من كردستان، ويغير فيها كما يشاء؟ الجواب حتمآ لا.
لذا على القيادات الكردية في كل من باشور كردستان وروافا، أن يتراجعوا عن تلك التسميات، المسيئة
لشعبنا وحقوقه القومية.
وفي الختام على قيادة ( ب ي د)، أن تأخذ العبرة من تجربة اليونان ومقدونيا حول إسم مقدونيا. وعليها أن تدرك أن أبناء شعبنا الكردي لن يقبلوا بتسمية : “شمال شرق سوريا“، ولن يتخلوا عن إسم بلدهم كردستان، الذين من أجله ضحوا بدمائم وحياتهم. وللذين يبررون تلك التسمية بحجة وجود أثنيات قومية كالكلدان والأشوريين بين الكرد، فأقول لهم إن عدد الكلدان والأشوريين في جنوب كردستان أكبر بكثير من منطقة القامشلي.
12 – 02 – 2020