سجل اقليم كردستان العراق ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الانتهاكات والمخالفات بحق الصحفيين والمؤسسات الاعلامية في عام 2019، تنوّعت ما بين اغلاق المؤسسات وتشويش الأجهزة والمعدات الخاصة بالبث والارسال، اضافةً الى ضرب واهانة وتوقيف الصحفيين.
تأتي تلك المخالفات والانتهاكات ضد الصحفيين في وقتٍ شهد الإقليم خلال العام 2019 نوعاً من الإستقرار السياسي والاقتصادي عقب سنوات صعبة على خلفية الحرب مع تنظيم داعش واستفتاء الانفصال، ما خلق أجواء أفضل لحرية العمل الصحفي مقارنةً مع باقي المحافظات العراقية.
واعتبر مراقبون في المجال الإعلامي عدم التزام المؤسسات الأمنية والحكومية في الإقليم بالقانون الخاص بالعمل الصحفي بمثابة النقطة الأكثر اشكالية والتي تسجل ضدهم مع استمرار الإنتهاكات والمخالفات بحق الصحفيين والمؤسسات الاعلامية، وهذا ما يعطي مؤشراً سلبياً على حرية الصحافة في كردستان.
تضارب الإحصائيات
وشهد الإقليم (231) انتهاكاً ومخالفة ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في العام 2019، منها 124 حالة تتعلق بمنع التغطية الصحفية و43 حالة تتعلق بتوقيف ومحاكمة الصحفيين خارج أطر العمل الصحفي، بحسب احصائية سنوية صادرة عن مركز ميترو المعني بالدفاع عن حقوق الصحفيين في كردستان.
ويشير تقرير المركز الى تعرض 22 صحفياً للضرب والتهديد والاهانة، اضافةً الى 20 حالة مصادرة وتوقيف استناداً الى أوامر قضائية.
وشهد العام المذكور تسجيل 13 حالة تتعلق بمصادرة أجهزة الصحفيين و4 حالات هجوم وتعنيف، فيما سجلت حالة واحدة تتعلق بالتشويش الكتروني مع حالة واحدة لاطلاق النار على بيت أحد الصحفيين وحالة واحدة لحرق سيارة احد الصحفيين، بحسب التقرير.
إلا أن احصائية نقابة صحفيي كردستان تشير الى تسجيل انتهاكات ومخالفات أقل بحق الصحفيين مقارنة باحصائية مركزميترو. ويشير التقريرالسنوي لنقابة صحفيي كردستان الى ارتكاب 151 مخالفة وانتهاكاً ضد الصحفيين خلال عام 2019.
وكانت النقابة التي تغطي نشاطاتها مناطق كركوك ونينوى ايضا قد سجلت 132 حالة انتهاك بحق الصحفيين في العام 2018 .
تساوي الانتهاكات في أربيل والسليمانية
وذكرت لجنة الدفاع عن حرية الصحافيين في تقرير مفصل عن عدد الانتهاكات والمخالفات المسجلة ضد الصحفيين والمؤسسات الاعلامية في الإقليم خلال العام 2019، أن 151 انتهاكاً ومخالفة سجلت ضد الصحفيين والمؤسسات الاعلامية، منها 144 انتهاكاً بحق الصحفيين من الذكور وخمسة انتهاكات بحق صحفيات.
وجاءت مدينتي أربيل والسليمانية بالتساوي في عدد الانتهاكات والمخالفات ضد الصحفيين بـ 17 حالة، ونفس العدد سجل في كركوك، إلا أن دهوك سجلت عدد أقل من الانتهاكات مقارنةً مع المحافظات الأخرى بـ 8 حالات فقط. وسجلت مدينة خانقين ثلاث حالات انتهاك، وحلبجة حالة واحدة.
132 انتهاكاً في 2018
وتعرض الصحفييون في عام 2018 الى (132) انتهاكاً كان أغلبها منع التغطية الإعلامية للصحفيين والمؤسسات الاعلامية، بحسب احصائية عن الانتهاكات صادرة عن نقابة صحفيي الإقليم في مناطق نشاطها ومنها محافظتي كركوك و نينوى.
وشملت دائرة الانتهاكات التي سجلت 33 حالة في أربيل، و60 حالة في السليمانية، و25 في دهوك، و5 في حلبجة، و 4 في كركوك، وحالة واحدة في كفري، وحالتان في خانقين، وحالة واحدة في سنجار وواحدة في الموصل.
وعن أنواع الانتهاكات وطبيعتها، علّقت النقابة قائلة: “جاءت غالبية الانتهاكات والمخالفات في الجانب المتعلق بمنع التغطية الاعلامية للصحفيين والمؤسسات الاعلامية والتي تضمنت 70 حالة، إضافة إلى 43 حالة اعتداء وإهانة وضرب، و13 حالة اعتقال، وحالة وفاة، وأربع حالات إطلاق نار، مع إغلاق قناتين إعلاميتين”.
وكان مركز ميترو، قد أكد في تقرير له مطلع العام 2018، تصاعد حالات الانتهاكات والمخالفات ضد الصحفيين والمؤسسات الاعلامية في العام 2017 عن العام الذ يسبقه، مشيراً الى أن المركز وثق في العام 2017 عدد 419 شكوى تفاوتت بين القمع والتهديد والاعتقال وحتى الشر وفي القتل أحيانا.
وذكر المركز في تقريره السنوي عن أبرز الانتهاكات والمخالفات في عام 2017 “أن الانتهاكات ارتكبت ضد 338 من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية”.
ويعزو صحفيون ازدياد عدد الانتهاكات والمخالفات ضد الصحفيين والمؤسسات الاعلامية في كردستان خلال عام 2017 الى اندلاع التظاهرات الاحتجاجية ضد الفساد وتعطل الخدمات في تلك الفترة مع توقف المشاريع الخدمية والاستثمارية فضلاً عن نظام ادخار الرواتب الذي عمل به في العام المذكور.
عدة أوجه للإنتهاكات
وعادة ما تزداد الانتهاكات والمخالفات ضد الصحفيين في الإقليم اثناء اشتداد الصراعات السياسية. ويقول نقيب صحفيي كردستان آزاد أمين، معلقاً ان “الأرقام الكبيرة لحالات الانتهاكات لها علاقة بشكل مباشر بالظروف الحالية في الإقليم والعراق”.
ويضيف أمين في حديثه لـ”صباح كوردستان”: انه “كلما توترت الأحداث واشتدت الصراعات السياسية تزداد مشاكل الصحفيين والمعوقات أمام عملهم وهي من أبرز الأسباب التي تؤدي الى زيادة الأرقام والاحصائيات عن الانتهاكات التي تسجل بحق الصحفيين”.
ويلفت نقي بصحفيي الإقليم الى ان الإنتهاكات التي يتعرض لها الصحفييون في الإقليم ترتبط بعدم المهنية والاحترافية لدى المؤسسات الأمنية الحكومية من جانب، اضافةً الى عدم مهنية المؤسسات الاعلامية والصحفي نفسه من جانب آخر.
ويوجد في محاكم الإقليم عشرات الملفات المتعلقة بالشكاوى ضد الصحفيين والمؤسسات الاعلامية وهي مرتبطة بمواد صحفية كتبوها في الغالب عن ملفات فساد ضد مسؤولين، إلا أن نقيب الصحفيين يقول انه يجب ان “نعترف بوجود تقصير واضح من قبل الصحفيين لعدم إلتزامهم بالمعايير المهنية”.
وتمثل أبرزالسلبيات المسجلة ضد الصحفيين في الإقليم، بحسب أمين، افتقارهم الى المهنية والحرفية في العمل والتغطية الصحفية، مشيرا الى وجود اشكالية تتعلق بقيام الأحزاب والأطراف السياسية في كردستان بتحويل صراعاتها الى وسائل الإعلام، وتستخدم وسائل الاعلام في ذلك على نحو واضح.
عدم تطبيق قانون 35 لسنة 2007
بحسب قانون رقم 35 لسنة 2007 لايحق للجهات الامنية اعتقال أي صحفي دون الرجوع الى نقابة الصحفيين إلا ان تطبيق هذا القانون شبه غائب بالإقليم لعدم إلتزام المؤسسات الامنية به. حيث تتكرر حالات احتجاز الصحفيين باللجوء الى قوانين اخرى مثل قانون العقوبات العراقي.
وتكررت محاولات نقابة الصحفيين والمراكز الصحفية في الاقليم لمنع لجوء القضاء الى استخدام قوانين أخرى غير قانون العمل الصحفي، وقامت قبل فترة بحملة لتنبيه القضاة بضرورة التعامل مع الصحفيين وفق ذلك القانون.
ويقول نقيب صحفيي الإقليم انه بحسب القانون المذكور يحق لنقيب الصحفيين التدخل في التحقيق أو من ينوب عنه في أي ملف يتعلق بالصحفي وعمله الصحفي.
بدوره يرى الصحفي علي الحياني، بأن جميع الاحزاب سواء التي في الإقليم أو باقي مناطق العراق لاتحترم الصحفي ولا تقدر عمله ولا تعرف بأنه يحمل رسالة يريد إيصالها “هم ينظرون اليه ويعتبرونه عدو الهم”.
ويقول الحياني وهو من الصحفيين النازحين من مدينة الأنبار واتخذ من الإقليم مكاناً لعمله الصحفي في حديثٍ خاص لـ”صباح كوردستان”، ان”استمرار تسجيل هذه الأرقام الكبيرة عن حالات الاعتداء والانتهاك ضد الصحفيين سواءً في إقليم كردستان أو في مدن العراق الأخرى، تؤكد أن بيئة العمل الصحفي في العراق ماتزال بيئة غير سليمة وغير ناجحة لإنتاج صحافة حرة قادرة على توعية المجتمع العراقي لمواجهة جميع الأزمات”.
تعدد النقابات ومراكز دعم الصحفيين
ويوجد في الإقليم كما هو الحال في العراق عدة نقابات ومراكز وجمعيات تُعنى بالعمل الصحفي والدفاع عن حقوق الصحفيين، إلا انها بشكل عام تعاني من ضعف أدائها، وتوجه اليها انتقادات لعدم قدرتها في الدفاع عن حقوق الصحفيين وتمثيلهم امام السلطات، لاسيما الصحفيين الذين يتعرضون لمضايقات أثناء التغطيات الاعلامية أو يقومون بكشف ملفات فساد، فدور النقابات والمراكز يكاد ينحصر بتوثيق الانتهاكات واصدار البيانات بشأنها.
ويعلق على ذلك الصحفي الأنباري قائلاً: ان تعدد المراكز والجمعيات النقابية في كردستان أو في العراق عموماً يشتت عملها، فقوة تلك المراكز هي بوحدتها وبتلك الوحدة ستتمكن من تشكيل حالة ضغط على الحكومة والجهات الأمنية والأحزاب وتخلق رأي عام قوي بشأن القضايا المختلفة”.
ويسلط الضوء على أن “تعدد تلك الجهات وقيام كل جهة باصدار بيان خاص بها، يضعف من حقوق الصحفي ومكانتهم أمام الحكومة والاحزاب”.
ويتابع “بعض أعضاء الحكومة سواءً في كردستان أو في بغداد صرحوا في أكثر من مرة بأنهم لايعرفون من هي الجهات التي تمثل الصحافة والإعلام فكل جهة تصدر بيانات خاصة بها، وهذا التشتت يؤدي إلى استسهال حالات الاعتداء والتجاوز والانتهاكات ضد الصحفيين وهي تجعل الصحفي في حيرة من أمره ولا يعرف إلى أين يلتجأ عندما يتعرض لمشكلة أو يتم الاعتداء عليه”.
وبات العديد من الصحفيين لا يثقون بتلك الجمعيات والاتحادات كونها صارت تشكل غطاءً للأحزاب والجهات السياسية وتحاول تجميل السلطات، بحسب علي الحياني، مضيفاً ان “مهمة هذه الاتحادات والنقابات أصبحت الدفاع عن السلطة ومن يدفع لها”.
ومن السلبيات التي سجلها الصحفي علي الحياني على تلك الجمعيات والاتحادات والمراكز ان “بعضها تستلم المنح والهبات من جهات سياسية وحكومية وهذا ما يجعل الصحفي المستقل لا يثق بها وبامكانية ان تقوم بالدفاع عنه، وهو ما يجعل تلك المراكز في موقف محرج ويجعل الصحفي يتجنب اللجوء إليها لأنه يعرف بأنها لن تقوم بالدفاع عنه في مواجهة الجهات التي تستلم منها الأموال”.
الصراع السياسي ينعكس على الصحفيين
ويزداد الخناق على الصحفيين والعمل الصحفي مع ازياد وتيرة الصراعات والمشاكل السياسية في العراق، بحسب الصحفي الكردي هوكر كمال، مبيناً ان “الصراعات السياسية بين أطراف النزاع أودت بحياة العديد من الصحفيين في كردستان في السنوات الماضية مع تعرض قسم آخر منهم للضرب والاهانة وما شابه”.
ويرى الصحفي الكردي ان عدم العمل بالقانون رقم 35 لسنة 2007 “خلق ثغرةً كبيرة للصحفيين وأدخلهم في متاهات مظلمة وهم يواجهون بمفردهم المتهمين بالفساد بعد كشف ملفاتهم”، متوقعاً في حديثه لـ”صباح كوردستان” ازياد معدل الانتهاكات والمخالفات ضد الصحفيين خلال الفترة المقبلة لعدم وجود جهة تدافع عن الصحفيين وتقف بجانبهم.
ويؤيد الصحفي الكردي زميله علي الحياني بشأن عجز النقابات والاتحادات في الاقليم وعدم وقوفها مع الصحفي عندما ترفع ضده دعوى قضائية على اثر كشفه ملفات الفساد، واصفاً هذه النقابات والاتحادات بـ”الجامدة” والعاجزة عن خلق تاثير ضاغط للصحفيين على السلطات.
ويقول كمال، ان تلك النقابات والاتحادات لا تعتمد الأسس المهنية والصحفية في منحها لـ”هويات العضوية والعمل”، فهي تهب الهويات لكل من هب ودب دون أسس مهنية حقيقية فصار عدد الصحفيين بالآلاف.