تعطي القوة المضادة للحركة، دافعاً لقوتها بإتجاه غايتها، إلّا أن تقاطع قوتين، سيفقد من قوة الأولى بقدر ما يفقد الثانية، ويثبت أنهما في طريق خطأ، إذ لا يمكن أن يتقاطعا وهما يسيران الى هدف واحد، وأن بنيت تصورات أحدهما على حدث راهن، وأسقط تصوراته على الأحداث المتناثرة المتجزئة، فلا تصح تصوراته، ويكون معوِّقاً لعمل الآخر.
وفي إختلافنا في طبيعة قراءة المشهد، تقاطع في الحاضر ونسف للماضي ومجهولية المستقبل، وأنشاء شتى مدارس النزاعات، وصُور لكل عملية وإن كانت بسيطة، بألفاظ مبسترة وأُطر أكبر من حجمها، والخلاف البسيط سمي صراعاً، والمشكلة سُمِّيَتْ أزمة، حتى إنعكس على الواقع وتراكمت مشكلات وغابت الحلول، وعدنا ندخل في أزمة ونخرج منها بأزمة أكبر، حتى أصبحت عُقَداً لا يمكن حل تشابك بداياتها ونهاياتها.
تطورت الأزمات في غياب الحلول، أوضح أن كل طرف قاصر أو مقصِّر أو مُقصَّر بحقه، ويعتقد بغياب الحلول الاطراف كلها، ولذا تظاهر شعب ناقم على طبقة سياسية وفاقد الثقة في مجملها، إلا أن رؤية الحلول عن المشهد، وكل طرف يعتقد وجوده بنفي الآخر، فبعض الأحزاب تنفي أحزاباً أخرى وتعتقد أن التظاهر أزمة تنتهي بمرور الوقت، وبعض المتظاهرين يعتقدون الحلول بنفي كل الأحزاب، ولكن كل هذه الأطراف تعتقد أن القانون الإنتخابي العادل هو حل، بمفوضية مستقلة وإنتخابات مبكرة، وهناك من يريد يريد خوضها، ويراهن على بقاء الفوضى، حفاظاً على ما كسب من موقفه.
برزت مشاهد بعد التصعيد الإحتجاجي، معظمها مؤلم وفيها دماء كريمة عزيزة، وبعد التصعيد والشد والجذب، توصلت الأطراف وبعد جلسات من ممثلي التظاهر وممثل السيد الصدر، الى بداية إنفراجة، وخطوة أولى لتطبيق وصايا المرجعية، التي تؤكد مراراً وتكرراً على نبذ العنف، والتظاهر السلمي، وإعادة هيبة الدولة، ومن أهم ما تم الإتفاق عليه، أن تكون القوات الأمنية هي من تحمي المتظاهرين، وسارت الأمور بسلاسة، رغم سماع بعض الأصوات في ساحات التظاهر، التي تشير على أنها ليست طرفاً في هذا الإتفاق، ولكن كما يبدو أنها لا تؤثر على السياق العام، لما تتجه له المرحلة القادمة، بعد دخول مجاميع من المتظاهرين في التفاوض مع الحكومة القادمة.
إن بعض الأصوات ما تزال مصرة على رفض تكليف محمد توفيق علاوي، ويبدو أنها، أما تدرك وتتقصد الرفض أو لا تدرك أن فشل هذا التكليف، سيجبر رئيس الجمهورية على إختيار شخص آخر، ولكن في فترة 15 يوم، وهذا من الصعب جداً بعد أن تعثر التكليف شهرين متتالين، وفي حال فشل علاوي في إكمال مشروع التكليف أو نيل ثقة الحكومة، ستكون الأيام أصعب من تلك التي كانت بعد إستقالة حكومة عبدالمهدي.
هنالك فرق بين الدولة والحكومة، بين السلطة والبلد، وهذا ما لم يتم التفرقة فيه لدى معظم الأطراف، لذا وضع مصير الدولة مع مصير الحكومة. الحكومات والأشخاص يتبدلون وتبقى الدول قائمة، حتى وأن تمزقت بصراعات داخلية، وتدخلات خارجية، وبقاء الفوضى والتصعيد، يناقض ما خرج عليه المتظاهرون، فهم أحتجوا على طبقة سياسية، وهذا لا يمكن تحقيقه وتغيير من أساء منهم إلا بالإنتخابات، ولكن ذلك مشروط بعودة التهدئة والقراءة المنطقية والواقعية والعقلانية، ولا يمكن ضمان نتائج الإنتخابات على أنها ستغير المشهد في حال الإنفلات الأمني، وهذا ربما يتيح للأحزاب ممارسة نفوذها وعدم سماحها للقوى المنافسة بالفوز، وشرط آخر أن تنظم التظاهرات نفسها وتحدد قادتها ونخبها، وتحث الجماهير على المشاركة، وفق برامج وخطط تراها مناسبة، وتستطيع أن تقنع الشارع بالمشاركة، وأهمية صوت الناخب، وتقول لهم أن التصعيد غير السلمي سيفقد الإحتجاجات مشروعيتها وتأييد الجماهير.