.
المليشيات هي قوّات مسلّحة غير رسميّة، من أهمّ واجباتها فرض إرادة أصحابها بقوّة السلاح على الآخرين، وتصفية المعارضين لها جسديّا ومعنويّا!
ظهرت المليشيات في العراق بشكل علنيّ في مرحلة ما بعد الاحتلال، وبرزت بصورة واضحة بعد تفجير المرقدين في سامراء في شباط/ فبراير 2006، وهو تفجير مدروس، ومخطّط له بعناية من أعداء العراق في الداخل والخارج!
هنالك اليوم أكثر من 150 مليشيا، منها 100 مليشيا غير رسميّة في بغداد وحدها، كما ذكر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وغالبيّة هذه المليشيات تمتلك الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة وحتّى الثقيلة، وهي مدعومة من قوى متنفّذة، ومشاركة في العمليّة السياسيّة!
المُدهش أنّ جميع رؤساء الحكومات وزعماء المليشيات يتحدّثون عن ضرورة ضبط السلاح بيد الدولة، وهو الأداة الأبرز لتهديد السلم المجتمعيّ وضياع هيبة الدولة!
ولا ندري منْ يمتلك تلك المليشيات إن كان هؤلاء جميعا يتحدّثون عن ضرورة ضبط السلاح بيد الدولة؟
غالبيّة المليشيات لعبت دورا مخجلا بعد تفجير سامراء، إذ قتلت أكثر من 30 ألف مواطن بريء بحجج مذهبيّة وطائفيّة، والتزمت حكومات إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد المهدي الصمت إزاء جرائم المليشيات المستمرّة حتّى الساعة وبأساليب متنوعة!
“مرحلة نهاية المليشيات بدأت ملامحها مع الاستهداف الأمريكيّ لمعسكرات “حزب الله العراقيّ” “
من أهمّ ثمار ثورة تشرين في العراق هو بروز لحظة “متطوّرة”، وربّما كانت بعيدة المنال، إلا وهي بداية أفول “نجم” المليشيات.
مرحلة نهاية المليشيات بدأت ملامحها مع الاستهداف الأمريكيّ لمعسكرات “حزب الله العراقيّ” على الحدود العراقيّة السوريّة، أيضا باستهداف قاسم سليماني قائد فيلق القدس و”أبو مهدي المهندس” نائب رئيس هيئة الحشد الشعبيّ بداية العام 2020، عند خروجهما من مطار بغداد الدوليّ!
وتعدّ الاعتداءات المليشياويّة على المتظاهريّن من أقوى عوامل ضعف “هيبة” المليشيات في الشارع العراقي، وكشفتها على حقيقتها، وبأنّهم ليسوا مع الحراك الشعبيّ، وإنّما هم يطبّقون أجندات أجنبيّة!
كانوا حتّى الأمس القريب ضمن الخطوط الحمراء، ولا يمكن الاقتراب منهم!
التطوّر الأهمّ والأبرز تمثّل في هتافات شباب تشرين ضدّ “زعماء مليشياويّين” كانوا حتّى الأمس القريب ضمن الخطوط الحمراء، ولا يمكن الاقتراب منهم!
ورأينا كيف أنّ شباب النجف وكربلاء والكوفة وغيرها هتفوا ضد كبار زعماء المليشيات، في تطوّر واضح يؤكّد أنّ شباب العراق لم يعد يخيفهم أيّ سلاح رسميّ، أو غير رسميّ، وأنّهم مصرّون على تحقيق مطالبهم التي خرجوا من أجلها، ومنها ضرورة تغيير وجوه كافّة السياسيّين بعد العام 2003، ومحاكمة القتلة والمجرمين وسرّاق المال العامّ.
المليشيات لم تكتف بقتل وترهيب المتظاهرين، بل بدأت تلعب بعض الأدوار المليئة بالكراهية لشباب العراق. وقد لاحظنا أنّ زعماء المليشيات حاولوا تسفيه مطالب الجماهير عبر إرسال شخصيّات تابعة لهم وإبرازهم على أنّهم جزء من الحراك، وقبولهم بإعطاء فرصة لرئيس الوزراء المكلّف محمد علاوي!
“حكومة علاوي لن ترى النور طالما هنالك ضغوطات مليشياويّة مستمرّة عليها للاستحواذ على بعض الوزارات”
رفض هذه المؤامرة كان بصورة عمليّة، وبنزول مئات الآلاف من شباب العراق في بغداد وعموم مدن الجنوب وهم يهتفون، رغم التهديدات المليشياوية ضدّ علاوي وحكومته المرتقبة. ولا أتصوّر أنّ هنالك رسالة أوضح وأدقّ من هذه الرسالة الشبابيّة الكبيرة لكافّة الكتل السياسيّة التي تحاول “التغافل” عن مطالب الجماهير، وكأنّ الأمر لا يعنيها!
حكومة علاوي لن ترى النور طالما هنالك ضغوطات مليشياويّة مستمرّة عليها للاستحواذ على بعض الوزارات، وخطاب علاوي بأنّه لن يرضخ للضغوطات يشبه تماما خطاب عبد المهدي، الذي أكّد مرارا أنّ استقالته في جيبه، ورغم ذلك نفذّ رغبات “الغرباء”، وأتمّها بقتل المئات وجرح الآلاف من المتظاهرين!
يفترض تطبيق المادّة (4) من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005 على كلّ زعماء وعناصر المليشيات الذين قتلوا شباب العراق، فهل سيطبّقه علاوي، أم أنّهم فوق القانون؟
رغم كلّ الصور المليئة بالخوف والإرهاب المليشياويّ أعتقد أنّ مرحلة نهاية المليشيات قد بدأت، وأنّ الترهيب المليشياويّ مصيره الذبول والانهيار أمام إرادة العراقيين الصلبة، وأنّ شباب تشرين، وبوعيهم المتميّز، سيرغمون الجميع على بناء دولة المواطنة، وتطبيق العدالة بحقّ كلّ منْ قتل العراقيّين وانتهك حقوقهم!