الكاتب الحقوقي والخبير في الشأن الإيراني
خميني مؤسس نظام ولاية الفقيه، کان یستخدم عبارة “الإسلام العزيز” کلما تطرّق إلی موضوع ما. وکان الإيرانيون المطّلعون على ثقافته یعلمون جیداً أنه يعبّر عن نفسه ومعتقداته القروسطائیة بتلك العبارة.
وکان خمیني یعتقد أنّ مجرد حکم ولایة الفقیه لا یکفي ولا یفي بالغرض. لأنه یری أنّ “الحاكم” هو ولي أمر المسلمين وصاحب “الولایة المطلقة” علی جمیع شؤون آلامه، أي أنه بمثابة الأب من ابنه الصغیر حسب رأیه. وبهذه الرؤیة الفاشیة، کان خمیني يؤمن “بالسلطة المطلقة للفقیه” وسیادته التامة في کافة شؤون الشعب.
وقد نوّه مخاطبیه مراراً وتكراراً من أنّ الشعب لا یمتلك الرؤية المطلوبة ولا يمكنه إبداء الرأي فی شؤون البلاد، وبالتالي تقع هذه المهمة علی عاتق “ولي الفقیه” وحده.
فهل للانتخابات محل من الإعراب في هکذا نظام وبالرؤیة التي یحملها تجاه الشعب؟
سلّط مجاهدو خلق في إیران الضوء على خطر الحكم الرجعي وسیادة الفاشية الدينية في منشوراتهم ومحاضراتهم حتى قبل إنشاء المؤسسات القائمة علی مبدأ ولاية الفقيه، واغتنموا جمیع الفرص الديمقراطية المتاحة أمامهم لتنوير الرأي العام وتوعية الناس بحقوقهم وحرياتهم الاجتماعية. لهذا السبب باءوا بغضب من خميني وعصابته، وتعرّضوا للعدید من الهجمات من قبل البلطجیة ومؤیدي النظام بقیادة المعمّم محمد بهشتي أول رئيس للمجلس القضائي الأعلی عیّنه خميني، وهاجموا تجمّعات المجاهدين السلمية مرات عدیدة بسبب نشر صحيفة “مجاهد” الناطقة باسم منظمة مجاهدي خلق مجموعة من الوثائق والرسائل تفضح طریقة عمل الفاشیة الدینیة.
الانتخابات البرلمانیة الأولی والتي ترشّح إلیها خیرة رجال مجاهدي خلق وعلی رأسهم مسعود رجوي، هي إحدى القضایا الأساسیة التي أسيء استغلالها بشکل علني من قبل نظام ولایة الفقیه بزعامة خمیني.
مؤلف هذا المقال: في ذلك الوقت عملت محامياً قانونیاً رفیع المستوی في إيران وتمكّنت من الحصول على بطاقة إشراف من وزارة الداخلية للإشراف علی الانتخابات في الدائرة الانتخابية رقم 12 في بلدة تقع بالقرب من طريق طهران – ساوه. ترأس الدائرة الانتخابية تلك أحد أعضاء اللجنة بینما یترأس المعمّم محمد رضا مهدوي كني جمیع اللجان، وکان یتدخّل بشكل علني في العملیة الانتخابیة ویسحب أوراق الاقتراع من أیدي المصوتین، ویقوم بتغییر الاسم من “رجوي” إلی “رجائي” وهو أحد المرشّحین المفضلین لدی خميني کلما وجد ورقة مکتوب فیها اسم “رجوي”. اعترضتُ على الأمر بصفتي مشرف رسمي علی الانتخابات، لكنه هدّدني بالضرب والاعتقال واصفاً إیاي بكلمة “المنافق”، واستبعدني في نهاية المطاف من الدائرة الانتخابية. ولم یتمّ مراجعة اعتراضي المکتوب علی الحملة الانتخابية المرفق بالأدلة القاطعة من قبل وزارة الداخلية للنظام ولم أتلقّ أي رد.
هذا مجرد مثال بسیط واجهه مؤلف هذه السطور شخصياً. وقد تمّ الإبلاغ عن الآلاف من الحالات المشابهة وتغییر اسم “رجوي” إلى “رجائي” بجمیع الدوائر الانتخابیة وصناديق الاقتراع في جميع أنحاء إيران.
لم يؤمن خميني قطّ بالانتخابات ولم يحترم أصوات الناس أبداً. لأن فکرته وأطروحته كانت قائمة علی مبدأ “السلطة المطلقة للولي الفقیه” في جميع الأمور بما في ذلك الانتخابات مما ینفي بالضرورة حرية الاختيار.
لقد کرّر مجاهدو خلق منذ 40 عاماً قولهم إنّ الانتخابات لیس لها أي معنى في ظل نظام ولاية الفقيه. لکن الآن بات یرّدد حسن روحاني هذا الموضوع بصفته أکبر المسؤولین المنفّذین داخل النظام الرجعي. فقد قال روحاني يوم الاثنين الموافق 27 ینایر 2019 في کلمة ألقاها في مؤتمر محافظي البلاد أو لنقل منفذّي مسرحیة الانتخابات:
«إن أكبر خطر یهدد الديمقراطية والسيادة الوطنية هو اليوم الذي تصبح فيه الانتخابات مجرد شکلیات؛ یقومون بتعیین الأشخاص في مكان آخر ثم یذهب الناس إلى صناديق الاقتراع للقيام بشکلیات الانتخابات. إذا كنا نريد التصويت فهذا يشبه الذهاب إلى متجر كبير لابتیاع جنس ما، لکن إذا لم يكن هناك سوی جنس واحد وعلامة تجاریة واحدة في المتجر فما معنی الاختیار!».
وباطلاعه الکامل علی حقیقة أن الانتخابات “مهندسة” ومُعدّة مسبقاً قال: «على الناس التأكد من أنّ أصواتهم لن تتغیر ولن تقلّ ولن تزید».
ردّاً علی تصریحات روحاني هذه، قال خامنئي يوم الأربعاء الخامس من فبراير: «إننا لا نقوم بالهندسة ولا نغشّ في الانتخابات!».
وحول حملة الإقصاء واسعة النطاق التي شنّها مجلس صيانة الدستور على مرشحي عصابة “الإصلاحیین” المزعومة قال خامنئي مدافعاً عن أعضاء مجلس صیانة الدستور:
«هم غير متحيزين. مجلس صیانة الدستور مؤلفٌ من ستة فقهاء عدول وستة رجال قانون بارزين منتَخبین. المجلس له شأن کبیر في الدستور، وهو مجموعة موثوقة. کیف يمكن للمرء أن یتّهم بسهولة هذه المجموعة بالتحیّز لفئة خاصة؟!»
وأضاف مخاطباً روحاني: «كل من توّلی منصباً عن طریق الانتخابات لا يمكنه المجادلة حول الانتخابات. كيف تكون الانتخابات نزيهة وسليمة عندما تكون لصالحك وغیر نزیهة عندما لا تکون لصالحک»؟!
كما وصف خامنئي خصائص نوّاب البرلمان الجديد المؤیدین من قبله قائلاً: «إنهم يجب أن يكونوا مؤمنین وثوريين وشجعان وجهاديين وكفوئين ومؤيدين للعدالة حرفياً».
الحقيقة هي أنه في نظام ولاية الفقيه لا معنی للانتخابات واختیار الممثلين الحقيقيين للشعب. لأن برلمان الملالي -على عكس البرلمانات الديمقراطية في البلدان الأخری- هو مجرد أداة لتنفیذ مطالب الولي الفقیه وتحقیق أهدافه لا أکثر ولا یمتّ للشعب بأية صلة.
وقد تجلّی هذا الأمر بوضوح تام فیما یتعلّق بقضیة ارتفاع أسعار البنزين التي أثارت احتجاجات شعبية واسعة النطاق في نوفمبر العام الماضي حیث وضع عدد من أعضاء البرلمان خطة سريعة لإلغاء قرار زیادة أسعار البنزین، لكنهم اضطرّوا إلی إلغائها بأمر من خامنئي.
في هذا الصدد ووفقاً لما نقله موقع “عصر ایران” الحکومي بتاريخ 24 نوفمبر 2019، قال “محمود صادقي” أحد البرلمانيین المستبعَدین من الانتخابات:
«أعلنَ المرشد الأعلى يوم الأحد 17 نوفمبر 2019 عن تأييده الصريح لهذا المشروع [رفع أسعار البنزين] وأرسل مذكرة إلى رئيس مجلس الشوری الإسلامي يحذّر فيها المندوبين من معارضة المشروع».
ما تمّ ذکره في هذه السطور القلیلة لا یتجاوز کونه صورة مصغّرة عن مجلس شوری النظام والانتخابات التي يجب أن يكون لدى أعضائها إیمان قلبي والتزام تام بمبدأ ولایة الفقیه.
ویبقی السؤال مطروحٌ: هل للانتخابات ولمجلس شوری النظام محل من الإعراب في ظل الأوصاف آنفة الذکر؟!
الجواب لا بکل تأکید. تقسیم السلطات أیضاً لا معنی له بتاتاً في نظام الملالي الذي يعتمد اعتماداً کاملاً على دیكتاتورية ولاية الفقيه، وفیه یقوم الولي الفقیه وحده بتحدید جميع المناصب الحكومية بشكل مباشر أو غير مباشر. لأنّ السلطات الثلاث (القضائیة، التشریعیة، التنفیذیة) ما هي إلّا أداة بید الولي الفقیه یحرکّها في المسار الذي یخدم حکم الفاشیة الدینیة ویعزز أسس الهیمنة والاستبداد.
ودعت السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية إلى مقاطعة الانتخابات لنظام الملالي وقالت: كثير من الانتخابات، وفي الواقع جميع التحايلات الانتخابية منذ 40 عامًا مضت حتى اليوم، ودون استثناء، تشهد تزويرًا في الأصوات وضرب الأرقام بأضعاف. لكن الهدف الرئيسي من هذه الاحتيالات والانتخابات المزورة هو التستر على غصب السيادة من الشعب.