حين يسود التشتت والتفكك والصراع بين القوى والأحزاب والجماعات السياسية الديمقراطية من ليبرالية ومستقلة وديمقراطية ويسارية وقوى مؤمنة وتريد دولة ديمقراطية علمانية، وحين تنسى هذه القوى مجتمعة أو بعضها الأهداف الأساسية المشتركة في المرحلة الراهنة في مواجهة الطغمة الطائفية الفاسدة والمشوهة والتابعة الحاكمة، حينها لن تكون قادرة بأي حال على تقديم الدعم الضروري والملح والأساسي الكافي للانتفاضة الشبابية والشعبية الباسلة التي دخلت شهرها الخامس بامتياز وروعة فائقة، رغم كثرة الضحايا البريئة من شهداء وجرحى ومعوقين ومختطفين ومعتقلين ومعذبين وأرامل وثكالى ودموع لا حصر لها. أما حين يسود الوفاق والاتفاق والائتلاف الوطني بين هذه القوى والأحزاب والجماعات السياسية، وحين تشترك سوية في طرح برنامجها السياسي المشترك وأساليبها النضالية السلمية على وفق الأسس التي طرحتها قوى الانتفاضة الباسلة وتطور تلك الأهداف مع مرور الأيام وكثرة الضحايا من جهة، وكثرة الكذب والخداع والمماطلة من جانب الطغمة الحاكمة من جهة أخرى، عندها تقدم هذه القوى أقصى ما لديها من قدرات على دعم الانتفاضة الشبابية والشعبية التي تعتبر أجمل ما قام ويقوم به شعب العراق منذ قرن من الزمان، مع عدم البخس في النضالات المريرة والباسلة السابقة التي خاضها الشعب العراقي طيلة قرن من الزمان. وعظمة هذه الانتفاضة تكمن بتحول الكثير من أولئك الذين كانوا في الغالب الأعم وراء دعم القوى الطائفية السياسية في الوصول إلى السلطة وعبر تأثير القوى والأحزاب الدينية الطائفية والمرجعية الدينية الشيعية أو المؤسسة الدينية السنية، أصبحوا اليوم ثواراً أمناء على مصالح الشعب والوطن، مستعدون لتقديم النفس والنفيس لصالح انتصار الانتفاضة الشعبية التي تقول “نازل أخذ حقي وأريد وطناً” أمناً ومستقلاً ومستقراً، لأن هذه الشبيبة قد أدركت خساسة ونذالة وفساد القوى التي أيدتها في السابق والتي استغلت واستخدمت هذا التأييد لتحقيق ثلاث مسائل أساسية لها بالتحديد، وهي:
-
أن تبقى السلطة في أيديها، على حد قول قائدهم النرجسي والسادي والدكتاتور والتابع لإيران جسداً وروحاً وعقلاً “أخذناها بعد ما ننطيها، ليش هو أكو واحد يگدر ياخذها بعد!”، إضافة إلى ضمان خزينة الدولة وعموم الثروة العراقية والنفوذ الاجتماعي والديني بيديها ايضاً لتتصرف به لصالحها ولصالح إيران.
-
محاربة كل القوى الوطنية والديمقراطية وذات النهج الفكري الآخر وتأمين سيادة الفكر الديني المشوه والمعوج الذي قاد ويقود إلى سيادة نظام فاسد حتى النخاع وتزييف وتشويه الوعي الديني، ولاسيما الشيعي، في المجتمع وتزوير إرادة الشعب ومصادرة حقوقه ولاسيما حقوق المرأة وحريتها.
-
ربط العراق تبعياً بإيران وجعله مستعمرة فعلية تابعة للإمبراطورية الفارسية الثيوقراطية الجديدة، ووضع ثروة البلاد تحت تصرف المستعمر الجديد المتطلع للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وفي تنافس استعماري جديد مع الدولة العثمانية الجديدة، دولة اردوغان الإخوانية والقوى القومية العنصرية في تركيا.
إن الانتفاضة الشبابية والشعبية تمر في مرحلة عقدية لا بد من مساهمة القوى والأحزاب الديمقراطية في بلورة لاصطفاف القوى، بين قوى الشعب وبين القوى المدافعة عن الطغمة الحاكمة الفاسدة، ومنها من حاول ويحاول اللعب على حبال الانتفاضة كذباً وخداعاً ومراوغة مرة، وعلى حبال الطغمة الحاكمة مرة أخرى، مع منافسة الأخيرة للحصول على موقع الصدارة في حكم البلاد والسير على نفس نهج القوى الحاكمة التي يشارك معها حالياً. نحن أمام لعبة خطرة. وعلينا القيام بفرز واضح وجريء بين هذه القوى. ينبغي الفصل الواضح بين القيادات وبين القواعد هذه القوى، ففي القواعد قوى كادحة وعاطلة عن العمل وفقيرة ومهمشة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً والتي يفترض العمل من أجلها وجلبها إلى معسكر الانتفاضة والقوى الديمقراطية أولاً، والعمل على عزل تلك القيادات التي رقصت على حبال عدة ولكن عيونها كانت ولا تزال وستبقى مركزة على الوصول إلى السلطة من خلال المساومة مع القوى الحاكمة الحالية لقيادتها.
ولم يكن بعيدا عن الحقيقة ما أشار إليه مرتضى عبد الحميد في جريدة طريق الشعب بتاريخ 18/02/2020 حين كتب الكاتب السياسي تحت عنوان “لا دخان أبيض يلوح في الأفق” ما يلي:
“ويتوزع فرسان هذا المسار على المكونات الاجتماعية الثلاثة من دون استثناء بل ان بعضهم يتلون تلون الحرباء، متنقلا كما يفعل المهرج من موقف معين الى نقيضه دون احراج او حياء. والبعض الآخر تراه مغرماً بكل ما هو غريب ومشين في عالم السياسة، فيقوم بمحاولات بائسة شملت حتى استخدام القوة لإجبار المنتفضين البواسل على القبول بترشيح “علاوي“، والموافقة عليه وهو المرفوض منهم جهاراً نهاراً، رغم ان الرجل (علاوي) وبصرف النظر عن الدوافع كان قد “هدد بالتنحي عن منصبه اذا استمر قتل المليشيات للمتظاهرين، واستمرت موجة العنف التي خلفت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، وان هذا الوضع ليس مقبولا بالمرة، فالذين في الساحات هم أبناؤنا السلميون، ويستحقون منا كل تقدير واحترام، وواجبنا خدمتهم وسماع صوتهم، لا ان يتعرضوا الى القمع والتضييق” الامر الذي سيؤدي لا محالة الى استمرار حالة الاستعصاء وزيادة تعقيدها واعلاء راية المماطلة والتسويف مجدداً، في مراهنة على الوقت لم تثبت جدواها حتى الآن.” وعلى أهمية هذا القول فأنه ما يزال يأمل الكاتب بشيء ما من الحكومة التي يريد “علاوي” تقديمها!
من واجبنا الآن، وكما أرى، هو التحري عن سبل إعادة الوحدة أو الائتلاف بين القوى اللبرالية والمستقلة والديمقراطية واليسارية في العراق لضمان التخلص من تلك القوى القيادية التي تتلون كالحرباء، وهو وصف دقيق وسليم لها، وتحاول شق وتفتيت وحدة القوى المعارضة للنظام بهدف خدمة الطغمة الحاكمة وبأساليب ذكية وغبية في آن واحد، ولكنها تعبر عن دور خارجي يريد الهيمنة الكاملة على القرار العراقي.
لنبادر أيها الأحبة والأعزاء في معسكر قوى الشعب إلى التفكير العميق والجاد بأهمية وحدة القوى لدعم نضالنا المشترك في الانتفاضة الشبابية والشعبية، الذكورية والنسائية ولتحقيق النصر المؤزر بالرغم من الصعوبات والمخاطر الجدية التي تعترض طريق الشعب صوب تحقيق هدفي “نازل أخذ حقي وأريد وطن“.