[ مخاضاتٍ عسيرةٍ وسوءَ فهمٍ أعْسَرْ ]
مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية
الذي لا يُمكن فهمه وتمريره ، فضلاً عن تبريره مع أني ، كما أعتقد قد قلَّبته من جميع وجوهه ، هو دعوة الأحزاب والجماعات الإسلامية بشقَّيها السني والشيعي الى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، وذلك وفق نُسَخِهم التي يعتقدون بها ، وبحسب تنظيراتهم وتفسيراتهم التي لا تلتقي – برأيي – ، ووفقاً لمتابعتي الطويلة والدقيقة لهم ، ثم كما التجارب العملية الحاصلة في العديد من البلدان مع الشريعة الإسلامية ولا مع مقاصدها ، ولا مع غاياتها الإنسانية الأبعاد والمديات في نهاية المطاف . وهي كذلك لا تلتقي مع التطورات والمتغيرات والقيم السائدة في العالم ، في هذا العصر .
علاوة على ما ورد ، وهذا هو الأكثر غرابة إن كثيراً من هؤلاء أصرُّوا على إلتقاط عادات وتقاليد مجتمعية وضمها الى الشريعة الإسلامية إضافة وحشواً ، مثل خِتان الإناث وشرب بول البعير ونقاب المرأة ، وهم مدَّعون إنها من الأحكام الشرعية الأصيلة والثابتة ، أو التمسك ببعض الثانويات والقشور والظواهر ، مع ترك أو إهمال المقاصد والغايات والمعاني الأساسية التي مدار الشريعة تدور حولها ، وعليها تُعوَّلُ ، وهي أيضاً المقاصد التي تعنيها الشريعة بالتحديد .
هنا نحن أمام نُسَخٍ شتى ومختلفة الواحدة عن الأخرى حول دعاوى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وكل نسخة منها يدعي أصحابها ؛ إن نُسختهم للشريعة وتطبيقها في المجتمع ، هي الأصل والأصحُّ والأقْوَمُ والأصوبُ ، وهي الأشمل والأكمل ، وإنهم الفرقة الناجية . أما غيرها – كما يدعون – فهي على الخطإ والخَطَلِ والضلال المبين ، بل البعض منهم أصبح يُكفِّرُ الآخر المخالف لهم ! .
بحسب متابعتي لهم ، وكما أثبتت التجارب العملية لهم إن تنظيراتهم للشريعة قائمة على على المذهبية المتشددة ، وعلى الحزبية المتزمتة ومستندة عليها ، وعلى ضيق النظر والأفق ، وعلى عدم الأخذ بعين الإعتبار المتغيرات والتطورات الحاصلة في العالم من جميع النواحي ، مع الإهمال في شرطية جعل الأعراف السوية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية من شروط المصادر الإجتهادية لآستنباط الأحكام وفق الظروف المستجدة المعاصرة ومتغيراتها ، يقول القرآن الكريم في موضوع الأخذ بالعُرْف : { خُذِ العفو وأمر بالعُرْفِ وآعرض عن الجاهلين } الأعراف / 199 .
ليس الأخذ والإعتبار بالأعراف المحلية وحسب ، بل الإقليمية والعالمية أيضاً اذا ما كانت غير متناقضة مع أحكام الشريعة الإسلامية ، حيث الإعتبار بتلكم الأعراف كلها ثراءٌ حضاريٌّ وإنسانيٌّ للفقه الإسلامي ، بل هي أيضاً إضافات إيجابية شرعية لها ، لأننا كلنا نعيش في عالم واحد ، بخاصة في هذا العصر المتقدم في جميع المجالات العلمية والمواصلاتية ، بحيث أضحى العالم قرية صغيرة على صعيد سرعة الإتصالات . فمثلاً تُعتبر الجلدة وبَتْرُ يد السارق والقتل بالسيف والرجم حتى الموت والإعدام علانية وأمام الناس بالرافعات ، هي حالات لا تتفق والأعراف العالمية على صعيد المجتمع الدولى ، وعلى صعيد المجتمعات البشرية في نفس الوقت .
ندرجُ فيما يلي أبرز النُسَخُ المتعددة المطروحة للشريعة الإسلامية ، وهي :
1-/ نسخة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ( شيعية حكومية ) .
2-/ نسخة المملكة العربية السعودية ( وهابية سلفية حكومية / سنية )
3-/ نسخة الإخوان المسلمين ( حزبية سنية )
4-/ نسخة حزب التحرير ( حزبية سنية )
5-/ نسخة منظمة القاعدة ( حزبية سنية )
6-/ نسخة حركة طالبان ( حزبية سنية )
7-/ نسخة تنظيم داعش ( حزبية وهابية ) وغيرها . فكل هذه النُسَخِ تغلب عليها روح التشدد والتطرف والإستبداد من ناحية ، والإنتقام من ناحية ثانية ، وعدم إعتدالها والأنسنة من ناحية ثالثة ، والمغايرة القرآنية في موضوع عالمية الإسلام ، حيث هؤلاء خلطوا موضوع عالمية الإسلام مع أسلمة العالم التي لا تتفق وروح القرآن الكريم في الكثير من آياته الحكيمات المُحكمات البينات من ناحية رابعة ، وسادسة الأثافي عدم آعتبارهم وآعتقادهم بأن العدالة ، هي قيمة إنسانية مُجرَّدة عن الأديان والمذاهب والعقائد والألوان والأعراق والقوميات والألوان وغيرها من الإختلافات والإعتبارات ، حيث العدالة وفق القرآن تسمو فوق جميع الإختلافات الواردة وغير الواردة كالقرابة والخلافات والخصومات . إن الغرب قد تنبَّهَ الى هذه الإشكالية والمعضلة الهامة والخطيرة في مجتمعاته ، حيث إنه بآلية الديمقراطية ومبادئها تمكن من حلِّها بشكل جيد جداً ومنصف وحضاري وإنساني .
في هذا الشأن ينبغي الأخذ بعين الإعتبار توجُّس الأحزاب العلمانية والعلمانيين عموماً وعدد كثير من المسلمين وعدم التقليل من شأنه ، وذلك لمرارة التجارب للحكومات والأحزاب الإسلامية المعاصرة ، مثل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وحكومة عمر البشير في السودان وقبله جعفر النميري وحكومة طالبان الأفغانية ومنظمة القاعدة وما تناسل منها من تنظيمات متطرفة مرعبة متخلفة التي دمرت وأهلكت الحرث والنسل في الكثير من البلدان وماتزال . فهؤلاء كلهم أصبحوا عامل تشويه للشريعة الإسلامية ، وللديانة الإسلامية في العالم الى درجة قيل ويُقال بأن الشريعة لا تصلح للحكم والحكومة ، أو إن الآيات القرآنية لا تصلح أن تكون مصدرا للتشريع والحكم في البلدان إذن ، فهؤلاء لم يفشلوا فشلاً ذريعاً في تفسير الإسلام وتطبيق مفاهيمه وتعاليمه العادلة والإنسانية والحضارية الأبعاد تفسيراً وتطبيقاً عادلاً وإنسانياً وحضارياً وحسب ، بل إنهم أساؤوا كثيراً الى الإسلام والمسلمين أيضاً .
تأسيساً على ما ورد فقد ضجَّت الشعوب في ايران والسعودية وأفغانستان والعراق والسودان وغيرها من البلدان من حكم الحكومات الإسلامية التي تدعي تطبيق الشريعة الإسلامية ، وذلك لِمَا عليها تلكم الحكومات من إستبداد وتشدد وتطرف ديني ومذهبي في الحكم والحكومة والسياسة بآسم الإسلام وكتابه وشريعته وهي من حكمهم وحكوماتهم وآستبدادهم براءٌ ، كل البراءة . هذا بالإضافة الى مصادرة الحريات ومحاربة الإجتهاد والرأي الآخر والإبداع والفنون ، بل الأنكى إعتقال أصحابها والتنكيل بهم داخل المعتقلات المعتمة بأشد العذابات ، أو تصفيتهم داخل السجون ، أو إغتيالهم ، أو إعدامهم .
علاوة على ما جاء ينبغي الإشارة الى رؤية غالبية الإسلاميين وحركاتهم وأحزابهم السلبية الى الحضارة الغربية المعاصرة وما قدمته للبشرية من خدمات عظمى ، وعلى جميع الأصعدة . مع إن الإسلام ، أو شريعته هي مع أيَّ جهود بشرية ، أيَّاً كانت تبذل في سبيل بناء البلدان والمجتمعات ، وتنظيم شؤون وأمور المجتمعات ، وترتيب وتصريف مصالحهم العامة بعدل وآعتدال .
على هذا الأساس فالشريعة الإسلامية لا تبخس جهود الآخرين وإبداعاتهم ومهاراتهم وآجتهاداتهم في بناء بلدانهم ومجتمعاتهم وحسب ، بل هي تؤيدها وتؤيد في ذات الوقت وتدعو الى النهضة التي أشار اليها القرآن الكريم في عمارة الأرض لأجل إقامة حياة إنسانية آمنة مطمئنة وكريمة للمجتمعات الشبرية كلها .
لذلك يمكن القول بأن الغرب ، أو غيره يسعى ويكافح ويعمل بهدف تعمير وعمارة البلدان ، أو بهدف إقامة المجتمعات الآمنة والكريمة المقرونة بالرخاء وطلب العلم والمعرفة والثقافة ، هو تطبيق للشريعة ، حيث من أهم مقاصد الشريعة الأسمى ، هي الحفاظ على حياة الإنسان وحريته وكرامته ، والمحافظة على سلامة البيئة ، والعدل بين الناس ونشر السلام والإستقرار والوئام بينهم ، فكل ذلك وغيره مثله دعت اليها الشريعة الإسلامية ، حيث الى مثل ذلك على الإسلاميين وأحزابهم وتنظيماتهم وحكوماتهم التنافس فيها ، والإبداع فيها ، حيث شرع الله تعالى ورضاه سبحانه يمكن فيها .