لأهمية الخبر ولوجود علاقة لي نوعاً ما بالموضوع آثرت نشر هذا المقال قبل الاستمرار في نشر ترجمتنا وتحقيقنا لكتاب البروفسور جون جوزيف.
أعلن كوركيس صليوا بطريرك ما يُسمّى بالكنيسة الآشورية في العراق عن استقالته لأسباب صحية اعتباراً من 22 نيسان القادم، ودعا إلى مجمع كنسي في أربيل في 22-29 نيسان لاتخاذ الإجراءات المتعلقة بذلك، جاء ذلك في بيان نشره أسقف كاليفورنيا آوا روئيل أمين سر مجمع الكنيسة في 19/ شباط/ 2020م، ونود أن نبين خلفية هذه الكنيسة وتاريخها وبطريركها التي هي كنيسة عشائرية وحزب سياسي أقرب من كنيسة مسيحية، وكيف تستغل السياسة لأغراض دينية، نقول: تكلمنا كثيراً عن الكنيسة الآشورية وشقيقتها الكلدانية أنهما كنيسة سريانية نسطورية مركزها المدائن (سلمان باك) التي كانت عاصمة الفرس واعتنقت المذهب النسطوري وانفصلت عن أنطاكية السريانية سنة 497م تحت ضغط الفرس، وحديثا بعد أن انقسمت سنة 1553م اخترع لهم الغرب حديثاً اسمي الآشوريين والكلدان.
لقب رئيس هذه الكنيسة الحقيقي هو جاثليق وليس بطريرك، ومعنى جاثليق، كاثوليكوس (جاثليقوس) أي مطران عام وهو أقل من بطريرك لأنه كان يخضع لبطريرك أنطاكية (ملاحظة: لقب بطريرك الكلدان الحقيقي أيضاً هو جاثليق وليس بطريرك، وأذكر جيداً أن الشيخ جلال الحنفي كتب سنة 1989م في إحدى الصحف العراقية عندما انتخب روفائيل بيدوايد بطريركاً للكلدان قائلاً: إن لقب بطريرك الكلدان هو جاثليق وليس بطريرك، ويقول اشهر مؤرخ في العصر الحديث القس بطرس الكلداني: إن جثالقة المدائن لم يحوزوا قط على شرف أو لقب البطريرك بحق قانوني، لكنهم اختلسوا اسم البطريرك والبطريركية واستبدُّوا به، وكرسي المدائن كان متعلقاً دائماً ببطريرك أنطاكية ولم ينزع عنه الطاعة إلاَّ بعد أن اعتنق النسطرة، وكل الأمة السريانية بطوائفها (بمن فيهم الكلدان والآشوريين الحاليين الجدد)، كانت خاضعة لبطريرك أنطاكية (ذخيرة الأذهان في تواريخ المغاربة والمشارقة السريان، ج1 ص21، 28، 40، 52-55). ولا داعي لذكر شواهد كثيرة أخرى لأن بيان قرار استقالة البطريرك كوركيس نفسه أيضاً يرد اسمه الجاثليق البطريرك، ويقدِّم اسم الجاثليق الحقيقي الأصيل على لقب البطريرك الدخيل.
سنة 1318 اعتلى الكنيسة النسطورية الجاثليق (البطريرك) طيمثاوس وهو من أصول إسرائيلية من سبط نفتالي وهم يفتخرون بذلك، أعقبه ثلاثة من نفس العائلة، والرابع هو فرج الباصيدي +497م الذي قرر حصر البطريركية في عائلتهُ فقط استناداً إلى النظرة العبرية التي تؤمن بالرئاسة الدينية والدنيوية معاً مثل ملوك إسرائيل كداود وسليمان، وتماشياً مع التقليد اللاوي اليهودي أن يخلف الجاثليق أخاه أو ابن أخيه..إلخ، ونَصَّ القانون الثاني من قوانين الباصيدي بجعل البطريركية وراثية في عائلته استناداً إلى التوراة المحصورة في سبط اللآويين (سفر العدد 8 :11–19)، وأن يكون البكر أولاً (عدد 3: 12–13)، ونذر الأطفال من بطون أمهاتهم ليصحبوا أساقفة (1صموئيل 1: 11)..إلخ، كما أضيف لقب مار شمعون إلى اسم بطاركة عائلة أبونا، فطميثاوس هو شمعون الأول ثم الثاني فالثالث ثم شمعون الباصيدي الرابع، وهكذا إلى سنة 1973م.فشمعون يُسمَّى لقب أبوي، وشمعون هو بطرس الرسول مؤسس كرسي كنيسة أنطاكية السريانية التي كانت كنيسة المدائن تخضع لها.
لقد سَبَبَ نظام الوراثة في مشاكل كثيرة منها رسامة بطاركة أطفال لعدم توفر عدد كبير في عائلة بونا يقبل أن يصبح أسقفاً، وعلى أثر هذه المشاكل وبتشجيع من روما انفصل القسم الأكبر من النساطرة واعتنقوا الكثلكة، وسمتهم روما كلداناً، واستمر القسم النسطوري يترأسه بطريرك من عائلة أبونا إلى سنة 1973م، وآخر بطريرك هو إيشاي داود الذي استقال سنة 1973م واغتيل سنة 1975م لأنه تزوج من خادمته سراً ثم كشف أمره فأعلن ذلك واستقال.
كان إيشاي وهو شمعون 21، قد نزح من هكاري في تركيا إبان الحرب الأولى، ورُسم سنة 1920م وعمره 12 سنة حيث قُتل عمه البطريرك شمعون 19بنيامين سنة 1918 على يد الأغا الكردي سامكو، وتوفي عمه الآخر البطريك شمعون 20 بولص سنة 1920م في مخيم بعقوبة.
أدناه صورة البطريرك ايشاي عند رسامته وهو بعمر 12 و 14 سنة ومع عائلته
https://h.top4top.io/p_1511xgmnx1.png
ذهب ايشاي إلى بريطانيا التي احتضنته، ثم عاد وقام بالتمرد على الحكومة العراقية سنة 1933م بما يُسمى مشكلة سميل، فسحبت منه الحكومة العراقية الجنسية لأنه ليس عراقي أصيل وقدم قبل سنة 1918م، ونفته مع عمته سورما خان التي كانت وصية عليه واثنان آخران، وذهب أول الأمر إلى فلسطين لأنه من أصل إسرائيلي لكن اليهود لم يستقبلوه لانهم لم يكونوا أقوياء حينها من جهة، ولأن اليهود يعتبرون النسساطرة يهوداً مرتدين من جهة أخرى، فسافر واستقر في شيكاغو /أمريكا، وأيشاي هذا هو مار شمعون الذي ذكره عبد السلام عارف في خطابه الأول في 14/ تموز 1958م.
منذ سنة 1964م دخل إيشاي في مشكلة التقويم حيث قرر بعدها الاحتفال بعيد الميلاد حسب التقويم الغربي في 25/ كانون الأول، بدل التقويم الشرقي في 7 كانون الثاني، فانشقت الكنيسة سنة 1968، وعيَّن القسم الذي بقي يحتفل في 7 كانون ثاني المطران درمو بطريركاً ومقره بغداد، وتوفي سنة 1971م فخلفه البطريرك أدي الثاني الذي لا يزال يترأس الكنيسة التي سمَّاها (الجاثليقية القديمة)، وهو يرفض بشدة تسميتها آشورية، والطريف أن قسم 25 سمَّى قسم 7 (كنيسة سفن آب)، وبدورهم سمَّى أتباع كنيسة 7، كنيسة 25 (كنيسة لحم بعجين).
سنة 1970م دعت الحكومة العراقية إيشاي لزيارة العراق وأعادت له الجنسية العراقية ووعدته بتعويض وإعادة ممتلكات كنيسته ومنها التي أخذها القسم الذي انشق سنة 1968، فوعد الحكومة العراقية أنه يحتاج وقت لترتيب الأمور والعودة، وعاد إلى أمريكا مصطحباً معه فتاة بعمر 24 سنة من عائلة فقيرة لتخدمه وهي السيدة (إمامة ابنة الشماس الإنجيلي شمشون شمعون)، ثم أقام البطريرك علاقة جسدية سرية معها أدت لحملها سنة 1973م، وخوفاً من الفضيحة أرسل إلى أحد كهنته ليزوجه، تفاجأ الكاهن ورفض باكياً، لكن البطريرك أصر على زواجه، فعقد لهما الكاهن الزواج، وفي اليوم التالي 18/8/1973م، أعلن استقالته، ثم قام أحد أتباعه وهو داود ملك ياقو ملك إسماعيل بقتله في 6 تشرين الثاني سنة 1975م في مدينة سان هوزي (توفي داود قبل أشهر قليلة) وعندما توفي كان له طفل وكانت زوجته إمامة حامل 6 أشهر بطفل ثان، ويحاول بعض الآشوريون القول الأحواب الآشورية المتشددة في أستراليا اغتالته لأنه لم يساند المسالة الآشورية بقوة ولم يطلق تسمية آشور على الكنيسة..إلخ، لكن المعروف أن اغتياله هو بسب كسر نذره وزواجه.
خلف إيشاي مطران إيران دنحا الرابع وهو أول بطريرك خارج عائلة أبونا بعد خوالي 700 سنة وأبطل لقب شمعون، والبطريرك دنحا من قرية دربندوكي قرب ديانا التي كان قربها قنصلية للإنكليز تلعب دوراً سياسياً، وقد طلب العراق من إنكلترا أكثر من مرة غلقها لأنها تساند الآشوريين وتزودهم بالسلاح وتساعد على خلق مشاكل للعراق، وكان دنحا صديقاً حميماً للإنكليز (لن استعمل تعابير سياسية)، ونُصِّبَ بطريركاً في 17 تشرين أول 1976م في اجتماع صغير من حوالي خمسة أساقفة اثنان منهما مشكوك فيهما وسبَّبا إحراجاً له، وهما كلالولوديو وجوفاني، وهما روس أرثوذكس انضما إلى الكثلكة، ثم عزلتهما كنيسة روما، فانضما إلى كنيسة المشرق في عهد البطريرك أيشاي، وعقد الاجتماع في إنكلترا في دير ألتون أبي في هامبشير قرب لندن وعند تنصيبه أُطلق على كنيسته تسمية الآشورية لأول مرة في التاريخ، وبدل أن يأتي للعراق ذهب إلى شيكاغو مقر سلفه أيشاي، وهذه صورة دير ألتون أبي في هامبشير قرب لندن.
https://i.top4top.io/p_15117hd3j2.jpg
بعدها شعر البطريرك دنحا بالندم بإطلاق التسمية الآشورية على كنيسته، وفي فصل بعنوان (هوية كنيسة المشرق) ص323-324 لكتاب البروفسور كرستوف باومر (كنيسة المشرق)، الذي باركه البطريرك نفسه في 9 كانون أول 2004م، وأجاب البطريرك على سؤال المؤلف: إن مبشري كنيستهُ في ماضيها المجيد هم السريان الشرقيين، ولغة كنيسته هي السريانية، ويعد هذا البطريرك رجل سياسة بامتياز ولا علاقة له بالدين سوى المظهر، ولم يزر العراق في أقسى المحن خاصة عندما هُجر المسيحيين من الموصل وضواحيها، بينما كان يقوم بزيارة نصب للآشوريين في روسيا والقوقاز (يُقال أن أصله من يهود إيران أو القوقاز)، وبتاريخ 21/8/2014م، وجّهتُ أنا له رسالة له، عبر المواقع قائلاً: إن الأسباب التي دعت سلفك إيشاي للعيش في أمريكا قد زالت، وأنت تدَّعي أنك بطريرك كنيسة آشورية، فماذا تفعل في شيكاغو، ولماذا لا تنقل مقرك إلى مكانه التاريخي والجغرافي الصحيح في العراق، خاصة أنك أول من أقرنَ اسم الآشورية بالكنيسة عندما أصبحتَ بطريركاً، فهل شيكاغو هي أرض آشور التقليدية أم شمال العراق حيث توجد رعيتك؟
توفي البطريرك دنحا في 26 آذار 2015م في شيكاغو، وبعد وفاته أراد الطرفان الوحدة بشرط تنحي بطريرك قسم المنشقين سنة 1968م، أدي الثاني، وانتخاب بطريرك جديد، لكن أدي رفض معتبراً نفسه البطريرك الشرعي، كما أكد أنه في حالة الوحدة يجب إلغاء اسم الآشورية من الكنيسة، فألغيت محادثات الوحدة.
كانت طموحات المطارنة خارج العراق لمنصب البطريرك بدل دنحا على أن يبقى مركزه كبطريرك في نفس أبرشيتهُ خارج العراق، وحلاً للإشكال ودفعاً للحرج، اختار المطارنة في مجمعهم في أربيل صيغة ملتوية، فانتخبوا مطران بغداد كوركيس صليوا الحالي ليقولوا إن بطريركنا في العراق، لكنهم لم يتخذوا قراراً مجمعياً بنقل مقر البطريركية إلى العراق، أي مستقبلاً في حال قدوم بطريرك آخر، ليس بالضرورة أن يبقى في العراق، وهذا البطريرك كوركيس تم انتخابه دفعاً للإحراج لأنه إنسان بسيط جداً، وحدثني أحد الأساقفة الحاضرين معه مع رئيس الوزراء حيدر العبادي إنه نادى رئيس الوزراء بسيادة المحافظ إلى أن ابلغه أحدهم أنه رئيس وزراء.
فهل سيتخذ المجمع القادم قراراً بنقل مقر الكنيسة الآشورية لا نقول إلى الشرقاط أو الموصل أو أربيل تحديداً وليس بغداد (ملاحظة أربيل في بعض المصادر التاريخية القديمة يرد أسمها آشور)، بل على الأقل يجب أن يكون مقر الكنيسة في العراق أو بغداد، أم ستعاد الكرة مرة ثانية لانتخاب مطران موجود في العراق أصلاً وليس مطران من خارج العراق يترك أبرشيته خاصة من أستراليا أو أوربا أو أمريكا ويأتي إلى العراق الذي يبلغ عدد المنتمين للكنيسة الآشورية فيه العراق حوالي 8000 شخص فقط (الله أعلم).
وشكراً/ موفق نيسكو