الجمعة, نوفمبر 29, 2024
Homeمقالاتآفاق  الوجه التراجيدي للفقر ودونه في العراق : مصطفى محمد غريب

آفاق  الوجه التراجيدي للفقر ودونه في العراق : مصطفى محمد غريب

منذ القدم بقى الفقر إخطبوط يدمر طاقات البشر وتقدمهم ويسحقهم تحت طائلة الحاجات الطبيعية جداً من سكن وغذاء ودواء وملبس، وتطورت الحاجات متزامنة مع التطور والتقدم ليصبح آفة تحتاج إلى برنامج سياسي واقتصادي شامل، ولم تستطع جميع التشكيلات الاقتصادية الاستبدادية والاستغلالية منذ العبودية وحتى الرأسمالية أن تجد الحلول الجذرية للتخلص منه نهائياً، ففي جوهر هذه التشكيلات يكمن الاستغلال وسرقة قوة الآخرين من اجل مصالح طبقية ضيقة، وتتسع رقعة الفقر وما دونه كلما اشتد الصراع من اجل النهب العام وهو يكمن في توجهات الأنظمة السياسية الدكتاتورية أو الدينية السياسية فخداع الجماهير الكادحة بالغيبيات تحت طائلة الحجج الوهمية والتخدير المبرمج والوعد بالخير الغيبي ينطبق على شعارات وأمثلة ومقولات في مقدمتها وليس جميعها ” لا تفكر لها مدبر، والقناعة كنز لا يفنى ، والقدريات، والمكتوب على الجبين لا بد أن تراه العين…الخ ” وجميعها تتساوى مع المخدرات التي تغيب الوعي وتقود البشر بشكل عدمي كي يكبحوا جماح الملايين ويعطلوا عمليات التغيير والثورات الاجتماعية العفوية والمنظمة ، ويكاد الفقر وتردي أوضاع الجماهير الكادحة سبباً رئيسياً لخروج الملايين إلى الشارع ورفضهم للواقع المزري المتعفن والمطالبة بالتغيير والتخلص من الطغم الحاكمة باسم الدين أو القومية وخداعاً باسم الوطنية وأحيانا باسم العدالة والإصلاح ولدينا حزمة من الأمثلة الواقعية لكننا نكتفي بالمثال العراقي الحالي وكيف رفضت الجماهير الواقع المزري برمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية …الخ     

أن الذي يتابع ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية وغيرها سيجد أن الواقع الحالي لا يعد نشازاً بل سيجدها في قمة مأساتها نتيجة طبيعية وغير قيصرية لولادة هذا المولود المعوق الذي يدمر البلاد والعباد ويحتاج إلى العديد من العمليات الجراحية الإصلاحية للعودة إلى ما يسمى بناء الدولة الحديثة في العراق ،ولا يمكن أن تكون العملية على خلاف ما هو راهن ، وسيجد هذه التراجيديات  ” الفقر ودونه ”  دليل على أن السيئ يخلق دائماً الأسوأ منه، فلا الوضع السياسي كان وما زال طبيعي، وأصبح في حالة من الازدواجية الطائفية الدينية والمدنية المشوهة، وفي الاجتماعي أدت التغيرات المتراكمة نحو الانحدار إلى الأسفل بانتشار الأوبئة الاجتماعية بجميع مفاصلها الأخلاقية والتربوية والتقليدية، بينما شُل الاقتصاد الوطني تقريباً برمته ليجد نفسه أحادي الجانب يعتمد على الريعية بدلاً من الفروع الأخرى التي تشمل القطاع الخاص والزراعي والمختلط، وأصبحت الحالة المعيشية المزرية سيدة الموقف في ترتيب وضع العراق ليصبح في أسفل قائمة الدول الفقيرة وهو الغني بموارده البشرية والطبيعية، كما تشوهت التربية الثقافية الأكاديمية والشعبية وانحطت المفاهيم التي صيغت في أكثرية المؤسسات الدينية والثقافية  على أسس حضارية وبخاصة النظرة الأحادية في المفاهيم الطائفية والقومية الضيقة لينحسر مفهوم الثقافة الوطنية وهو مطارد من قبل القوى الظلامية التي مازالت تحمل آلات القتل والتدمير والاغتيال ومحاربة كلما هو جميل وحيوي وحضاري تنويري، وإذا ما أردنا التحدث عن الأوضاع الأمنية ففي الجعبة الكثير مما يمل سامعيه والمتابعين، وأصبح  يتكرر في كل حدب وصوب، ومتنوع ما بين الإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة وبخاصة التابعة لدول معروفة حيث أصبحت هذه الميليشيات الطائفية تمثل عمق الدولة العراقية وحكوماتها المتتابعة ولها الدور الأهم في تشكيل الحكومات أو حتى رسم السياسة الرسمية التي تحاول إيجاد بدائل للحالة الراهنة،  أما التفكير بحلها أو الخلاص منها فهو يعد أسطورة من الأساطير لأنها تهدد حتى بحرب أهلية طائفية شاملة تقضي بأحسن الأحوال على العراق كدولة ووطن.

إن مصيدة الفقر وما دون الفقر أصبح محط تدقيق وبحث من قبل القوى الوطنية والشريفة الذي يقع على عاتقها النشر والإعلان وفضح الأيدي التي ساهمت وتساهم في زيادة الفقر والأيدي التي لا تشعر بالمسؤولية

 1 ـــ  لا الإنسانية لأنها تضع حياة الملايين من المواطنين أطفال وشيوخ ونساء ورجال في خطر دائم معرض للموت من الجوع أو الاويئة والأمراض التي تنتشر بالسبب المذكور

2 ـــ ولا  الوطنية  لان ذلك يمنعهم من التبعية لدول أخرى وفئات غير عراقية وتبقى قراراتهم وانتماءاتهم ملومة وطنياً

وهؤلاء الذين لا يشعرون بالمسؤولية الإنسانية أو الوطنية كمجموعات وأفراد يقرون بالأسوأ وليس السيئ فحسب،  فالداء ” الفقر ” ممتد من الشمال وحتى الجنوب لا  بل في جميع أنحاء العراق مع الفارق في الإقليم،  كواقع صادم لأي إصلاح أو تغيير قادم، كما تقوم بين حين وآخر المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والحيادية بالكشف عن هذه الظاهرة الخطرة التي زاد من حدتها وتوسعها مئات الآلاف من النازحين والهاربين من الحروب ونتيجة السياسة الطائفية، وفي تقرير قدمته هيلين سالون المراسلة لصحيفة لومند الفرنسية في العراق ذكرت فيه المأساة والأحوال الكارثية والفقر لسكان المخيمات للنازحين وكذلك لحركة العصيان المدني التي من أسبابها الرئيسية البطالة والفقر ودون الفقر وقالت المراسلة ” إن حركة العصيان المدني التي أغلقت المؤسسات التعليمية والإدارات ما زالت متواصلة، وقد بنى المحتجون ملاجئ من الطوب بدلا من الخيم التي أحرقت نهاية الشهر الماضي، مزينة بلوحات جدارية وضعت عليها صور شهداء” المدينة جراء الاحتجاجات الأخيرة البالغ عددهم 170.” وقد سجل رسمياً أن الرقم الحقيقي للشهداء  حوالي ( 600 ) شهيد وقد يكون الرقم نسبي بالنسبة للعام وأكدت المراسلة ” وفي ساحة الحبوبي (مركز احتجاجات الناصرية)، يحضر الطلاب يوميا تقريبا ليدعموا الشباب الآخرين العاطلين عن العمل”..

ونحن نسأل أمام محنة الشعب العراقي

 ــــ كيف يتصور العقل الإنساني أكثر من ( 600 شهيد ) وأكثر من ( 25 ألف ) جريح ومصاب والأعداد ترتفع وغير القليلة من المعتقلين والذين تم اغتيالهم بينما الضمير العام ساكت تقريباً؟!.. كأن شيئاً لم يحصل ومجرد أرقام عادية إلا من بعض الاحتجاجات التي لا تزيد على أصابع اليد.

ــــ  كيف يفسر هذا الصمت المبهم بينما كان من الواجب الاممي والحضاري القيام باحتجاجات ومظاهرات واسعة والضغط على الحكومة العراقية وبالضد من الميلشيات الطائفية المدعومة من الخارج التي تقوم بالاغتيالات والخطف والاعتقال والتعذيب والتهديد والتجاوز على حرمة المحتجات من النساء بما فيها استشهادهن وغيرها؟!

إن العودة لمأساة الفقر ونتائجه الملموسة وأسبابها التي شكلت حالة  الظاهرة ودونها حيث أصبحت على كل لسان، وتناولتها العديد من وسائل الإعلام وقدمت أبحاث ودراسات ملموسة للتحذير من مخاطرها وتوسعها ، ظاهرة لا يتحمل مسؤوليتها إلا الحكومات والأحزاب والتنظيمات صاحبة القرار، ولهذا هناك ضرورة فضح القائمين على قيادة البلاد والمتحكمين الأساسيين أصحاب القرار الذين يتحملون مسؤولية قيادة البلاد وتقع على عاتقهم كما هو مطلوب تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والسعي من اجل رفاهية الشعب من خلال القضاء على البطالة وإيجاد فرص عمل والتحلي بروحية المواطنة وعدم التمييز  والمساواة  بين المكونات، وأشارت وزارة التخطيط  حول معدلات الفقر في العراق على أرقام تبين حجم المأساة والحالة المزرية لملايين العراقيين كما ذكرت نسبة الفقر في أكثرية المحافظات العراقية كما ذكرت بعض التراجعات النسبية لكن هذه النسب بقت مرتفعة إذا ما قيست بالعراق الغني، وذكر المتحدث الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في بيان صحفي أن “وزارة التخطيط نفذت مسحا في نهاية عام 2018 اظهر تراجع نسبة الفقر إلى (20%) بعد أن سجل (22.5%) عام 2014 “، مبينا أن “هذه النسب تباينت بين المحافظات، بحسب النشاط الاقتصادي والحركة التنموية فيها، فهناك بعض المحافظات انخفضت فيها نسبة الفقر، وأخرى ارتفعت وبعضها حافظت على ذات المستوى”.وقد ذكرت المحافظات التي مازالت نسب الفقر مرتفعة وتشكل عائقاً للبناء والتطور ومنها محافظة المثنى وتشير وزارة التخطيط بعد خفض نسبة الفقر”من 23% عام 2010 إلى 15% بنهاية عام 2013 ” لكن الأزمة التي حدثت وبخاصة عام 2014 ارتفعت النسبة من جديد إلى  ”  22.5%” وبشكل عام فان الأزمات المتكررة في جميع مفاصل الدولة أدت إلى زيادة الفقر بين الطبقات الشعبية الكادحة وانحدرت  الكثير من العائلات إلى دون الفقر مما أدى إلى أضرار صحية واجتماعية جمة في حياة ملايين الفقراء والعاطلين عن العمل.

لا يمكن لا بل من المستحيل إعادة البناء أو بناء دولة فيها نسب الفقر ودون الفقر  مرتفعة بشكل مثل العراق إلا اللهم وجود حكومة وطنية  مدعومة من قبل أكثرية الشعب والقوى الوطنية والديمقراطية أول عمل تقوم فيه إلغاء نظام المحاصصة والقضاء على الفساد وان تتحرر من تأثيرات الميليشيات الطائفية المسلحة وإنهاء التبعية من أي نوع أو جهة مهما كانت الأسباب.

إن العراق يعيش المأساة بجميع إشكالها هو معرض فعلياً إلى أخطار جمة قد تؤدي إلى التدمير الشامل وضياع حدود المواطنة ثم التقسيم إذا ما نشبت حرب أهلية واسعة وتستغل للتدخلات الخارجية المتربصة أو حتى التي لها تأثيرات واسعة على الميليشيات الطائفية المسلحة التي قامت هذه الدول بتشكيلها ومدها ومازالت تمدها بالمال والسلاح وأحيانا بالمقاتلين والجنرالات والقادة في أنظمتها ومؤسساتها الأمنية، فالدعم اللوجستي من قبل البعض أوصل العراق إلى هذه الوضعية الخطرة، فيجب أن يكف ويرفض التأثير في تشكيل الحكومة القادمة وان تبدل لغة التحاصص بلغة المواطنة فليس بالضرورة أن يكون فلاناً من الفئة  الفلانية رئيسا للدولة أو رئيساً للوزراء أو رئيساً للبرلمان أو وزيرا ومسؤولاً بل لتكن المفاضلة في الإخلاص والوطنية العراقية وديدن لبناء الدولة العراقية الاتحادية. أما أن تبقى الأمور على حالها وتجرب فيها حلول ”  مهلهلة ” فلن يصلح العراق وستبقى المعاناة الحالية بجميع مفاصلها لا بل سوف تشتد حتى يخسر الجميع بدون استثناءات أو فروق ولن ينفع الندم واللطم والقامات على الرؤوس فالجميع سيعض أصابعه؟

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular