لقد مرت أربعون يومًا منذ الرحلة الدموية وكارثة مقتل 176 إنسان بريء جراء تحطم الطائرة المدنية الأوكراينة بواسطة قاذفة صواريخ قوات حرس نظام الملالي. وصدم خبر هذه الكارثة المؤلمة التي حدثت بعد منتصف الليل بفترة قليلة بتوقيت طهران في 8 يناير 2020، العالم وتصدرت عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من مرور أربعين يومًا على هذه المأساة المروعة ، لم تسفر متابعات أسر الضحايا وأقاربهم والهيئات الحكومية المعنية في بلدان الضحايا عن شيء، وما زال نظام الملالي الفاشي الحاكم في إيران مستمرًا في المماطلة ويرفض الرد على هذه القضية الجنائية.
وتزامنًا مع إقامة مراسم تأبين الضحايا في كندا وإيران، عقد مؤتمر ميونيخ الأمني، وحضره ظريف، وزير خارجية الديكتاتورية الدينية في إيران، وفي رده على أسئلة الصحفيين حول سبب عدم تسليم الصندوق الأسود للطائرة الأوكرانية؛ رد بوقاحة قائلًا: إن إيران غير قادرة على فك تشفير معلومات الصناديق السوداء للطائرات الأوكرانية ولكنها لن تسلم الصندوق الأسود للحكومات الأجنبية.
كما أن نظام الملالي الخبيث طالب في وقت سابق البلدان التي لديها تكنولوجيا استخراج معلومات الصندوق الأسود بتقديمها لإيران.
هذا ويدرك النظام الفاشي في إيران جيدًا أن فك تشفير الصندوق الأسود لهذه الطائرة سيكشف الحقائق التي يتستر عليها حتى الآن تحت مبررات وأعذار مختلفة. خاصة وأن جميع عناصر حكومة الملالي كانوا يدعون في الأيام الثلاثة الأولى من هذه الكارثة أن الطائرة تحطمت بسبب عطل فني.
وقد أثير العديد من الأسئلة في المقالات السابقة حول هذه الكارثة المؤلمة؛ من بينها السؤال عن سبب عدم تسليم نظام الملالي الصندوق الأسود لبلد محايد، على الرغم من أن القانون الدولي ينص على ذلك. وما هي الأسرار التي يخفيها هذا الصندوق الأسود ويخشى خامنئي وعناصر نظامه بشدة من الكشف عنها؟
ولماذا سُمح للطائرات المدنية بالقيام برحلاتها، على الرغم من حالة الحرب، بسبب هجوم قوات حرس نظام الملالي بالصواريخ على القواعد الأمريكية في أربيل وعين الأسد في العراق؟
ويعتقد خبراء العمل في برج المراقبة وشؤون الطيران أنه كان من الممكن تجنب وقوع هذه الكارثة، إذ كان من الضروري منع الطيران بسبب ظروف الحرب.
واتضح سوء النية الإجرامي لنظام الملالي في هذه الكارثة بشكل أكثر وضوحًا عندما قام عناصر هذا النظام الفاشي مباشرة بتطهير منطقة سقوط الطائرة بالجرافة من أجل القضاء على آثار الجريمة، على الرغم من أنه كان يجب على نظام الملالي أن يقوم بتشكيل لجنة متخصصة مشتركة من ثلاثة بلدان هي البلد التي سقطت فيه الطائرة والبلد المصنع والبلد المالك قبل اتخاذ أي إجراء، وفقًا للقواعد المنصوص عليها في اتفاقية رحلات الطيران المدني والحوادث المتعلقة به. وبعد إجراء التحقيقات اللازمة وتحديد سبب التحطم يتم اتخاذ إجراءات لاحقة.
ويشير الإسراع في تطهير موقع تحطم الطائرة وجميع الأدلة الأخرى إلى أن إطلاق الصاروخين على الطائرة المدنية الأوكرانية جاء من منصة صواريخ قوات حرس نظام الملالي عن عمد وسوء نية مع سبق الإصرار والترصد.
ويفيد تقرير وكالة “رويترز” للأنباء بتاريخ 9 فبراير(أي بعد شهر من ارتكاب هذه الجريمة) أن المحامين الكنديين رفعوا دعوى قضائية ضد خامنئي وقوات حرس نظام الملالي نيابة عن ضحايا الطائرة المدنية الأوكرانية. يضعون خامنئي و قوات حرس نظام الملالي وزعماء هذا النظام الآخرين، في هذه الدعوى على كرسي المتهمين.
ويفيد هذا التقرير أن المحامين الذين قدموا هذه الدعوى يطالبون بفرض غرامة مالية على نظام الملالي كتعويض لا تقل عن 1,5 مليار دولار كندي (أي ما يعادل 1,1 مليار دولار أمريكي). وورد في دعوى المحامين الكنديين أن تحطم الطائرة عملًا إرهابيًا متعمدًا مع سبق الإصرار والترصد.
وتشير المعايير القانونية والقضائية إلى أن هذه الدعوى صحيحة تمامًا، وأن خامنئي وقوات حرس نظام الملالي هم المتهمون الرئيسيون في هذه القضية من منطلق أن خامنئي هو القائد العام للقوات ويقود كافة القوات العسكرية والشرطية ومن بينها قوات حرس نظام الملالي، وأن قوات حرس نظام الملالي هي التي ارتكبت هذه الجريمة على أرض الواقع وحطمت الطائرة. والجدير بالذكر أن المحكمة الكندية تتمتع بالأهلية في التحقيق وإصدار الحكم في هذه القضية والاتهامات وتحديد التعويضات المطلوبة.
ولكن هناك ملاحظة في هذا الصدد ناشئة عن تجربة مريرة مع حكم الاستبداد الديني في إيران على مدى 41 عامًا. تجربة تؤكد عدم التزام نظام الملالي بالقواعد والقوانين والمعاهدات الدولية. ومن منطلق طبيعة هذا النظام الفاشي القروسطية، فإنه لا يفهم سوى لغة القوة. ولهذا وبناءً علىى تجربة الشعب الإيراني في انتفاضة يناير 2020 التي اجتاحت جميع أرجاء البلاد، ومن أسبابها الاحتجاج على تحطم الطائرة المدنية الأوكرانية، قال المواطنون الإيرانيون الشرفاء كلمتهم الأخيرة رافعين شعاراتهم يطالبون فيها بالإطاحة بنظام الحكم القروسطي. كما قام الشبان الواعون في الجامعات والمراكز التعليمية في طهران بمناسبة ذكرى الأربعين لضحايا الطائرة المدنية الأوكرانية في 16 فبراير بتحويل الانتخابات المزورة التي تم هندسة نتائجها مسبقًا إلى فرصة للتعبير عن مطالبهم والإطاحة بهذه الحكومة المناهضة للبشرية مرددين هتاف ” لا للصندوق ، لا للتصويت ، قاطعوا الانتخابات“.
وفي عشية يوم الأربعين لضحايا الطائرة المدنية الأوكرانية، كثفت رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي من اعتراضها على العبث الديني ودعت لضرورة محاكمة خامنئي وروحاني وقادة قوات حرس نظام الملالي في المحكمة الدولية معربةً عن تعاطفها الكبير مع الضحايا وأسرهم.
وأضافت السيدة رجوي: يتعين على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يحاسب قادة نظام الملالي بسبب قتل منتفضي نوفمبر وضحايا الطائرة الأوكرانية.
نظام مير محمدي
الكاتب الحقوقي والخبير في الشأن الإيراني