المواجهة المفتوحة بين الشعب ومنظومة السلطة تحتمل مختلف السيناريوهات للوصول الى الأهداف المنشودة، بعد خنادق الدم التي حفرتها السلطات بالرصاص الحي وقنابل الغازوالكواتم والاسلحة البيضاء، وصولاً الى بنادق صيد الحيوانات، ناهيك عن أنشطة الرعب الساندة والرديفة، المتمثلة بالتهديد والاختطاف والتغييب والتعذيب، التي تصاعدت وتائرها منذ انطلاق الاحتجاجات في الاول من تشرين أول الماضي، ضد الناشطين في سوح الاعتصام في العاصمة والمحافظات .
ان موازين القوة تميل منذ اليوم الأول لصالح المنتفضين الذين اختاروا السلمية سلاحاً وحيداً وموحداً لهم في معركتهم المقدسة ضد الفساد والفاسدين، فيما أختار الطرف الآخر القوة الغاشمة لكسرالاصراروالعزيمة والحماسة للجموع الغفيرة المطالبة بحقوقها الدستورية والقانونية المهدورة منذ سقوط الدكتاتورية، لصالح مافيات الفساد المسيطرة على مؤسسات الدولة، المقسمة بين أحزاب السلطة وفق منهج الطائفية البغيضة التي دمرت العراق .
لقد استنفذت السلطات أسلحتها المتاحة في محاولاتها لانهاء الانتفاضة، والتي أودت بحياة المئات من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى، من بينهم الآلاف من المصابين بعاهات دائمية مختلفة، ولم يعد أمامها سوى البحث عن اساليب وأدوات مبتكرة وغيرمعتادة للخلاص من كابوس السقوط ومواجهة المصير، الذي تفرضه الاستحقاقات الدستورية والقانونية المترتبة على الكم الهائل من المخالفات والجرائم بحق المتظاهرين السلميين، وبحق الشعب العراقي الذي قدم قوافل من الشهداء والجرحى والمفقودين والايتام والارامل والمرضى والعاطلين، اضافة الى نهب الثروات الهائلة للبلاد طوال السنوات الماضية .
لابد من التنبيه الآن الى خطورة الأوضاع التي تمربها المنطقة والعالم في مواجهة (فايروس كورونا)، خاصة بعد الاعلان عن ظهور اصابات للمرض في مدن ايرانية، وقد رافق ذلك ضعف اهتمام واحترازمن جانب السلطات العراقية المختصة، سواءاً في المطارات والمنافذ الحدودية مع ايران أو على المستوى العام ، وكاننا أمام حالة ترقب لاعلان اصابات للفايروس في العراق، يحتمل التلاعب بمستوياتها الحقيقية ومناطق حدوثها، لاغراض تخدم السلطات في مواجهتها للانتفاضة، ليكون الفايروس هو المنقذ للفاسدين من قصاص الشعب والقانون، تحت ذريعة مواجهة كورونا تتطلب فض الاعتصامات باعتبارها مواقع زحام بشري يساعد على انتشار الاصابات .
لقد أزاحت انتفاضة تشرين الغبش والغبارعن المشهد الحقيقي للوطنية العراقية المتجذرة في ضميرشعبنا العراقي العظيم، وأعادت لأذهان المراقبين والمحللين والسياسيين، ولشعوب الجوار والمنطقة والعالم، التأريخ الوطني المشرف للعراقيين الأصلاء، وأكدت براءتهم من مجاميع الخونة والانتهازيين وسماسرة السياسة والذيول وعموم الفاسدين، وهو انجازكبير وعميق الدلالات والمؤشرات على قدرة شعبنا على مواجهة الصعاب وعبورها نحو مستقبل يليق بتضحياته ومستقبل اجياله، واذا استخدم فايروس (كورونا) بخبث سياسي من قبل الفاسدين، سيكون (الطرف الرابع)، لكنه لن ينقذ الفاسدين من مصيرهم المحتوم ..
علي فهد ياسين