عند تجوالي في مخيمات النازحين من أهلنا في شنكال، سألت عن عنوان إحدى الناجيات، ثم التقيت بها ورأيتها في حالة نفسية صعبة جداً فلم أطلب منها التحدث عن رحلتها المأساوية عندما كانت مختطفة عند الدواعش بل حاولت أن أقلل من بعض همومها… وسألتها لما كل هذه الهموم يا أختاه ؟ فردت الناجية (س. م) قائلةً:
ألقي القبض علينا في اليوم الأول من الكارثة والآن عائلتنا بالكامل لدى الدواعش ونجوت وحدي فيما بعد. والآن أنا بانتظار الجميع؛ ولكن يبدو أن الشمس لا تود أن تشرق وهي في غيبوبة.
سألتها عن أسباب بؤسها ومعاناتها.
فردت قائلةً: هناك مجموعة من المناظر لا تغيب عن مخيلتي، ومنها:
ساعة إلقاء القبض علينا.
وجوه العائلة.
أطفالنا الصغار حينما كنت أحملهم إلى صدري.
إخوتي وشقيقاتي كانوا طلاب علم واتخيلهم يعودون من المدرسة وهم حاملو حقيبة الكتب.
والدي الذي علمني الحياة بكل تفاصيلها وعلمني معنى الشرف، وقد فقدت كل شيء… ومناظر أخرى رأيتها لدى الدواعش.
صرخات الفتيات عندما تمَّ اقتيادهن وبيعهن إلى الطغاة.
تجوال المشترين داخل قاعات الفتيات، ويتم اختيارهن كما في سوق الغنم.
القتلة والذباحون الذين كانوا يدعون بأنهم أهل الله، ونحن الإيزيدية كفرة.
فتاة إيزيدية حافظت على شرفها وتغتصب رغماً عنها دون ذنب يذكر.
ألا تكفي هذه المناظر كي أكون تعيسة الوجه ؟ والآن أنا هنا بانتظار أهلي لعلَّهم يعودون، أو أن اسمع رنين الهاتف النقال الموبايل من أحدهم كي أطمئن أن بعضاً منهم مازالوا أحياء.
وهنا أرى أن أكثر أبنائنا الإيزيدية يودون الرحيل عن وطن الأجداد الوطن الذي تمسكوا به منذ الآف السنين. وقدموا ملايين القرابين في سبيله، وطننا الذي هو أجمل بقعة في الأرض جمالاً ومناخاً وموارداً. لنا فيه بصمات ومقدسات وضعها الله في الأرض خميرة، حافظنا على ديمومتنا ولغتنا وعاداتنا وعقيدتنا منذ زمن بعيد واليوم نود الرحيل.
تنهدت وتنهدت ثم بكت فبكيت معها، في دموعها تصوير لمأساة شنكال والإيزيدية بكل تفاصيلها. دموع الحنين إلى الأرض قبل مغادرتها، بعد أن كنّا سلاطيناً وأهلاً لها سنصبح ذكريات تاريخية تذكرها بعض صفحات كتب التاريخ والآثار فقط. ونلتجىء كدخلاء إلى أرضٍ وشعبٍ سنصبح خدماً لهم مقابل الأمان، ونمد أيادينا للصدقة.
وهناك هل سنتحدى الصعاب، بالرغم من التشتت والاغتراب ؟ ولا نذوب في كأسهم الذي سنشرب منه يومياً الكثير الكثير!!!
عن ماذا أحدثك ؟ عن حملات الإبادة المتوالية دون انقطاع عبر قرون وسنين طوال ومن متعدد السلطات والولاة ؟ عن الذين كانوا معشراً لنا وخانوا الملح والزاد في لحظة أصبح لهم السلطة وكشفوا عن نياتهم السوداء ؟
أليس من حقنا أن نفقد الأمل في البقاء على هذه الأرض؟ في عصر التقدم والازدهار وجيراننا يبحثون عن وسائلٍ لذبح الناس كما فتح أسواق النخاسة لبيع النساء !!!
لذا اختلطت أوراقنا، ولا نعلم شيئاً عن مستقبلنا.