عندما يقول الكرد إن بلدهم كردستان، هي جنة الله على الأرض، يسخر البعض منهم ويعتبرون ذلك مجرد محبة زائدة من قبلهم بهدف تعزيز الروح المعنوية لدى الشعب الكردي، ويربطون ذلك مع حرمان الكرد لفترة طويلة من دولة قومية خاصة بهم.
ولكن هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم يومآ، بالتوقف عند ذلك الكلام والبحث عن حقيقته ومدى جدية إن كان ذلك صحيحآ أم مجرد شحط عاطفي. والأسوء من هذا هو إنضمام بعض الكرد وخاصة المتأسلمين منهم إلى هذه الجوقة.
لن أطيل عليكم وسأحيلكم إلى ما ورد في التوراة نصآ وأكثر التفسيرات إعتمادآ من قبل غالبية المفسرين. والتوارة يعتبر كتاب مقدس ومنزل من عند الله، حسب قول وإيمان الديانتين المسيحية والإسلامية على حدٍ سواء. ولا أظن هناك مؤمن مسيحي ومسلم يمكن له أن التشكيك برواية التوارة، وإلا جرى التشكيك في روايات الإنجيل والقرأن أيضآ. لأن كلا الديانتين مأخوذتين عن الديانة اليهودية وهي بدورها مأخوذة عن الزرادشتية.
ورد في الكتاب المقدس:
ذكرت جنة عدن في الكتاب بعد سفر التكوين، في اش 51: 3 وحز 28: 13 و31: 9 و16 و18 و36: 35 ويوئيل 3:2.
اسم جنة عدن:
يقول الكتاب المقدس: “وغرس الرب الإله في جنة عدن شرقًا” (تك 2:8)، مما يدل على أن الجنة لم تكن جزءًا محدودًا من عدن. ومما جاء في الترجمة السبيعنية وما تلاها من ترجمات نهجت على نهجها، يُفهم أن كلمة “عدن” أشبه في لفظها بكلمة تعنى “بهجة” أو “لذة“، ولكن غالبية العلماء الآن يعتقدون أن كلمة عدن ليست اسم على، ولكنها اسم مشتق من السومرية “عِدين” بمعنى سهل أو أرض منبسطة.
أي أن الجنة كانت في أرض منبسطة، ولأنها كانت في أرض عدن، سميت الجنة “بجنة عدن” (تك 2: 15، 3:23، و24، حز36:35، يؤ2:3). كما يقال عنها “جنة الله” (حز 28:13، 31:9)، “وجنة الرب” (تك 13:10، إش 51: 3). والكلمة في العبرية هي “جنة ” كما في العربية، وقد ترجمتها السبعينية إلى “فردوس” (إش 51:3) نقلًا عن الكردية بمعنى بستان.
أنهار جنة عدن:
خريطة نهري دجلة والفرات
وكان يخرج من عدن (أي السهل) ليسقي الجنة. ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس (تك 2:10). وكلمة “رؤوس” يمكن أن تُفهم على عدة وجوه فقد تعنى بداية فرع يأخذ من النهر كما في الدلتا، أو نقطة اتصال رافد يصب في النهر، ولعل المعني الأخير هو الأرجح وأسماء هذه الروافد الأربعة التي يبدو أنها كانت تأتى من خارج الجنة هي “فيشون” (تك 2:11)، و“جيحون” (تك 2:13)، و“حداقل” (تك 2: 14)، و“الفرات” (تك 2:14).
والاثنان الأخيران معروفان، هما نهر دجلة والفرات. “أما نهرا ” فيشون وجيحون” فتختلف حولهما الآراء وتتنوع، من الظن أن المقصود بهما نهر النيل ونهر السند على الترتيب إلى الظن فإنهما رافدين من روافد نهر الدجلة فيما بين النهرين. فليس من السهل تحديدهما على وجه اليقين.
محتويات جنة عدن:
كانت الجنة أرضا خصبه صالحه للزراعة حيث ان الرب أخذ “أدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها” (تك 2:15) وكان بها “كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل” (تك 2:9)، وكانت في وسط الجنة ” شجرة الحياة” (تك 2: 9) التي كان من يأكل منها ” يحيا إلى الأبد” (تك 3:22)، كما كان بها ” شجرة معرفة الخير والشر” (تك 2:9) التي نهي الله أدم وحواء عن الأكل منها (تك 2:17، 3:3). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس الكتاب المقدس والأقسام الأخرى).
وتتشعب الآراء كثيرًا بخصوص هذه الشجرة، فيرى البعض أنها شجرة معرفة الصواب والخطأ ولكن من العسير افتراض أن أدم لم يكن يملك المعرفة من قبل، وإذا لم يكن يملكها، فانه بذلك يكون قد مُنع من اكتسابها ويربط البعض الآخر هذه المعرفة الدنيوية التي يكتسبها الإنسان بالنضج، والتي يمكنه ان يحسن استخدامها أو يسيء استخدامها تعني المعرفة الشاملة أي معرفة كل شيء ولكن مما يتعارض مع هذا أن أدم بعد أن أكل منها لم يكتسب هذه المعرفة الشاملة. ويرى آخرون أن شجرة معرفة الخير والشر ” لم تكن سوى شجرة عادية اختارها الله لتكون اختبارا أدبيا للإنسان الذي سيحصل على معرفة اختيارية ” للخير” اذا استمر في الطاعة و” للشر” إذا سقط في العصيان كما كان في الجنة ” كل حيوانات البرية وكل طيور السماء” (تك 2:19 و20).
الأراضي المجاورة لجنة عدن:
تذكر ثلاث مناطق بالارتباط بالأنهار، فنقرأ أن نهر ” حداقل ” هو الجاري شرقي أشور” (تك 2:14) والعبارة تعني –حرفيًا– “الجاري أمام أشور” مما قد يعني أنه ” يجرى بين أشور والمشاهد “وكلمة” أشور” قد تعني ولاية أشور، التي بزغ نجمها في بداية الألف الثانية قبل الميلاد، أو مدينة أشور التي هي الآن قلعة ” شرجات “على الضفة الغريبة لنهر دجلة بين نهري الزاب الأعلى والزاب الأسفل، وكانت أقدم عواصم أشور والتي ازدهرت – كما تدل الحفريات الأثرية – في أوائل الألف الثالثة قبل الميلاد –على الأرجح– على جانبي الدجلة – فالأرجح أن المقصود بأشور هنا (تك 2:11) التي يجرى الدجلة شرقيها. ثم إن نهر “جيحون” يوصف بأنه “المحيط (أو الذي يتلوي) في جميع أرض كوش” (تك 2: 13). وكوش في الكتاب المقدس تشير عادة إلى “إثيويبا” وكثيرًا ما أخذت على هذا الاعتبار هنا، ولكن توجد منطقة إلى الشرق من نهر الدجلة كانت تسمى بهذا الأسم، وإليها ينسب “الكاشيون” الذين ظهروا في الأف الثانية قبل الميلاد، ولعل هذه المنطقة هي المقصودة هنا “بكوش“.
ونهر فيشون “الذي يوصف بأنه” المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب. وذهب تلك الأرض جيد. هناك المقل وحجر الجزع” (تك 2:11 و12) وحيث أن ” المقل ” يفهم منه عادة أنه “صمغ عطري” وهو أحد الحاصلات التي تتميز بها الجزيرة العربية، كما أن المرتين الأخريين اللتين تذكر فيهما ” حويله ” كاسم مكان (تك 25: 18، 1 صم 15:7) تشيران إلى مناطق في شبه الجزيرة العربية (الرجا الرجوع إلى مادة “حَويلة” هنا في موقع الأنبا تكلا).
******
إلى هنا إنتهى ما ورد في التوارة وتفسيره من قبل المختصين المهتمين بذلك. ولكن هناك أمور وردت في تفسير هذا النص، غير صحيحة وبحاجة إلى توضيح وشرح أيضآ، وخاصة فيما يتعلق بكلمة “عدن وبستان” وأسماء النهرين الأخرين وموقعهما الحالي.
إضافة إلى ذلك علاقة مضمون “التوارة” ككتاب ديني بملحمة “كَلكَامش” والتي تُعد أقدم الأعمال الأدبية العظيمة، وثاني أقدم النصوص الدينية المتبقية من تلك الفترة، بعد نصوص الأهرام الدينية، وعلاقة ذلك بمجيئ اليهود إلى كردستان أيام الإمبراطورية الأشورية الدموية كعبيد لخدمة تلك الإمبراطورية.
تتحدث رواية التكوين في التوارة، عن الجنة باعتبارها مكانا حقيقيا موجودآ على الأرض بعكس الإسلام الذي تحدث عن تلك الحديقة بكلام مبهم ولم يحدد مكان الجنة وأشار الى وجودها في السماء الثالثة. ولكن الفرق بين الديانتين هو أن التوارة حدد مكان الحديقة بوضوح لا لبس فيه، ووصفها وصفآ محددآ وسمت أسماء الأنهر التي تجري فيها.
توصل المفسرون والمختصين إلى أن نهرين من الاربعة المذكورة في سفر التكوين هما: نهر الفرات ودجلة، وكليهما موجودين ومعلومان وينبعان من شمال كردستان، وبعض منابعهما متقاربة لبعضهما البعض للغاية. ووصف الكتاب المقدس في (تك4:2-17) هذا المكان الجميل، الذي بدأ فيه حياة البشرية على كوكب الأرض وسمته “بحديقة عدن“.
منطقيآ وعلميآ لا يمكن أن يكون موقع نهري “فيشون وجيحون“، خارج منطقة نهري دجلة والفرات، وخاصة أن النهرين الثالث والرابع يعتبران فروعآ للأول والثاني أو أقل منهما أهمية من حيث وفرة المياه وطول الأنهر. فكيف يكون النهرين الرئيسيين في ميزوبوتاميا (كردستان) اليوم، ويكون النهرين الباقيين في الحبشة كما إدعى البعض. أو في السعودية والهند أو جنوب ايران الحالية؟ إنظروا إلى المسافة الجغرافية التي تفصل المنطقتين عن بعضهما البعض.
لقد حاول الكثير من الباحثين المهتمين بالموضوع البحث عن باقي الأنهار في المنطقة عبر التاريخ، وكانت هناك آراء كثيرة في هذا الصدد. فالبعض أعلن أن المقصود بالنهرين فيشون وجيحون هو نهر النيل، وآخرون قالوا أنه نهر الهندوس. ولكن هذه التخمينات لا تتفق مع ما يذكره الكتاب المقدس، لبُعد المسافة بين هذه الأنهار وبين نهري دجلة (حداقل) والفرات. وإقترح البعض أن اسم نهر “كوخا” في جنوب غرب إيران، حيث كان هذا النهر يصل قديمًا بالخليج الفارسي مع نهري الفرات ودجلة.
إلى أن أتى العالِم والباحث الألماني “دلتش” واكتشف في بابل قائمة بأسماء الأنهار القديمة التي كانت معروفة وقتئذ، فوجد من بينها أسماء “فيشانو” وهو القريب من “فيشون“، و“جيجانو” وهو متشابه مع “جيحون“. ووجد أنهما كانا قريبين جدًا من دجلة والفرات.
إضافة إلى أن كلمة “عدن” كلمة سومرية حسب ما ورد في التفسير ذاته، فإذآ تحددت المكانة الجغرافية لحديقة عدن وأنهرها الأربعة. وبحسب دراسة جغرافية المنطقة والوصف الذي وصفه التوراة للمنطقة المعنية، يكون النهر الثالث هو نهر “الخابور” والرابع نهر ” الزاب“، حسب ما لدينا من أنهر معروفة في المنطقة.
وإذا أمعنا النظر في وصف التوراة بشكل جيد، وأخذنا بعين الإعتبار المساحة التي يشملها هذه الأنهر الأربعة، لتوصلنا إلى إستنتاج مفاده: أن منطقة “حديقة عدن” تمتد من شرق نهر الفرات غربآ إلى جنوب بحيرة اورميا شرقآ، وهذا يشمل عمليآ قسمآ كبيرآ من أراضي كردستان بل مركز كردستان، وبالتالي فحديقة عدن تعني حقيقة أرض كردستان ليس غيرها. والحديقة ليست من شروطها أن يكون أرضها سهلآ . هذاا الكلام غير صحيح لأن هذه الحديقة الربانية واسعة وتشمل الأنهار والبحيرات ولا يمكن للأنهار تتدفق إذا كان الأرض سهلآ ومستويآ. فإذآ لا بد من جبال ووديا وسهول تعم هذه الحديقة. ولا ننسى عندما حلى الطوفان بالمنطقة صعد نوح إلى سطح جبل جودي هو أيضآ موجود بكردستان.
وكلمة الحوريات التي أتى على ذكرها القرأن، والمرتبطة بالجنة هي ببساطة النساء الهوريات الجميلات نظرآ لطبيعة كردستان الخلابة التي كانت مليئة بالغابات والأنهار والبحيرات وما زالت، التي وجد فيها الغرباء جنة مقارنة ببلدانهم. والجنة هي مرادفة لكلمة الحديقة وتصغيرها جنينة. هذا إلى جانب المناخ المعتدل الذي يسود أجواء كردستان. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السومريين إستعاروا كلمة (أدن)، من أهل المنطقة وليست سومرية الأصل.
لكن البعض ولأسباب سياسية وعنصرية، حاول وبشكل غير علمي ومنطقي، ربط “حديقة عدن” بالعراق الحالي ومن ثم القول أن العراق بلد عربي. وهذا مخالف لحقائق التاريخ، التي لا تحتاج للكثير من البحث لأنه لا يوجد في التاريخ بلد إسمه العراق. وحتى مدينة بغداد الحالية بناها الكرد، وكلمة بغداد ذاتها كلمة كردية، ولا علاقة لها باللغة العربية، وهي مأخوذة عن لفظة (باغ) الكردية والتي تعني الحديقة. وفي اللغة الكردية القديمة كان تعني الإله. وهكذا يكون معنى كلمة بغداد “مدينة الإله أو حديقة الإله. وكلمة الإله بالروسي والجيكي “بوخ أو بوه” من ذات المصدر أي من كلمة (باغ).
بالنسبة لليهود ومن بعدهم العرب، كانت بلاد الكرد تعتبر لهم جنة مقارنة ببلدانهم وشيئآ يشبه الحلم. حتى الأن عندما يزور العرب أماكن جميلة كسويسرا مثلآ يصفونها ويقولون أنها جنة، ونفس الشيئ يفعله العراقيين عندما يزورون إقليم جنوب كردستان.
بهذا الشكل أيضآ جاءت تسمية مدينة دمشق وما حولها، حيث سماها العرب “بالشامة“، كونها كانت واحة خضراء في محيط صحراوي، وكون كل ما كان يقع جنوب منطقة دمشق كانت عبارة عن منطقة خالية من الشجر والخضار، ولذا شبهوا دمشق بشامة الوجه، ومن هنا جاءت تسمية “بلاد الشام” وهي تسمية مجازية ولا علاقة لها بأصل الشعب وأهل البلاد.
هناك مصطلحين أساسيين ” بستان وفردوس“، الذين يشكلان جوهر قصة هذه الحديقة، إذا توقفنا عند أصلها اللغوي، لفهمنا حقيقة الموضوع برمته وأكد صوابية ما ذهبنا إليه أنفآ، وهو أن كردستان هي المقصودة بحديقة عدن.
بستان:
لفظة كردية معربة وتعني أرض الورود. وهي كلمة مركبة من لفظتين الأولى (بهين) وتعني الرائحة أي رائحة الورد. والثانية (ستان) وتعني الأرض وهنا بمعنى أرض الورد. وفي اللغة يجوز تأليف الكلمات من كلمة كاملة ومقطع من الثانية، وهذه خاصية من خواص اللغة الكردية وجميع اللغات النهدو– أوروبية أي أنها لصقية، وهذه الخاصية غير موجودة في اللغات السامية كالآكادية، السريانية، العبرية والعربية.
Bihên + stan –> bistan
فردوس:
لفظة كردية معربة وتعني البستان الجامع، أي يشمل على كل شيئ وبكلام أخر أمهات البساتين. وأخذها اليونانيين عن الفرس. وهي مؤلفة من لفظتين الأولى (پيرا) بمعنى الحديقة الخاصة وفق باللغة الكردية القديمة. واللفظة الثانية هي (ديسا) وتعني السياج. وهكذا يكون معنى الكلمة كاملة، الحديقة المحمية بالحائط. أي حصتك المحمية أو المحروسة.
Para (parast + dêyso (dîwar) –> paradêyso
ومن إطلع على مضمون قصة التوراة حول التكوين، وقرأ محلمة كَلكَامش المعروفة يعلم علم القين بأن اليهود أخذوا تلك الملحمة ونسبوها لأنفسهم بعد إدخال بعض التعديلات عليها وإستخدام الأسماء اليهودية لعناصر وأشخاص الملحمة.
******
موقع حديقة عدن حسب القرأن:
ورد في تفسير القرطبي عن هذه الآية ما يلي: في جنات عدن أي في دار إقامة. يقال: عدن بالمكان إذا أقام به، ومنه المعدن. وقال عطاء الخراساني: جنات عدن هي قصبة الجنة، وسقفها عرش الرحمن جل وعز. وقال ابن مسعود: هي بطنان الجنة، أي وسطها. وقال الحسن : هي قصر من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، ونحوه عن الضحاك . وقال مقاتل و الكلبي : عدن أعلى درجة في الجنة، وفيها عين التسنيم، والجنان حولها محفوفة بها، وهي مغطاة من يوم خلقها الله حتى ينزلها الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ومن يشاء الله.
وورد في تفسير الطبري: قيل: جنات عدن، لأنها بساتين خلد وإقامة، لا يظعن منها أحد،وقيل: إنما قيل لها جنات عدن ، لأنها دار الله التي استخلصها لنفسه، ولمن شاء من خلقه، من قول العرب: ((عدن فلان بأرض كذا))، إذا أقام بها وخلد بها، ومنه ((المعدن))، ويقال: ((هو في معدن صدق))، يعني به: أنه في أصل ثابت.
حسب بعض المفسرين المسلمين، إن جنة عدنٍ تقع فوق السماوات، بالإستناد إلى قول الله تعالى في سورة النجم: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى*عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى*عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)،[7] وظاهر قول الله سبحانه أنّ الجنّات ليست على الأرض بل فوق السماوات، ولقد ثبت في السنة النبوية أنّ سدرة المنتهى فوق السماء. وكذلك ففي السنة الشريفة العديد من الأحاديث التي تصف الجنة تثبت أنّ الجنة فوق السماوات، ففي البخاري يقول النبي: (إنَّ في الجنةِ مئةَ درجةٍ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِه، كلُّ درجتيْنِ ما بينهما
كما بين السماءِ والأرضِ، فإذا سألتم اللهَ فسلُوهُ الفردوسَ، فإنَّهُ أوسطُ الجنةِ، وأعلى الجنةِ، وفوقَه عرشُ
الرحمنِ، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنةِ).[8] ولقد أورد ابن القيم في كتابه حادي الأرواح قولاً عن ابن عباس
رضي الله عنه يقول فيه: الجنة في السماء السابعة، ويجعلها الله حيث شاء يوم القيامة، وجهنم في الأرض السابعة، كما روى ابن المنذر عن عبد الله أنّه قال: الجنة في السماء الرابعة، فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث يشاء [9[.
وصف جنة عدن وفق القرأن:
إذا كانت الجنة جائزة الله سبحانه لعباده المؤمنين المستحقين للأجر والثواب، فإنّها لا شكّ تضاهي بعظمتها عظمة الخالق مالك الملك جل شأنه، وإنّ من يقف على أوصاف الجنّة وجمالها يكاد لا ينتهي
من تعداد حسنها وبهائها، بل إنّها كما قال النبي عن الله عز وجل:
(أعدَدتُ لعِبادي الصَّالحين ما لا عَينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سمِعَت، ولا خطَر على قلْبِ بشَرٍ، ذُخرًا، بَلْهَ ما أُطْلِعْتُم عليه، ثمَّ قرَأ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،[10] فكل ما يخطر على قلب الإنسان من تخيل لجمالها يظل أقل من حقيقتها حين يراها.[11] ولقد وصف الله تعالى حجم الجنات في كتابه الكريم فيقول: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ.
******
إنظروا معي إلى هذا التناقض الواضح والصريح بين الديانتين اليهودية والإسلامية حول موقع “حديقة عدن” وشكلها، مع أن المسلمين يعتبرون التوارة كتاب مقدس ومنزل من عند الله. التوارة يحدد بشكل دقيق موقع حديقة عدن وهي تقر بوجدها على الأرض، ووصفها يطابق الحقائق على الأرض، وسمت الأنهار بأسماء محددة معلومة، بينما تحدث بكلام عام لا لون له ولا طعم ولا مضمون واضح. جعل من ذلك شبحآ يحوم فوق رؤوس البشر، وكل واحدٍ يتخيلها حسب خصوبة خياله ورغباته.
السؤال هنا: كيف لهذا التناقض في شأن مهم للغاية وحساس لهذه الدرجة؟ ونحن نعلم أن ألاف البشر، يقتلون أنفسهم من أجل الفوز “بحديقة عدن” وعدد من الحوريات. المفروض أن كلا الكتابين جاءتعلى لسان الله على الأقل حسب أتباع هاتين الديانتين. فكيف يتحدث الله كل بشكل مغاير عن الجنة ويقع في هذا الخطأ؟ وحسب ما نعلم هو معصوم عن الخطأ.
الحقيقة إن ما ورد في القرأن والتفسير مجرد كلام في الهواء، كان هدفه ترغيب الناس وتشجيعهم للقتال، والمشاركة في حروب محمد التوسعية، وخدمته مشروعه القومي المغلف بثوب ديني. وبالفعل قد نجح في تجنيد الاف الرجال عن طريق وعدهم بتلك الجائزة التي سماه الجنة ومعها 70 حورية. أما في الحقيقة لا وجود لجنة في السماء.
لذلك أقول لأبناء شعبنا الكردي، أنتم محظوظين، كونكم تعيشون في أجمل بقعة خلقها الله على الأرض، وسمى بلدكم كردستان بحديقة عدن أو حديقته بالأحرى. فعليكم تحرير هذه الحديقة الغناء المقدسة من براثن المحتلين الأتراك والفرس والعرب، وحتى من بعض حاكم الكرد المستبدين، لتبقى حديقة للجمال والحرية والثقافة والتعددية.
منذ أكثر من ثلاثين عامآ، وأنا أجادل من حولي المثقفين واولئك المؤمنين بشيئ إسمه الجنة والنار بالمفهوم المتعارف عليه بين عامة المسلمين والمسيحيين. وكنت أقول لهم على الدوام التالي: “لا يمكن للإله إن وجد، أن يحرق أبنائه في النار هذا مستحيل؟ فإذا كان هناك من إله، لا بد أن يكون كله حب وخير“. وللغرابة قبل حوالي أكثر من عام أصدر الفتيكان تصريحآ رسميآ باسم البابا الحالي بعدم وجود شيئ إسمه الجنة والنار!!
26 – 02 – 2020
————————————————————————————————-
Çavkanî: المصادر
1- Tewrat.
التوراة: ترجمة عربية عمرها أكثر من ألف عام – 2007
2- Quran. Çapa Medînê – 2010.
3- Gibson, Walter S. Hieronymus Bosch. New York: Thames and Hudson, 1973. p. 26. ISBN 0-500-20134-X.
4- Brown, John Pairman (2001). Israel and Hellas, Volume 3. Walter de Gruyter. ISBN 9783110168822.
5- Cohen, Chaim (2011). “Eden”. In Berlin, Adele; Grossman, Maxine (eds.). The Oxford Dictionary of the Jewish Religion. Oxford University Press. ISBN 9780199730049.
6- Curtius, Ernst Robert (1953). European Literature and the Latin Middle Ages. Princeton UP. ISBN 978-0-691-01899-7. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
7- Davidson, Robert (1973). Genesis 1-11 (commentary by Davidson, R. 1987 [Reprint] ed.). Cambridge, Eng.: Cambridge University Press. ISBN 9780521097604.
8- Mathews, Kenneth A. (1996). Genesis. Nashville, Tenn.: Broadman & Holman Publishers. ISBN 9780805401011.
9- Smith, Mark S. (2009). “Introduction”. In Pitard, Wayne T. (ed.). The Ugaritic Baal Cycle, volume II. BRILL. ISBN 9004153489.
10- Speiser, E.A. (1994). “The Rivers of Paradise”. In Tsumura, D.T.; Hess, R.S. (eds.). I Studied Inscriptions from Before the Flood. Eisenbrauns. ISBN 9780931464881.
11- Stordalen, Terje (2000). Echoes of Eden. Peeters. ISBN 9789042908543.
12- Swarup, Paul (2006). The self-understanding of the Dead Sea Scrolls Community. Continuum.
السومريون/ تاريخهم – حضارتهم وخصائصهم. صمويل نوح كريمر -13
ترجمة: الدكتور فيصل الوائلي عام 1973.
-14 الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ت: التركي
المؤلف: محمد بن أحمد الأنصاري
الناشر: مؤسسة الرسالة
سنة النشر: 2006
-15 جامع البيان في تفسير القرآن – تفسير الطبري
المؤلف: محمد بن جرير الطبري