الكرد لم يتحولوا بعد إلى مجتمع صاحب تقاليد ثقافية مرموقة، بسبب غياب دولة تضمهم جميعهم، ولهذا تراهم يعيشون على هامش مجتمعات الدول التي تتقاسم وطنهم (تركيا وإيران والعراق وسوريا). وبقوا متخلف عن ركب الحضارة وتطوير أنماطع المعيشة، وخلق ثقافة حديثة تتماشى مع روح العصر وقيمه الإنسانية ومن هذه القيم تكريم المبدعين.
لا شك إن ثقافة تكريم المبدعين في العالم حديثة العهد، ويعود بداياتها إلى مطلع القرن الماضي على أبعد حد. وبدأت الفكرة بشكل خجول للغاية ولكن مع الوقت توسعت وشملت كل البلدان التي إنتهجت نهجآ ديمقراطيآ ليبراليآ. بمعنى من المعاني ثقافة التكريم نتاج المجتمعات الحرة والديمقراطية، التي يشكل الفرد فيها عنصرآ أساسيآ لأن الفرد له قيمة ومكانة أساسية في المجتمع ويعتبر ذلك شيئ مقدس ولا يجوز المساس بذلك.
قبل ذلك كان المبدعين من جميع فروع العلوم الإنسانية يموت جوعآ، ويعانون من ملاحقة ومضايقة من قبل السلطات الحاكمة، ويهملون بشكل كامل، ما عدا قلة منهم، الذين كانوا يسبحون باسم الملك ويعملون بوقآ له. إليكم بعض الأمثلة من المبدعين العالميين الذين لم يكرموا:
كارل ماركس: هذا الفيلسوف العبقري العظيم، كيف كان محاربآ من قبل سلطات بلاده مما إضطر الى مغادرة المانيا والعيش في بريطانيا بشكل دائم إلى وافه المنية عام 1883. وكما هو معلوم لقد ماركس من الفقر المدقع ومات إبنه بسبب المرض والجوع. ولم يكرم من قبل أي جهة بحياته.
بيتهوفن: هذا الموسيقار العبقري والذي يعتبر من أهم الموسيقيين العالميين على مدار التاريخ. ولد في مدينة بون بألمانيا، عاش أيضآ حياة قاسية مدقعة وعانى من العديد من الأمراض ولم يكرم من قبل أحد في حياته.
فان غوخ: رسام وفنان هولندي، ينتمي إلى مدرسة ما بعد الانطباعية في الرسم. كانت حياته مضطربة ومليئة بالمصاعب والمشاكل النفسية. عاش فان غوخ طفولة بائسة، فقد تعرضت العائلة إلى مشاكل مالية كبيرة. وعندما بلغ الخامسة عشر، أجبر فان غوخ على ترك المدرسة والعمل لدى متجر خاله كورنيل. وقد باع لوحة واحدة في حياته من 900 لوحة رسمها. أيضآ لا يكرم في حياته وعانى كثيرآ في حياته وعاش من معونات أخيه ثيو.
أحمد خاني: هذا المبدع الخلاق صاحب ملحمة “مم وزين”، لم يحظى بأي تقدير في حياته ولم يكرم مثل الكثيرين من المبدعين، رغم أنه رمز الثقافة الكردي.
جيكرخون: شاعر شاعر كردي معاصر وصاحب مدرسة شعرية حديثة ويعتبر أحد أهم شعراء الكرد المعاصرين، توفي عام 1984 ولم يكرم في حياته.
أبو قاسم الشابي: شاعر تونسي معروف وصاحب أشهر بيت شعر على الإطلاق وتوفي عام 1943.
أيضآ لم يكرم في حياته والأن يعتبر شاعر تونس الأول وإعتمدت قصيدته كنشيد وطني لتونس.
“إذا الشعب أراد الحياة يومآ — فلا بد أن يستجيب القدر”
حنا مينا: روائي سوري يعتبر واحد من أشهرِ الروائيين العرب قاطبة. لقد ساهم في تطويرِ الرواية العربية، وألف الكثير من الروايات والقصص، التي تميّزت بالواقعية الاجتماعية والصدق والمعاناة الإنسانية. عانى من الفقر والحرمان ومارس أعمال كثيرة لكي يعيش، وتم تحويل عدد من روياته إلى أعمال درامية. ولم يكرم حنا مينا لا في حياته ولا بعد مماته.
السؤال الأساسي على عاتق مَن يقع تكريم المبدعين في الحالة الكردية؟
في الأحوال الطبيعية يقوم بذلك مؤسسات الدولة (ونحن الكرد ليس لدينا دولة) أو المؤسسات المدنية الخاصة، المهتمة بالفن والأدب والعلم. وهذه أيضآ غير موجودة في المجتمع الكردي لأسباب معروفة.
في في ظل غياب الدولة والمؤسسات الخاصة المهتمة بالشأن الثقافي الكردي، تبقى جهة واحدة تتحمل مسؤولية تكريم المبدعين، وهي الأحزاب السياسية الكردية ولكن ليس في وسع جميعها القيام بهذه المهة، بسبب ضعف إمكانياتها. ولكن هذه الأحزاب الصغيرة بإمكانها بتقديم شهادات تقدير على الأقل للمبدعين من خلال إقامة مراسيم بسيطة يحضره عدد من أصدقاء وعائلة المبدع المكرم، وقيادة الحزب المعني لكي نؤسس لثقافة التكريم لمبدعينا.
هناك أحزاب سياسية كردستانية تستطيع القيام بهذا الدور مثل حزب العمال الكردستاني وأحزاب أخرى كاكومكار على سبيل المثال ولا تفعل ذلك، لأن هذه الأحزاب مكرسة لخدمة الزعماء قدس سرهم!!
على المستوى الرسمي هناك جهة وحيدة قادرة على القيام بهذا الدور، وهي حكومات جنوب كردستان، حكومة “الملا جلال وأبنائه“ وحكومة “الملا البرزاني وأبنائه وأحفاده“، وهي في الواقع حكومات مافيوية كل همها النهب والسرقة والمتاجرة بالقضية الكردية لا أكثر ولا أقل، وغير معنية بالثقافة والأدب والفن والمبدعين والعلماء.
أما أبناء شعبنا الأبي (غير محبكجية الأحزاب)، كرموا ويكرمون كل مبدعيهم ومناضليهم، من خلال شراء إنتاجهم الأدبي والفني والإطلاع عليه، وقرأت ما ينتجونه من أدب وفن هؤلاء المبدعين، وهنا سأضرب لكم ثلاثة أمثلة:
المناضل اوصمان صبري:
لا يوجد كردي وطني غير تابع أو مريد، إلا ويحترم ويقدر عاليآ نضاله السياسي وعمله الأدبي واللغوي ويحظى بحب وإحترام كبيرين من قبا أبناء الشعب الكردي، وأعتبر هذا أكبر وأعظم تكريم شخصي له على الإطلاق.
الشاعر جيكرخون:
هو الأخر يحظى بحب وإحترام قل نظيره، والملايين من الكرد يحفظون قصائده وخاصة التي غناها الفنان شفان برور. ليس هناك تكريم برأي أرقى وأجمل وأكثر إدامة من هذا التكريم، الذي حظي به شاعرنا الراحل.
الفنان شفان برور:
لم يحظى في تاريخ الكرد أي فنان بالمكانة، التي يحظى بها هذا الفنان من لدن الشعب الكردي. يكفي أن يوضع إسمه على بطاقة حفلة مل حتى يحضر مئات الألاف من الكرد، ليستمتعوا بصوته الشجي. وهو يحظى بحب وإحترام منقطع النظير في عموم كردستان.
إذآ الشعب الكردي يكرم مبدعيه ويحترمهم ويعتز بهم، إنظروا مثلآ الى مكانة الشاعر والفيلسوف أحمد خاني صاحب ملحمة “مم وزين” في نفوس الكرد.
في الختام، أدعوا الأحزاب السياسية الكردستانية الرئيسية، الى تكريم المبدعين الكرد، والنظر اليهم نظرة وطنية وليس من منظار حزبي ضيق ومقيت. ودعوتي هذه لا تشمل إماراتي الطالباني والبرزاني، لأني أعتبر تكريمهم لأي مبدع إهانة شخصية له. وبرأي أي مبدع كردي حقيقي لا يمكن أن يقبل على نفسه أن يتم تكريمه من عصابات عائلية.
28 – 02 – 2020