نال الباحث والصحفي الكردي سالار تاوكوزي على شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز في الأدب العربي المعاصر عن أطروحته الموسومة (الشخصية الدينية في الرواية العراقية، دراسة سوسيو ثقافية) بعد مناقشة علمية مستفيضة دامت ثلاث ساعات ونصف في قاعة عبدالله حداد في كلية التربية، جامعة صلاح الدين باشراف د. سمير صبري شابا.
وكان شابا قد أشرف أيضاً على رسالة الماجستير قبل سنوات لتاوكوزي الموسومة “بنية المكان في روايتي الجحيم المقدس لبرهان شاوي وهيَلانة لحسين عارف– دراسة مقارنة”.
يقول تاوكوزي في مقدمة أطروحته “ألقت التغييرات التي حصلت في العراق في مرحلة مابعد الاحتلال الأمريكي – ابتداءً من عام (2003) – بظلالها على المشهد الروائي فحرّكت مخيّلة الروائيين، ووفرت فضاءات غير مسبوقة من الحرية لهم ليوثقوا واقع هذه المرحلة توثيقاً سردياً واقعياً، ويرصدوا أنساقاً خطيرة، ويكسروا تابوهات الجنس والدين والسياسة بجرأة أكثر من ذي قبل، في نتاجات إبداعية غزيرة لم تشهدها الرواية العراقية عبر مسارها التاريخي. ولا ريب أن تغطية هذا الكم الهائل من الأعمال الروائية، تقتضي دراسات مستفيضة؛ فلذلك وقع اختيارنا على ست وعشرين رواية، في دراسة جاءت تحت عنوان: ( الشخصية الدينية في الرواية العراقية – دراسة سوسيو ثقافية من 2003 إلى 2016)”.
ويؤكد تاوكوزي ان اختياره لهذا العنوان لم يكن وليد الصدفة، ولا كان قراراً مسبقاً يبحث عن معطيات نصية تدعمه فيما بعد، بل جاء بعد شغفنا بمتابعة الأعمال الروائية العراقية المعاصرة وبناء علاقات شخصية مع الروائيين، والاطلاع على ثلاث وخمسين رواية عراقية معاصرة، فقد تبين لنا من خلال ذلك كله أن هناك حضوراً قويّاً وواضحاً للشخصية الدينية في المجتمع الروائي، وهذا إنما يعكس دورها الشاخص في الواقع الاجتماعي، ولا سيما بعد مرحلة الاحتلال التي هيأت المناخ الملائم لهيمنة رجال الدين على مفاصل الحياة، وأدت إلى تهميش الشخصيات المنتمية إلى الأقليات المسيحية واليهودية والأيزيدية والبهائية والمندائية في البلد، فتقلص عددها بسبب الهجرة والأعمال الإرهابية التي طالتها مما شكل خطراً على حياة المجتمع العراقي المتزيّن منذ القدم بالتعدد الديني والعرقي والثقافي.
تهدف هذه الدراسة إلى إعادة النظر في مفهوم الشخصية الدينية وكيفية تمثيلها من قبل الروائيين العراقيين، وإماطة اللثام عن خفايا عالمها ودراسة أنساقها الثقافية والاجتماعية التي تضمر معان خفية ورسائل مشفرة. وإثارة قضايا الهامش والمركز والمسكوت عنه. وإظهار البدائل التي قدمها الروائيون لمعالجة الأوضاع السيئة التي يعيشها المجتمع العراقي المعاصر في ظل هيمنة نفوذ رجال الدين.
تابوهات اجتماعية
وتأتي أهمية الدراسة من أنها تلقي الضوء على التابوهات وتعالج موضوعات لها وطيد الصلة بمشاكل عصرنا، عبر دراسة شخصية مثيرة للجدل، بالجرأة، ومع الالتزام – قدر المستطاع – بالحيادية والموضوعية والابتعاد عن اطلاق الأحكام الذاتية التي قد يدفع بها تأثرٌ أو مزاج، كما تحاول التماس منهج وصفي تفسيري قائم على محاورة النص ومقاربته، وتجنب فرض القواعد أو توجيه تعليمات أو تحديد تقنينات أو تطبيق معايير على نحو متعسف لا يقبله، وفضلاً عن ذلك فإن العنوان يتفق تماماً مع رغبة الباحث الجامحة في الكتابة عن الدين والأدب، بدافع خلفيته الثقافية في هذين المجالين. وينبغي الإشارة إلى أن مكتباتنا تعاني – على حد علم الباحث- من ندرة الدراسات الأكاديمية المتخصصة عن الشخصية الدينية، على الرغم من كثرة أعدادها وتنوع هوياتها واتجاهاتها الآيديولوجية في نصوصنا السردية المعاصرة وفي مجتمعنا اليوم، ودورها الديني والاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي الفاعل على صعيد العراق والمنطقة. من هذه الدراسات: (الإسلاموية والروحية في أدب نجيب محفوظ) لمحمد حسن عبدالله و(الشخصية الدينية في خطاب نجيب محفوظ الروائي) لعبدالرحمن موسى الرشيد و(نموذج الشخصية الدينية في روايات نجيب محفوظ) لمحمد علي سلامة و (الشخصية الدينية في روايات نجيب محفوظ ونجيب الكيلاني) لسالم عمر. ولكن يبدو جلياً أن هذه الدراسات صبّت اهتمامها على روايات (نجيب محفوظ) المعبرة عن رؤية رجال الدين والشخصيات المنتمية إلى جماعة الإخوان المسلمين والطرق الصوفية ودورها في المجتمع المصري في المراحل التاريخية التي عاش فيها الأديب.
ولا يخفي الباحث أنه قد أفاد من هذه المصادر ومصادر أخرى، منها: كتب رائد النقد الثقافي في الوطن العربي وعالم الاجتماع العراقي (د.علي الوردي) وبالأخص كتب (وعاظ السلاطين، شخصية الفرد العراقي وأسطورة الأدب الرفيع) وكتاب (النقد الثقافي) لـ(آرثر أيزابرجر) وكتب الناقد الثقافي (د.عبدالله الغذامي) لاسيما كتاب (النقد الثقافي : قراءة في الأنساق الثقافية العربية).
وقد واجهتْ الباحثَ صعوباتٌ جمّة أثناء كتابة بحثه، منها قلة الدراسات في هذا الأنموذج من الشخصية، وعلى وفق المنهج الذي سلكه، وضيق الوقت لعدم التفرغ للدراسة، وكثرة عدد الروايات التي تسببت الحيرة في اختياره لعينات البحث التي تتكون من ست وعشرين رواية، واتساع منهج الدراسة وتشعباته وغموض بعض المصطلحات وعدم ثباتها، وتداخل بعض المفاهيم، وصعوبة توزيع الموضوعات على الفصول والمباحث، وعدم تبلور المنهج لحد الآن، فضلاً عن خطورة الموضوع ومشاكل طارئة أثرت على مجرى العمل.
فصول ومباحث
رسم الباحث لدراسته خطة مكونة من مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول متفرّعة إلى ثمانية مباحث متوّجة بخاتمة. جاء التمهيد بعنوان (في مفهوم الشخصية ومنهجية الدراسة) وتناول مفهوم الشخصية في المنظور اللغوي والفلسفي والسايكولوجي والسوسيولوجي والأدبي، وفي هذا الإطار يبين الباحث الفرق بين (الشخص) و(الشخصية) والعلاقة بين أضلاع المثلث المكون من: (الشخصية، المجتمع والثقافة)، ويستعرض التعريفات المقدمة للشخصية الدينية، مقترحاً تعريفه الخاص.
وجاء الفصل الأول بعنوان (أنماط الشخصية الدينية) وتناول في ثلاثة مباحث كلاً من (الشخصية المسلمة، الشخصية المسيحية، الشخصية اليهودية وشخصيات دينية أخرى) مركزاً على الأسماء والأنساق والسمات التي تتميز بها هذه الشخصيات، وموضحاً العلاقة بين دوال الأسماء ومداليلها، أو الصلة بين الاسم والمسمى، وبين الشخصية والأديان والمذاهب والقوميات التي تنتمي إليها، وتأثير الاسم في الشخصية من الناحيتين الاجتماعية والنفسية، وكيفية اختيار الروائيين لأسماء شخصياتهم الروائية. ووقف الباحث على نسقين مهيمنين ومتحكمين في الشخصية الدينية، هما: (نسق العنف) و (نسق الخيانة). كما استخلص سمات عدة للشخصية الدينية مثل: (التطرف، الاعتدال، الهدوء، التخفي، الخداع، الجشع، الكذب، الوطنية، التجسس، الهدوء، الخوف، الشجاعة، الصدق، الأمانة، الزهد الذكاء والتفوق) وغيرها من السمات التي يمكن تصنيفها عموماً إلى إيجابية و سلبية. أما الفصل الثاني، فقد خُصِّصَ لـ(مواقف الشخصية الدينية) وتكوَّن من ثلاثة مباحث، تطرّق المبحث الأول إلى موقف الشخصية الدينية من الآخر المختلف، إذ ينقسم إلى (موقف القبول) الذي يتمثل في العلاقات الاجتماعية الحميمة والتعايش السلمي والتسامح بين المكونات الدينية التي كانت شائعة بينهم في عراق الأمس. و(موقف الرفض) الذي يتجلى في اختطاف الآخر وإخصائه وإقصائه وإكراهه وإحراقه واحتقاره واستصغاره والنظرة إليه نظرة النجاسة وغيرها. وتضمّن المبحث الثاني (الموقف من السلطة) بوصفها ظاهرة اجتماعية وسياسية بارزة. أما المبحث الثالث فقد عالج فيه الباحث (الموقف من المرأة) انطلاقاً من نسق الذكورة المهيمن ونسق الأنوثة الخاضع وبالإفادة من وجهات نظر نسوية. وينسقم هذا الموقف بدوره إلى موقف إيجابي وموقف سلبي يتجسدان عبر ثيمات عدة، منها: (الحب، توفير الحماية، المساعدة العنف، جرائم الشرف، الاغتصاب، زواج القاصرات والزواج القسري). وأما الفصل الثالث الذي جاء في مبحثين، فحمل عنوان (أبعاد الشخصية الدينية) التي صنفها النقاد إلى أصناف عدة: ثنائية وثلاثية ورباعية، غير أن الباحث استقرّ على التصنيف الثنائي الذي تتشكل بموجبه الشخصية من بعدين: (خارجي وداخلي). تضمّن البعد الخارجي، الحديث عن القامة والأمراض واللحية والملابس مثل: حجاب المرأة وعِمامة الرجال، وعلاقة كل هذه المظاهر بالمعاني والدلالات والأقنعة والأنساق المضمرة، وأهميتها في الثقافة الدينية والوسط الاجتماعي. على حين تضمن الداخلي بواطن الشخصية الدينية ليلقي الضوء على بعدين آخرين، هما: البعد الفكري والبعد النفسي. وفي الختام، أجمل الباحث النتائج التي توصل إليها، وأردف ذلك بثبت قائمة المصادر والمراجع.
مناهج نقدية
اقتضت طبيعة الدراسة الاتكاء على منهجين نقديين، هما: (المنهج السوسيولوجي) و(المنهج الثقافي) المتضافرين، لجملة من الأسباب، منها: أن هذين المنهجين ينظران إلى النص بوصفه بنية منفتحة على العالم الخارجي، فيرفضان بناء أي جدار عازل بينهما وبين المناهج والمصادر والمجالات المعرفية الأخرى. وقد أتاح ذلك الحرية للباحث لإنجاز هذا العمل المتعدد الأبعاد. ولا يدّعي الباحث خلو هذه الدراسة من الأخطاء والهنات، فمنال الكمال من المحال، لكنه يستطيع الجزم بأنه يشعر براحة ضميره الأكاديمي والثقافي؛ لكونه قد عمل على البحث بكل أمانة وحرص وجدية، منذ اللحظة التي ثُبِّت فيها عنوانه واعتُمِد.
وفي ختام مقدمته، أشاد تاوكوزي بجهود مشرفه الأستاذ المساعد الدكتور سمير صبري شابا على توجيهه وإرشاده له، وعلى مراجعته الدقيقة للأطروحة حرفاً حرفاً، فضلاً عن صبره وتحمّله له طوال مدة كتابة الأطروحة لما كان قد اقترف من زلات وأخطاء، وطموحه الجاد كي تخرج الأطروحة بأبهى صورة وأفضل محتوى، ولم يمنعه تدهور حالته الصحية في زمن ما من الرد على أسئلته بأسرع وقت، وتدوين ملاحظ منهجية وعلمية قيّمة وبروح من المسؤولية الممزوجة بالصداقة التي تعامل بها معي عند الإشراف على رسالته للماجتسير، متمنياً له سلامة الصحة والتألق الدائم .
استنتاجات
وتوصل الباحث إلى جملة من الاستنتاجات في ختام رحلته الشاقة الى عالم الشخصية الدينية في الرواية العراقية، ، يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
- إن مفهوم الشخصية مفهوم واسع تصعب الإحاطة به بالاعتماد على مجال معرفي محدد، كما أن مفهوم الشخصية الدينية يختلف من باحث إلى آخر.
- رصدت الرواية العراقية – خلال المدة التي اشتغلت عليها الدراسة- المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي الذي لعبت فيه الشخصية الدينية دوراً بارزاً، في مرحلة مابعد الاحتلال الأمريكي، على نحو واقعي. وقد مثَّل الروائيون العراقيون الشخصيات الدينية – عموماً- تمثيلاً ثقافياً محايداً، وشخّصوا سماتها ومواقفها الإيجابية والسلبية على حدِّ سواء، ولم ينظروا إلى شخصية منتمية إلى دين معين بمنظار الأديان التي يعتنقونها والآيديولوجيات والثقافات التي يتبنونها، وإنما رسموا جميع أنماط الشخصيات الدينية على نحو موضوعي وواقعي مع إضافة لمسات عجائبية وفنية لكسر رتابة الواقع وإيصال رسائلهم إلى المتلقي.
- حصر الروائيون العراقيون أنماط الشخصية الدينية في ثمانية أنماط، هي: (الشخصية المسلمة، الشخصية المسيحية، الشخصية اليهودية، الشخصية الأيزيدية، الشخصية البهائية، الشخصية المندائية، الشخصية الكونفوشيوسية والشخصية البوذية). غير أنهم صبّوا جلّ اهتمامهم على الشخصيات المسلمة. وهذا أمر طبيعي؛ لكون الإسلام دين غالبية الشعب العراقي، ثم جاءت الشخصيات المسيحية واليهودية في المرتبة الثانية. وفي هذا الصدد أفردوا مساحة واسعة للشخصيات (الإسلامية) المنضوية تحت لواء الإسلام السياسي، وميزوها عن الشخصيات المسلمة المسالمة، وحمّلوها مسؤولية ماجرى في المجتمع العراقي الراهن من أعمال إرهاب وعنف وتهجير وإقصاء وتهميش للمكونات الدينية الأخرى. وميّزوا كذلك بين اليهودي العراقي الأصيل واليهودي الموالي للصهيونية وإسرائيل وسلطة الاحتلال الأمريكي، وبين الشخصية المسيحية العراقية الوطنية والشخصية المسيحية اللاوطنية.
- ذهب الروائيون العراقيون إلى أنَّ الدين ليس وحده مسؤولاً عن اتسام شخصية دينية ما بسمات سلبية مثل: العدوانية والإرهابية والانتحارية والانتقامية والسايكوباتية وغيرها، وإنما هناك عوامل تاريخية وبيئية ووراثية وبايولوجية وعقلية ونفسية واجتماعية وفكرية واقتصادية وسياسية تشارك جميعها في تكوين هذا النمط من الشخصية وفي تكوين أنماط أخرى من الشخصيات.
- شكلت معاناة الأقليات الدينية المهمَّشة في ظل سلطة الشخصيات الإسلامية المهيمنة على الفضاء العام أحد أبرز الثيمات الرئيسة في الروايات العراقية المعاصرة، وسعى مؤلفو تلك الروايات إلى تناول قضية الأقليات المسيحية واليهودية والأيزيدية والبهائية والمندائية من وجهة نظر إنسانية، بغية رد الاعتبار إليهم وتصحيح الصورة النمطية السيئة عنهم في الذاكرة الجمعية للمسلمين بأنهم كفرة أوعبدة الشيطان فضلاً عن كونهم أنجاساً وخونة وجواسيس وعملاء للمحتل، وذلك عبر الرجوع إلى تاريخهم العريق في البلد ومواقفهم الوطنية وخدماتهم الجليلة للمواطنين دونما تمييز، وأدوارهم البناءة في المجال الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي والتعليمي والفني والرياضي والطبـي والعمراني، وتأكيد أحقيتهم في العيش على أرض آبائهم وأجدادهم.
- عبر استقراء الروايات – موضوع الدراسة يظهر لنا جلياً أنّ الشخصيات الدينية المهمّشة تتسم بالذكاء والتفوق في المجال الدراسي والمهني، ويمكن تفسير ذلك بأنه تعويض عن الشعور بالنقص والتهميش الذي تعاني منه تلك الشخصيات، ولاسيما الشخصيات التي تنتمي إلى الأقليات الدينية والعرقية في المجتمع العراقي.
- على الرغم من أن الحاجة إلى الأمان تشكل أكبر تحد أمام الشخصيات المنتمية إلى الأقليات الدينية، إلا أن الروائيين حاولوا زرع روح الأمل والتفاؤل لديها بغية تشجيعها على العدول عن فكرة الهجرة حفاظاً على الطبيعة الفسيفسائية للمجتمع العراقي، وذلك عبر تقديم شخصيات متشبثة بأرض الوطن وبمعالمها الأثرية الدينية وذاكرتها التاريخية.
- لم يكتف الروائيون العراقيون بتصوير الواقع السيء للحياة الدينية في العراق ووصف أنساقها الخطيرة مثل: (العنف، التطرف، الخيانة، الطائفية، التدمير، المنهج الأحادي، الانغلاق الديني، الإزدواجية والتكفير) وغيرها، وإنما حاولوا طرح أنساق بديلة مثل: (الحب، التسامح، التعايش، التثقيف، الفن، الإنسانية، المنهج التعددي، الانفتاح الديني) وبالإفادة من تجارب الماضي، وبذلك مزجوا بين النظرة التاريخية والنظرة الاجتماعية في أعمالهم الادبية، فقدموا منظورهم الداعي إلى تغيير الواقع وتطويره في المستقبل.
- تؤكد النماذج المقتبسة من عينات الدراسة أن اختلاف الهوية الدينية لم يشكّل خطراً على الحياة الاجتماعية والثقافية في العراق إلى أن تدخلت السياسة في الموضوع فاستغلته لغاياتها، وقد ظهر ذلك على نحو جلي منذ وقوع أحداث الفرهود التي أسفرت عن إصدار قانون إسقاط الجنسية عن اليهود في الخمسينات. ثم استمرت التدخلات السياسية في الحياة الدينية أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق والمرحلة التي تلته، إذ تفجّر النسق الطائفي فتعمّقت الخلافات بين الهويات الدينية الرئيسة والهويات الفرعية المتمثلة بالمذاهب والجماعات والاتجاهات الدينية.
- تتغير مواقف الشخصية الدينية من السلطة حسب المصالح التي توجهها. أما موقفها من المرأة فيتلخص في (الحب والشهوة)، فثمة شخصيات دينية تحب المرأة حباً حقيقياً، على حين نجد شخصيات دينية أخرى تنظر إلى المرأة نظرة الذكورة وترى فيها مجرد سلعة تباع وتشترى، ووسيلة لإشباع الغريزة الجنسية. ولا تتخذ الشخصية الدينية وحدها هذا الموقف الذكوري من المرأة، وإنما تشارك النساء المسترجلات مثل: (مجاهدات النكاح) في هذا التحويل المستمر باتجاه الذكورة؛ لأن التذكير في اللاشعور الجمعي لمجتمعاتنا هو الأصل، وقد هيمنت هذه النظرة على تفكير المجتمع فجعلت الأنثى تابعة للمذكر.
- فضحت الروايات – موضوع الدراسة رجال الدين الذين يتخذون الدين وسيلة لتحقيق مثلث الحاجات الذهبي: (الجنس، المال والسلطة) فعزت إليهم أسباب نشر ثقافة رفض الآخر وبث الفرقة والكراهية بين الناس، وذلك عن طريق استنطاق المسكوت عنه في حياتهم، وذكر مواقفهم وكشف أقنعتهم المضللة ورسم أبعادهم الداخلية والخارجية المتناقضة التي توضح حقيقتهم، وتحديد سماتهم، وتشخيص أمراضهم الجسمية والفكرية والنفسية.
- ولعلّ من أهم ماقام به الروائي العراقي في هذه المرحلة، هو توجيه الانتقاد- على لسان شخصيات دينية منفتحة ومتنورة- إلى المؤسسة الدينية التي احتكرها رجال الدين الأصوليون والمتطرفون والجهلة ممن تسببوا في تشويه سمعة الأديان والمؤمنين.
- تؤكد الرواية العراقية أن الإكراه في الدين الذي تنتهجه الشخصيات الدينية الأصولية ينتج ازدواجية في الشخصية وردود أفعال معاكسة.
وفي النهائية أهدى الباحث الكوردي ما تقدّم به الى “ضحايا العنف وبالأخص السبايا الأيزيديات والمسيحيات، وكل من يقدم الانتماء الإنساني على الانتماءات الفرعية الأخرى، ويحترم الآخر المختلف والى قناديل التنوير في ليالي الطائفية الدامسة… الروائِيَيْن العراقيَين والصديقَين الرائعين (حميد العقابي) و(سعد محمد رحيم) اللذين اختطف الموت روحهما في أوج عطائهما الأدبي، وفي أثناء كتابة هذه الأطروحة.
وكذلك الروائي والناشط المدني الجريء (علاء مشذوب) الذي دفع ثمن قول الحق بعد أن اغتاله متطرفون مجهولون أمام منزله في (كربلاء).