الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتضعف الثقة والتنافس الفظ حالة مميزة في التيار الديمقراطي العراقي : كاظم...

ضعف الثقة والتنافس الفظ حالة مميزة في التيار الديمقراطي العراقي : كاظم حبيب

ليس من واجبي، كمشارك ومتابع لنشاط ودور قوى التيار الديمقراطي العراقي، المجاملة وإسداء المديح، بل من واجبي ومسؤوليتي كمواطن عراقي أن أكتب بصراحة ووضوح وجهة نظري الشخصية، التي تحتمل الصواب والخطأ، عما يجري في الوطن ومع الجاليات العراقية في الشتات مع إبراز الجوانب الإيجابية والسلبية في مجمل عمل قوى التيار الديمقراطي الذي يفترض أن يعوّل عليه في إقامة دولة ديمقراطية حديثة تأخذ بالعلمانية في الموقف من الدين والدولة والسياسة، وبتعبير واضح فصل الدين عن الدولة والسياسة، وبناء مجتمع مدني ديمقراطي حر ومتحضر حديث. أشير إلى هذه الملاحظة لأن البعض غير القليل لا يتحمل النقد الذي لا يهدف الإساءة والتشهير أو إضعاف هذا الحزب أو ذاك في علاقته مع المجتمع وفئاته المختلفة، بل يعقد بكونه يضع الأصبع على الجرح لوقف النزيف في القوى وتعبئة كل الذين يجدون في مجمل قوى الحركة الديمقراطية العراقية موقعاً لهم ومجالاً للنضال في سبيل انتزاع الحقوق المغتصبة وتأمين استقلال وسيادة الوطن المستباح منذ عقود وإلى الآن، مع الإشارة إلى الدروس المستخلصة من تجارب الماضي في التحالفات السياسية.

كلنا يتحدث بصوت واطئ أو مسموع عن تلك المشكلات الفعلية التي تواجه قوى التيار الديمقراطي في الوطن المسلوب دون ان نتقدم خطوات إلى الأمام. وإذا كانت القوى الديمقراطية أكثر من سنتين قد حققت خطوة إلى الأمام بالقوى المتوفرة في تشكيل تقدم، تراجعنا فجأة خطوتان إلى الوراء، بحيث أصبحت لملمة القوى المتشظية أكثر صعوبة وتعقيدا. فالحركة الديمقراطية العراقية بمجملها تعاني اليوم بصورة ملموسة من: ** ضعف في الثقة المتبادلة، بل وانعدامها أحياناً كثيرة والتشكيك ببعضها، ** التنافس الفظ وغير العقلاني بين أطرافها والنزعة الفوقية في التعامل مع الآخر من جهة، والنرجسية المرضية لدى البعض الآخر رغم ضعفه من جهة ثانية، ** الرغبة الجامحة في القوى أو الأشخاص في التزعم والقيادة وتصدر المواقف، دون أن يكون هذا الطموح له ما يبرره أو له مشروعيته، ** الوقوع في فخ الانشغال بالمشكلات الذاتية والصراعات البينية ونسيان القضايا الجوهرية التي تمس واقع الجماهير الواسعة، وعدم الإحساس الكافي بنبض الشارع المتحرك والمتغير باستمرار، ** الغوص في الاختلافات المولدة للخلافات، بدلاً من التحري عن نقاط الالتقاء والتفاعل وطرح المهمات المشتركة التي تستوجبها مسيرة الحركة السياسية والاجتماعية في البلاد. هذا التشخيص للمشكلات التي تحيط بقوى التيار الديمقراطي كلها مع التباين في مستوى تأثير هذه المشكلة أو تلك على مجمل العمل أولاً، مع واقع ابتلاء جميع قوى التيار الديمقراطي كلها بهذه العلل مع وجود تباين نسبي في مدى تأثيرها على عمل ونشاط وسلوك هذا الطرف أو ذاك. وتزداد هذه الحالة السلوكية في تنظيمات القوى السياسية والمنظمات المدنية الموجودة في الخارج، التي ترتبط بهذا القدر أو ذاك بتلك القوى والأحزاب في الداخل، عمقاً وتأثيراً سلبياً على العمل المشترك لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في الخارج. وهي من حيث المبدأ نتاج لما جرى ويجري في الداخل، إلا إن لها تأثيرها السلبي على الداخل أيضاً، وتخلق لقوى الداخل مشكلات إضافية. إن هذا التشخيص لا يلغي بأي حال الجوانب الإيجابية والمشرقة لوجود وتطور نسبي ملموس ومواصلة نضال قوى وأحزاب الحركة الديمقراطية العراقية، ومنها القوى اليسارية، وتضحياتها الكبيرة في ظل الأوضاع المعقدة السائدة في العراق

ومن المناسب إثارة نقطة أخرى مهمة تتعلق بوجود رؤية سياسية خاطئة لدى بعض القوى والعناصر الوطنية والديمقراطية في الداخل، وليس كلها، مفادها نظرة غير عقلانية لأهمية القوى الديمقراطية وعموم الجاليات العراقية في الخارج والادعاء بعدم فائدتها أو تقديم دعم للانتفاضة الشعبية أو التقليل العام من دورها المفيد والضروري وتأثيرها على نضال الشعب في الداخل. وهنا لا بد لي، وكما أرى، من توضيح وتأكيد مسألة مهمة وأساسية لإزالة أي غموض عنها، هي: إن العامل الحاسم والأساسي والرئيسي في تحقيق أي تغيير منشود في البلاد هو نضال القوى الوطنية والديمقراطية، قوى الانتفاضة الشعبية بكل تياراتها واتجاهاتها الفكرية والسياسية الديمقراطية في الداخل أولاً، أما الخارج فيلعب الدور المساند والداعم لنضال قوى الانتفاضة الشعبية في الداخل والمحرك، بهذا القدر أو ذاك، للدعم السياسي والإعلامي والمالي، على محدوديته، على مستوي الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني ثانياً. إن دور الخارج يتعلق بتأمين مسألتين لا مندوحة منهما: 1) فضح النظام السياسي الطائفي والفاسد والمتعفن والمستبد القائم والكشف بوثائق وأدلة على سياساته في ممارسة العنف والإرهاب والقتل العمد للمتظاهرات والمتظاهرين، و2) الحصول على الدعم المتعدد الجوانب للانتفاضة الذي لا يجور التقليل من أهميته ولا تضخيم هذا الدور، بل وضعه في الإطار والموقع السليم لتعزيز وحدة عمل ونضال الداخل والخارج لصالح انتصار أهداف الانتفاضة الشعبية.       

إن الحراك الشبابي الذي انطلق في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019 لم يكن عفوياً تماماً كما يتحدث عنه البعض دون وعي منه لفعل التراكمات النضالية السابقة، أي لما جرى قبل ذاك في الساحة السياسية العراقية ونضال الحركة المدنية الديمقراطية في السنوات التي سبقت الفاتح من تشرين الأول وتضحياتها الغالة. وقد كتبت عن ذلك في مقالات سابقة، ولكن ما يفترض تأشيره في هذه الانتفاضة هو أن قوى التيار الديمقراطي دون استثناء لم تكن موحدة ولا متعاونة ودون أي تنسيق مطلوب فيما بينها رغم ضعفها العام وحاجتها الماسة لمثل هذا التعاون والتنسيق والوحدة النضالية، بل كانت بعد انفراط عقد “تقدم” متصارعة أو متقاطعة على أقل تقدير، وبالتالي لم يكن في مقدورها التفاعل بالقدر الكافي مع نبض الشارع والجماهير الواسعة التي كانت تغلي حقاً، وبالتالي لم تستطع تقدير الأجواء والقضايا المحركة للمواطنات والمواطنين، لاسيما الشبيبة، مما جعلها بعيدة قليلاً أو عاجزة نسبياً عن المبادرة والقيام بدور قيادي في هذا الحراك الشبابي الذي تحول إلى انتفاضة شعبية واسعة وحققت حتى الآن بعض أهدافها المعنوية بحيث أجبر البعض الكثير على القول بأن لا يمكن لوضع العراق أن يعود لما كان عليه قبل الفاتح من تشرين الأول 2019، رغم إن الأحزاب الإسلامية السياسية التي تتحدث بهذا الاتجاه أيضاً، تضمر في حقيقة الأمر وتمارس فعلاً التآمر على الانتفاضة وأهدافها من أجل البقاء في السلطة ونهب المال العام وفرض النفوذ على المجتمع من خلال ممارسة ذات السياسات المناهضة لإرادة المجتمع ومصالحه. إلا إن الحركة الديمقراطية، ومنها قوى اليسار، لم تتأخر بل بادرت إلى إعادة النظر والمشاركة الفاعلة في النضال الجاري في ساحات وشوارع العراقي بسلمية وروح عالية دون تحقيق التنسيق والتكامل المنشود.

إن الرؤية الواقعية والعقلانية تستوجب بعد التجارب السابقة من أطراف الحركة الديمقراطية العراقية وكل قوى الانتفاضة إلى التفكير الجاد بعقد لقاءات وإجراء حوارات فكرية ونقاشات سياسية معمقة حول أهمية وضرورة التفاعل والتضامن والتنسيق باتجاه إيجاد الصيغة المناسبة لوحدة النضال الديمقراطي الراغب في التغيير الفعلي للنظام الطائفي المحاصصي الفاسد والذي تلطخت أيدي قوى النظام بدماء الشعب ودموع الثكالى واليتامى، إنه الرد المطلوب والحاسم على المماطلة والتسويف والمراوغة والخداع الذي تمارسه الطغمة الحاكمة وألاعيبها في تمزيق وحدة الصف الديمقراطي وقوى الانتفاضة الباسلة. إن هذا التوجه سيجد تأثيره الإيجابي لا على تصاعد حركة الجماهير الشعبية في الداخل، وهو العامل الحاسم، فحسب، بل وسيؤثر إيجابياً على قوى وحركة القوى الديمقراطية والجاليات العراقية في الخارج.

فلا نكشف سراً حين نشير إلى إن استمرار الانتفاضة الشعبية طيلة الأشهر الخمسة المنصرمة وسقوط ضحايا كثيرة جداً من قتيل وجريح ومعوق قد رفع حتى الآن من سقف المطالب الشعبية ووسع من قاعدة المشاركين في التظاهرات في بغداد ومدن الوسط والجنوب وأجج غضبهم، كما حرك بقدر ما المجتمع الدولي لشجب النهج الدموي لحكام العراق، ولكنه في المقابل نشأ بعض الفتور والتراخي لدى جمهرة غير قليلة من أبناء وبنات الجالية العراقية بمن فيهم جمهرة غير قليلة من التنظيمات والعناصر الديمقراطية، إضافة إلى بعض الإحباط والقنوط والشك في انتصار الانتفاضة الشعبية، مما برز في قلة المشاركين والمشاركات في الفعاليات التضامنية مع الانتفاضة، وكأن تعباً أصاب هذا الحرك المطلوب والضروري في الخارج. ولا أشك في أن قلوب النسبة العظمى من العراقيات والعراقيين مع الانتفاضة ومطالبها، إلا إن هذا غير كاف بأي حال. ومما زاد في الأمر تعقيداً هو ابتعاد الكثير من الناس عن النشاطات التضامنية المشتركة وانفراد كل طرف بفعالية لا تجلب له ولا للآخرين سوى القلة القليلة. مما أضعف تأثير ذلك حتى على عملية تضامن شعوب البلدان التي يقطن العراقيات والعراقيون في بلدانهم مع نضال الشعب.

إن هذه الصراحة في الطرح لا تريد الفت في عضد المتضامنات والمتضامنين بأي حال، بل تستهدف تحقيق خمسة مسائل أساسية في الفترة القادمة:

  1. الدعوة إلى مناقشة عامة في اجتماعات واسعة لهذه الحالة بين بنات وأبناء الجاليات العراقية وتشخيص المشكلات التي تواجهها والعوامل المعرقلة لوحدة العمل لصالح الانتفاضة.
  2. طرح المعالجات السليمة التي تسهم في التجميع والكف عن التقوقع أو التمترس وراء الحزبيات الضيقة لصالح عمل عام ومشترك وتحت شعار سليم “نازل أخذ حقي” و “اريد وطن” غير مستباح.
  3. وضع برنامج عملي مشترك يتناسب مع قدرات الخارج في التحرك المنشود للتضامن مع الانتفاضة، بما فيها الصلات بمنظمات المجتمع المدني والأحزاب والهيئات الدبلوماسية والإعلام وعقد الندوات بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني عربية وغير عربية مشتركة مع أبناء وبنات الدولة المعنية. وكذلك العمل من أجل إصدار نشرة صغيرة في الخارج شبيهة بنشرة الاحتجاج-ملحق المدى- للتعريف بمجرى الانتفاضة بلغات الدول المعنية.
  4. تشكيل لجان تنسيق من ممثلي الجماعات والقوى والأحزاب الموجودة التي تطرح برنامجاً مشتركاً للعمل المشترك في كل دولة وربما لجنة مشتركة على صعيد الخارج كله لدعم الانتفاضة وتكون قراراتها خاضعة لها وليس لأي حزب أو كتلة سياسية.                     
  5. يمكن أن ينبثق عن لجان التنسيق تشخيص مسؤولين لجوانب عديدة من العمل المشترك منها مثل لجنة للإعلام، وأخرى للمالية، وثالثة للنشاط الجماهيري والحراك التضامني.

 إن هذا التوجه سيزيد من اقتراب التنظيمات المدنية من الجاليات العراقية، لاسيما الشبيبة، ويعزز اللحمة ويوسع قاعدة العمل ويعيد الثقة المتبادلة وبقدرة الانتفاضة على تحقيق المنشود من مطالب الشعب ويضعف الحساسيات والتنافس غير العقلاني. إن الحوارات والنقاشات المتبادلة هي التي تساعدنا على التقارب والتفاعل والتضامن المنشود.   

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular