بين ثورة العشرين وثورة تشرين قرناً من الزمان، تواصلت خلاله مسيرة النضال الوطني العراقي بمواجهات كبرى بين الشعب وقواه الوطنية، وبين المستعمرين والعملاء والدكتاتوريين الذين تسلطوا على رقاب الشعب، تحت عناوين ومسميات واجتهادات قادت البلد الى المجهول، وتكبد خلالها الشعب ضرائباً ثقيلة، تمثلت بفقدان اعز ابنائه وثرواته، وبالفوضى والخراب في حاضره، والضبابية لمستقبل أجياله .
لقد كانت ثورات الشعب وانتفاضاته مدارساً للوطنية الحقيقية والنزاهة والتضحية والفداء،دفاعاً عن حقوق الشعب المشروعةوالمعترف بها في كل الدساتير والقوانين المحلية والدولية، نقشت في سجلاتها أسماء الشهداء المضحين وبطولات الفرسان الميامين، الخالدين في ذاكرة شعبهم، تتردد سيرهم وافعالهم على السنة الاجيال لتبعث فيهم روح الوطنية العراقية الاصيلة، فيما سقطت اسماء وسير الجلادين والقتلة والعملاء في اعماق الوحل ومزابل التأريخ، حاملين معهم عار الخيانة والقسوة والعداء للقيم الانسانية.
هذه المعادلة الشديدة الوضوح، التي افرزتها أحداث العراق على مدى تأريخه، لم تلتفت الى دلالاتها ونتائجها النخب القائمة على القرار السياسي العراقي بعد سقوط الدكتاتورية، على الرغم من صبر الشعب الذي طال انتظاره للتغيير الحقيقي نحو نظام يحقق العدالة والمساواة والحكم الرشيد، بل اختارت نقيضه الصريح، المتمثل بالطائفية السياسية البغيضة منهجاً وبرامجاً، لتحقيق مصالحها الذاتية والحزبية في الثروات والمناصب على حساب المصلحة العامة .
ان النتائج المنشورة في التقارير الرسمية للاداء السياسي للحكومات المتعاقبة منذ 2003 تمثل صوراً للعبث السياسي، المتسبب بالخسائر الجسيمة وغير المسبوقة في الارواح والثروات والممتلكات العامة والخاصة، وترسم خارطة للخراب والفوضى الضاربة في كل الاتجاهات، على الرغم من أن هذه التقارير لاتمثل الا المعلومات والبيانات المفبركة، والمتفق على نشرها من قبل أطراف السلطة، فيما تقبع الملفات الخطيرة للفساد ونهب المال العام والتحقيقات في الاحداث الجسام تحت طاولات الاتفاقات والصفقات السرية بين الاطراف الداخلية والخارجية الفاعلة في العراق.
لمواجهة هذا المشهد الكارثي المستمر والمدمر، انطلقت ثورة تشرين الشعبية العارمة كمدرسة جديدة للنضال الوطني العراقي، لتواجه مناهج السلطة الفاسدة، تحت لافتات تؤكد ان الشعب (حي لم يمت) كما تصور الفاسدون، وأن لم يحقق انتصاره اليوم سيحققه غداً، كما انتصر في كل مواجهاته السابقة، ليعيد بناء العراق وفق اسس بعيدة عن الطائفية والعمالة والفساد، من خلال حكومة مستقلة ومؤقته، تحضيراً لانتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي جديد وعادل، ومفوضية انتخابات مستقلة ونزيهة، وتحت اشراف دولي فاعل وشامل، لتاسيس عهد جديد يكون فيه القانون (بالفعل) فوق الجميع، ليتسنى فتح كل الملفات الخطيرة والكبيرة، وأولها ملف قتل المتظاهرين، كي تستعيد الدولة هيبتها بحكم مدني رشيد يحقق العدالة والمساواة لجميع المواطنين.
المجد للشهداء .. والتحية للوطنيين الاوفياء .. والنصر لشعبنا العراقي الكريم
والعار للقتلة المأجورين والفاسدين والعملاء
علي فهد ياسين