في عصر تشابك المصالح والمصائر وعولمة الهويات الجندرية، عصرﹲ صنع بيئة مجتمعية دولية مبنية على أساس انتقاء المعلومات، والمعرفة، والاتصالات، عن طريق خلق علاقة فعّالة ومنظمة بين الإنسان والأشياء، وبين الإنسان والدولة، وبين الدولة والبيئة، وبين المجتمعات المختلفة دون النظر إلى الحدود الجغرافية أو الديانة، أو اللغة، أو الآيديولوجية، أصبحت توجهات المرأة الكوردستانية نحو الديمقراطية والسلام مسألة مهمة في تقدم المجتمع الكوردستاني من الناحية الإجتماعية والسياسية، وهي تفتح قنوات الاتصال مع المرأة في العراق ودول المنطقة لنقل خبراتها ومعلوماتها إليهن وذلك لغرض توسيع ثقافة الحرية والديمقراطية والمساواة وتحويل الفضاء المجتمعي الی ورشة دائمة وحية من الحوار والمباحثة والمناقشة والمبادلة، علی مختلف المستويات وفي مختلف دوائر المجتمع وحقوله وقطاعاته وقنواته. هذا ما يتيحه عصرنا السبراني ، عصر الشبكات الإجتماعية والإتصالات والقنوات والفضائية.
يفرحني كثيراﹰ أن أری المرأة الكوردستانية في عالم يشهد النزاعات والحروب والكوارث الإجتماعية ويتعامل مع الأفكار معاملة ماورائية مآله العودة الی الوراء والغرق في السبات، ترفع شعار المساواة، إيماناﹰ منها بالمادة الأولی من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص،“تولد الكائنات البشرية جميعها حرة ومتساوية في الكرامة والحقوق“، وهي تتسلح الیوم بإرادة تشق الجبال وتفتت الصخر لتحقيق ذاتها التي تتحدى العجز والكسر.
في المقابل أثمن جهود الرجل الكوردستاني وهو يسعی الی دعم هذا الدور الخلاق للمرأة الكوردستانية، أنه يعرف جيداﹰ بأن الطائر لايطير إلا بجناحين وأن تقدم المجتمع مبني علی رکيزتین أساستين وهما المرأة والرجل، لذا قام بکسر أغلال التقاليد الرجعية الموروثة، التي سوّغت له في الماضي ممارسة الاستبداد بالمرأة والتحكم في مصيرها وحريتها.
إن مبدأ حرية المرأة هو مقياس التطور الحضاري للديمقراطية والحرية في الإقليم والإنفتاح علی الخارج عبر الندوات والمؤتمرات النسوية، التي تهتم بالدفاع عن حقوق المرأة وتدعم الحريات الديمقراطية يعني فتح آفاق وممكنات جديدة أمام العمل النسوي وتثبيت كيان المرأة في كوردستان، فلا مجال بعد للعزلة.
نحن نعلم بأن وضع المرأة الكوردستانية وشرطها النسوي كان محكوم بظرفه الزماني والمكاني ودرجة التطور الحضاري والثقافي. ولذلك نشعر إن عملية القفز فوق هذه الظروف، تعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، وهي تشبه السباحة ضد تيار الحياة الكوردستانية العارم، لكن ما يجب أن نثبته هنا هو الدور المهم للمرأة الكوردستانية في النضال من أجل الحرية ومقاومة الاستبداد والدكتاتورية البعثية، إذ شاركت بجانب الرجل وبشكل فعلي في الساحة السياسية، وهي قطعت بعد الانتفاضة شوطاً كبيراً في التقدم.
وقد وضعت حكومة اقليم كوردستان جملة من القوانين وعدلت البعض الآخر من أجل حماية حقوق المرأة وتفجير طاقاتهن.
أما القيادة الكوردستانية فقد تعرّف عدم تطبيق حقوق المرأة والفيدرالية والديمقراطية بالخطوط الحمراء.
وفي 8 مارس عام 2005 تم الإعلان من قبل رئيس الحكومة الكوردستانية عن سياسة المساواة بين الرجل والمرأة ووضع لها آليات التنفيذ من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية. هذا القرار الصائب من قبل القیادة الكوردستانية هو الذي جعل من إسهام المرأة الحيوي في المجتمع الكوردستاني المعاصر المعتمد علی الآلة والأجهزة الإلكترونية المتطورة أن يصبح لە دلالة في روح المجتمع.
المجتمع الذي يری في الجنس المتنفس الوحيد للرغبة وفي المرأة الأنثی فقط، دون أن ترفعها الی المثل، يبقی متحجر ومغلق وجامد، يعيش في عزلته الحضارية والتاريخية.
بالتأكيد التطور والبناء الحضاري لأي مجتمع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور ثقافة ووعي المرأة ومساهمتها الفعالة بهذا البناء، ليكون المجتمع مدني قائم على أسس ديمقراطية کالمواطنة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والمبادئ الانسانية. وبتطورها الإبداعي تكون المرأة المحرك الأول الذي يدفع المجتمع الی التخلي عن الجمود في التقاليد والأفكار والمُثل.
وقد أنصف جون ستيوارت مل (1806-1873) نصير الليبرالية علی الساحة الفكرية المرأة عندما قال، بأن المرأة لاتقل عن الرجل في شيء. وهو الذي حمل علی عاتقه مسؤولية إعادة التوازن وإعادة الإعتبار للمرأة وناقش في منتصف القرن التاسع عشر قضية المرأة في كتاب تمرّدي تحت عنوان (استعباد النساء)، أدان فيه المبادیء الوضعية الخاصة التي شكلت من أجل تنظيم العلاقات بين الجنسين.
المرأة إذن هي مقياس حضاري وقلب الإنسانية وأبهج شيء في الحياة، كما يراه المعلم الكبير “كونفوشيوس“. وما علی الرجل المعادي لمساواة المرأة إلا أن يتعجل ويمتلك حريته ويكون شجاعاً ويرفع هذا الوهم الذي فرض سطوته عليه، وإفضل طريق للعلاج هو التدريب الفلسفي الاجتماعي وإنشاء علاقة صحية وحميمة مع علوم السوسيوسايكولوجي ومباحثها، إذ إن هذا سيؤدي بالتأكيد الی خفض درجة التوتر والقلق عنده والتصالح مع نفسه.
وعلی الإنسان المتحضر مناهضة الفكر الماسوجيني (ثقافة العداء للمرأة) أينما كان، من أجل إثبات الجدارة وبناء مجتمع حيّ وخلاق لا تكبحه العقائد المغلقة والنخب الفاشلة والإدارات الفاسدة والعقليات الكسولة والثقافة الفقيرة والنماذج الإرهابية القاتلة.
وختاماً: نبارك للمرأة يومها العالمي ونقول، أن المرأة الفاضلة أنفع من الرجل الفاضل، لأنها هي الأساس في تربية الناشئة الجديدة. وعلی التاريخ الإنتظار ليحفظ للمرأة رسالتها الجديدة، في عالم المستقبل الجديد، فأول الغيث قطرة.
الدکتور سامان سوراني