مرة أخرى، عاد مسلسل استهداف القواعد الأمريكية في العراق، إذ وفي ساعة متأخرة من مساء يوم الأربعاء الـ 11 من آذار/ مارس، استهدفت قاعدة التاجي العسكرية بأكثر من 18 صاروخ كاتيوشا الأمر الذي ادى إلى مقتل 3 جنود 2 منهم أمريكيون والأخر بريطاني إضافة الى اصابة 12 جندا آخر من القوات الأمريكية.
ومع عودة موجة الاستهدافات للقواعد الأمريكية من جديد ومع ثناء ومديح بعض الميليشيات العراقية لهذا الهجوم، يطرح تساؤل مفاده، هل ستشرع الولايات المتحدة بحرب مفتوحة ضد الميليشيات الموالية لإيران؟ وكيف قد يكون الرد؟ خاصة أنه وبعيد ساعة من الاستهداف شنت طائرات حربية سلسلة غارات على المليليشيات الموالية لإيران داخل كل من العراق وسوريا.
الاتهامات لفصائل في الحشد الشعبي
“المواقف الأمريكية السياسية والعسكرية تتبنى خيارات شديدة تجاه أي هجوم يودي بحياة مواطنين أمريكيين أو قوات أمريكية”
تشير كثير من الدلالات إلى أن منفذي الهجوم الصاروخي على قاعدة التاجي التي تضم قوات أمريكية وأخرى تتبع التحالف الدولي نفذته ميليشيات منضوية ضمن الحشد الشعبي وموالية لإيران، إذ يقول الخبير الأمني العراقي “خليل إبراهيم” إن استهداف قاعدة التاجي في العراق يؤشر إلى أن ميليشيات إيرانية تقف وراءه.
ويضيف إبراهيم أن مباركة بعض الفصائل للهجوم وثنيها على منفذيه يشي بأنها تقف وراءها، لافتا إلى أن الجهة التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم كانت كتائب “عز العراق”، وهذه الأخيرة لا وجود لها على أرض الواقع، ولا تخرج عن كونها ميليشيا الكترونية ليس إلا.
وأوضح إبراهيم أن المواقف الأمريكية السياسية والعسكرية تتبنى خيارات شديدة تجاه أي هجوم يودي بحياة مواطنين أمريكيين أو قوات أمريكية وفي أي مكان، وبالتالي فإن الهجوم الذي استهدف ميليشيات داخل العمق السوري في ألبو كمال وفي القائم أيضا يعد ردة الفعل الأولى، مرجحا أن يتبع ذلك رد أمريكي كبير ومزلزل وسيكون على وزن استهداف نائب رئيس هيئة الحشد وقائد ميليشيا كتائب حزب الله “أبو مهدي المهندس” عندما اغتيل رفقة سليماني قرب مطار بغداد الدولي.
أما أستاذ العلاقات الدولية “فهد الدليمي” فيؤكد على أن تواجد القوات الأمريكية في العراق كان بطلب من حكومة بغداد، وبالتالي فإن على الحكومة أن تحمي القواعد التي تتواجد فيها قوات التحالف الدولي، إذ أن أي هجوم على هذه القواعد يضر بسمعة العراق الدولية ويجعله غير آمن حتى بالنسبة للقوات الأممية أو المنظمات الدولية.
“الولايات المتحدة وبعد تجربتها في كل من أفغانستان والعراق بريا، فإنها لن تقدم على خوض معركة برية شاملة”
من جهته، وفي تصريح له قال الجنرال البارز في مشاة البحرية الأمريكية “كينيث ماكينزي” إن ميليشيا كتائب حزب الله التي تدين بالولاء لإيران هي الجماعة الوحيدة المعروفة بتنفيذها ضربات مباشرة وغير مباشرة على القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق”.
مصدر في قيادة العمليات المشتركة في بغداد، وفي حديثه لوكالة “يقين” أكد على أن الهجوم على قاعدة التاجي يحمل بصمات جماعات مسلحة سبق لها أن توعدت بمثل هذه الهجمات، إلا أن التحقيقات لا تزال جارية، وستعمل القيادة المشتركة على معرفة الفاعل.
ويضيف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن ما تم ضبطه في موقع إطلاق تلك الصواريخ هو عجلة من نوع (كيا بونغو)، وأن ما أطلق تجاه قاعدة التاجي كان 30 صاروخ كاتيوشا 107 مللم، إلا أن ما سقط داخل القاعدة 18 صاروخا فقط، بحسبه.
هل ستدخل أمريكا الحرب؟
تشير الوقائع والقرائن أن الولايات المتحدة وفي كل مرة استهدفت فيها قواعدها، فإنها تنتقم لمن ينفذ تلك الهجمات وفي أي مكان كان، إذ يقول مدير منظمة التحالف الأمريكي شرق أوسطي للديمقراطية “توم حرب” في مقابلة تلفزيونية عقب الهجوم الصاروخي على قاعدة التاجي، “إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما تتعرض له من هجمات صاروخية، خصوصا ما حدث لقاعدة التاجي العسكرية مساء الأربعاء”.
وعن قصف قواعد عسكرية تضم ميليشيات عراقية في منطقة “البو كمال” السورية من قبل الطيران الحربي وعلاقتها بالهجوم على التاجي، يعتقد “توم حرب” أن استهداف تلك القواعد لم يكن على علاقة بهجوم التاجي أو ردا عليه، بحسبه.
“الرد الأمريكي باستهداف مقرات ومعسكرات حزب الله ليل الخميس على الجمعة لن يكون الرد النهائي”
وتوقع حرب أن يكون الرد الأمريكي قاسياً وسيستهدف فصيلاً تابعاً للحشد الشعبي، لافتا إلى أن الحكومة العراقية يبدو أنها غير راضية عن الهجوم ولا علاقة لها به.
وبالفعل، وفي ساعة متأخرة من ليل الخميس على الجمعة، شنت طائرات حربية أمريكية سلسلة غارات جوية على مواقع ومقرات ميليشيا حزب الله في العراق، إذ اعلنت واشنطن أنها استهدفت جميع مقار حزب الله وأنها استخدمت الطائرات الحربية وليست المسيرة في الهجوم.
ويذهب في هذا المنحى المحلل الأمني والضابط في الجيش العراقي السابق “حسن العبيدي” الذي يرى أن الولايات المتحدة وبعد تجربتها في كل من أفغانستان والعراق بريا، فإنها لن تقدم على خوض معركة برية شاملة، ما دامت الطائرات الحربية والمسيرة تفي بالغرض.
ويعتقد العبيدي أن الرد الأمريكي باستهداف مقرات ومعسكرات حزب الله ليل الخميس على الجمعة لن يكون الرد النهائي، إذ يعتقد ان ردا أكبر سيكون خلال 7 أيام ليس أكثر، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” يخوض سباقا رئاسيا، وبالتالي، فإن عدم الرد سيكون له تبعاته على السياسة الداخلية الأمريكية.
ويشير إلى أن غالبية مقرات هذه الميليشيات كانت شبه خاوية بعد تيقنها من أن الرد الأمريكي سيكون بقصفها، لذلك يعتقد العبيدي أن الرد الأمريكي الحقيقي سيكون باغتيال قادة كبار من هذه الميليشيات وهو ما تسعى أمريكا لفعله.
وعن احتمالية شن ضربات ضد إيران، التي تتهمها الولايات المتحدة بدعم المسلحين الذين يهاجمون قواعدها في العراق، يوضح العبيدي أن الولايات المتحدة وفي ظل المعطيات الحالية والازمة الاقتصادية العالمية التي تلوح في الأفق، وفي ظل تخبط الداخل الإيراني وتبعات انتشار فيروس كورونا الواسع على أراضيها، فإن الرد الأمريكي سيكون داخل الأراضي العراقية وأنه سيستهدف فصائل بعينها من دون غيرها.
ويختتم العبيدي حديثه لوكالتنا بالتأكيد على أن قيادة العمليات المشتركة العراقية باتت في وضع محرج من تصرف الميليشيات المنفلتة، بحسبه.
وكان وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” قد غرد في حسابه الشخصي على تويتر ما مفاده “أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع الهجوم المميت الذي استهدف قاعدة التاجي العسكرية في العراق”، في إشارة إلى أن الرد سيكون قاسيا وقريبا.
“اغتيال سليماني والمهندس في الـ 3 من كانون الثاني/ يناير الماضي قد غير من معادلة رد الفعل الحكومي والسياسي”
الصحفي العراقي “عمر صلاح” وفي حديثه لوكالة “يقين” أشار إلى أن رد الفعل الذي أبدته حكومة “عادل عبد المهدي” المستقيلة ومواقف كثير من الكتل السياسية تشي بأن استهداف قاعدة التاجي قد أزعج القادة السياسيين والعسكريين على حد سواء.
وأضاف صلاح أن اغتيال سليماني والمهندس في الـ 3 من كانون الثاني/ يناير الماضي قد غير من معادلة رد الفعل الحكومي والسياسي، بعد أن أدرك الجميع ان استهداف القواعد الأمريكية قد تجاوز جميع الخطوط الحمراء التي كانت واشنطن قد حذرت من مغبة الاقتراب منها سابقا.
استهدافات متكررة للقواعد العسكرية التي تتواجد فيها قوات التحالف الدولي في العراق، في ظل مشهد معقد داخل العراق أمنيا وصحيا وسياسيا، أضيف له ترقب الرد الأمريكي على مقتل 2 من جنودها بعد أن كانت الميليشيات الموالية لإيران قد جربت ثمن استهداف القواعد العسكرية بمقتل كل من المهندس وسليماني.