يعبر مشهد صعوبة إختيار رئيس مجلس وزراء، لحكومة مؤقته أو إنتقالية، وكم المتقدمين والمتنافسين ومن يطمحون والمرفوضين، يعبر عن الهوة بين الطبقة السياسية في ما بينها من جانب، ومع جماهيرها من جانب آخر، وإنقسام الجماهير على نفسها، كأنقسام أكثر خطورة من إنقسام القوى السياسية، في حين أنه رئيس مجلس وزراء أيْ وزير أول وتحت رقابة البرلمان، والجماهير يحق لها التظاهر من مصدريتها للسلطات، فكيف اذا كانت السلطات مقسمة بين القوى السياسية دون نقاش؟!
في طبيعة الديموقراطية، تنقسم القوى وتجتمع، كمسألة طبيعية نتاج نظرية إختلاف الرأي الذي لا يفسد وداً في القضية، ولكن الإنقسام غير صحي إذا كان الإختلاف على أصل القضية، ولكن للجماهير أهداف واحدة وإن إختلفت الآراء بعدم إنسجامها مع الأطاريح والأفعال السياسية، فهي ثابتة على أصل القضية، إلاّ إذا كانت لها غايات سياسية لا تختلف عن تلك السياسية التي تعترض عليها.
ما يزال العراق يشهد جدلاً سياسياً على آلية إختيار رئيس مجلس وزراء، مناطة به مهام محددة للإعداد لإنتخابات مبكرة، تحسم الجدل حول من يكون له الأحقية بالتمثيل الشعبي، ولكن الإختلاف مرة يعبر عن مصلحة وطنية، وآخرى عن شخصية وحزبية ومناطقية وطائفية، ما جعل الأطراف تضع شروطاً تعجيزية لبعضها، وكأن الثقة تعود بشروط تعتقد أطرافها، أن لا ثقة بالآخر وأن أقسم بأغلظ الأيمان.
إقتصر الشارع السياسي المتظاهر، على مناطق شيعية بذاتها، وكأن التقصير فقط لدى من يمثلها برلمانياً وتنفيذياً، والواقع يشير الى قرار سياسي وتقصير لا يُحمل على طرف دون آخر، في حكومات بنيت على التوافقية، وفشل تكليف علاوي خير دليل على أن الحكومات لا تمرر دون موافقة السياسيين السنة والكورد، وهكذا بقية القرارات، سوى قانون إخراج القوات الأجنبية، الذي ما يزال يُشكَل عليه من أطراف رافضة له، رغم مشروعية تصويت الأغلبية، ويعتبره المعترضون تعارضاً مع المصلحة الوطنية وجاء بدوافع عاطفية.
كل التظاهرات في المناطق الشيعية، حتى في العاصمة بغداد لم تُشارك فيها مكونات آخرى، وهذا ما يؤشر الى إنقسام مجتمعي كمنعكس للأراء السياسية والتأثيرات الإعلامية، رغم أن بقية المكونات تسجل ملاحظات على طبقتها السياسية، وحال المناطق السنية هو الأسوأ، في ظل نازحين فقدوا منازلهم وأموالهم وشبابهم، نتيجة تضليل سياسي لم يعترف بشكل كامل بأصل العملية السياسية رغم وجودهم فيها، وكورد يشعرون أن الأفعال السياسية هنالك، ناجمة عن صراعات حزبية على تولي القيادة، وهذا ايضا في المناطق السنية والشيعية، لذا إعتقد السياسيون أن السلطة و الفساد يؤدي أحدهما الى الآخر.
إن الخطورة تكمن بالإعتقادات التي تجذرت في المجتمع، وإعتقدت أن المصالح الطائفية والمناطقية هي المنطلق للمصلحة الوطنية، ولكن العكس ان المصلحة الوطنية تحقق عدالة مكوناتية ومناطقية وقومية على حد سواء، وحتى المتظاهرين لم يوجهوا الإنتقاد بعد فشل علاوي، الى الأطراف التي سعت لترسيخ المحاصصة الحزبية، وجعل السطوة الحزبية منهاج الدولة العراقية.
من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الطبقة السياسية الشيعية؛ أنها قبلت بصياغة معظم القرارات بالتوافقية، ظناً منها أن التنازل لن يؤثر مستقبلاً على حقوق الأغلبية الشعبية، ولكن الواقع هو تراجع الخدمات ومعدلات الفقر والتعليم والصحة، معتقدةً على أنها الأخ الكبير والأوسع قلباً كما يسمونه، وعليها تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، ولكنها تنازلات من حقوق الجماهير دون الإمتيازات الحزبية، وهذا ما أوقع عليهم الجزء الأكبر من الفشل، بإعتبارهم يشغلون أغلب المناصب التنفيذية والتشريعية، وبذلك حصتهم أكبر في مواطن الفساد، والحقيقة أن لهم شركاء منعوا معظم القرارات بما فيها السيادية، وشكلوا بذلك عرقلة تطبيق حقيقة النظم السياسية في العراق.
الإنقسام السياسي كان وما يزال معرقل عمل الدولة العراقية، ولكن الأخطر هوالإنقسام المجتمعي، الذي سيشل الدولة العراقية، ولا إتفاق على شخصية رغم أنها جزء وليس كل العملية السياسية، وتوجيه النقد والتظاهر والإعتراض على طبقة سياسية، د