اعتاد المواطنون في إقليم كردستان الإحتفال بالمناسبات والأعياد الوطنية والقومية في كل عام حسب الأيام المحددة لها لاسيما في شهر آذار الذي يعدّ حافلاً بالمناسبات القومية للكرد ومنها ذكرى انتفاضة عام 1991 ويوم الزيّ الكردي وأعياد نوروز، إلا أن آذار هذا العام لم يكن كسوابقه بعدما تزامن مع توسع انتشار فيروس “كورونا” وتسجيل عشرات الإصابات في مناطق الإقليم.
حزمة قرارات
دفع انتشار الفيروس القاتل السلطات في الإقليم الى إصدار حزمة قرارات عاجلة واستثنائية لمنع توسع انتشار “كورونا” ولحماية الصحة العامة من أجل وقاية وضمان سلامة المواطنين في كردستان ومن بينها إيقاف الفعاليات الدينية والإحتفالات الرسمية المتعلقة بأعياد نوروز والزي الكردي وذكرى انتفاضة عام 1991.
ويأتي الإحتفال بالزي الكردي في 10 آذار من كل عام بعد إقراره من قبل برلمان الإقليم عام 2013، وتقام بهذه المناسبة احتفالات في دوائر وجامعات ومدارس محافظات الاقليم، عبر اقامة فعاليات ونشاطات ثقافية وفلكلورية وفنية رسمية فضلاً عن خروج المواطنين الى الشوارع والمناطق السياحية مرتدين الزي الكردي الرسمي بمشاركة كافة الأطياف والمكونات بالاقليم.
في حين اقتصر الإحتفال بالزي الكردي في هذا العام على الأفراد دون إقامة أية مراسم حكومية بعد إلغاء جميع الفعاليات الخاصة من قبل وزارة الداخلية في كردستان.
درء مخاطر الفيروس
ورغم أن الغاء مراسم الاحتفالات والمناسبات الدينية جاء في وقتٍ حرج لمواطني كردستان لكنه اعتبر حالة إيجابية من قبل الأغلبية من أجل درء مخاطر فيروس “كورونا”، كما تشير الى ذلك رئيس لجنة الثقافة في برلمان الإقليم سلمى فاتح، وتضيف: ان “الغاء التجمعات في ذكرى انطلاق انتفاضة عام 1991 ويوم الزي الكردي وأعياد نوروز من قبل حكومة الإقليم جاء من أجل المواطنين ونحن نمرُ بظروف إستثنائية عصيبة مع توسع انتشار الفيروس”.
وتقول فاتح في حديثها لـ”صباح كوردستان”: ان “الإقليم يقيم منذ سنوات مراسم عامة ورسمية احتفالاً بذكرى الإنتفاضة ويوم الزي الكردي وأعياد نوروز إلا أن الحكومة قررت عدم اقامة هذه المراسم في هذا العام حفاظاً على حياة المواطنين بسبب احتمالية انتشار الفيروس بشكل أكبر في التجمعات والاماكن العامة. فقط لحماية الناس وتغليب المصلحة العامة على المناسبات الهامة لدى الشعب الكردي، ولكن تبقى أرواح الكرد هي الأهم”.
محال يتيمة
واعتاد المواطنون في الإقليم التدفق الى الأسواق والمحال لشراء الأقمشة بأنواعها المختلفة مع بداية شهر آذار من كل عام لخياطة الملابس الكردية أو شراء الجاهز منها تمهيداً للإحتفال بيوم الزي الكردي وأعياد نوروز، إلا أن هذا العام اختلف الامر وبات الحزن يخيم على صدور الكرد عموماً وأصحاب محال بيع الأقمشة والأسواق خصوصاً بعد الإعلان عن تسجيل عدة حالات اصابة بفيروس كورونا وإلغاء جميع الاحتفالات والمراسيم.
وأصبحت محال الإقليم الخاصة ببيع الأقشمة “يتيمة” من زبائنها. هكذا يصفها بيستون جمال وهو صاحب محل لبيع أقشمة الملابس الكردية بوسط مدينة السليمانية.
ويضيف جمال في حديثه لـ”صباح كوردستان”: ان “المواطنين في كردستان تعودوا في كل عام أن يشتروا الأقمشة بأنواعها وأسعارها المختلفة لخياطة الزي الكردي والاحتفال باليوم المخصص له اضافةً الى عيد نوروز إلا أن هذا العام تغيّرت الأحوال ولم يكن الإقبال على شراء الملابس الكردية واسعاً مثل الأعوام السابقة”.
وتكونُ عادةً نسبة إقبال النساء على شراء الأقمشة والملابس الكردية مع بداية شهر آذار في كل عام أكثر بكثير من الرجال ويصل أسعار البعض منها الى أكثر من ألفي دولار أمريكي، بحسب جمال، مبيناً ان “اقبال النساء على الملابس في هذا العام تراجع في السليمانية الى 25% مقارنة مع الأعوام السابقة”.
مسحة من الحزن
وتعتبر المناسبات الوطنية لدى الكرد تعبيراً عن الشعور بحب الوطن، وتزدهر بازدهار البلد لتضفي عليه مسحة من روح الانتماء. كما يقول ذلك الأستاذ في جامعة السليمانية الدكتور بهروز جاف، مضيفاً ان “الاحتفال بالأعياد والمناسبات القومية والوطنية مثل يوم الزي الكردي وأعياد نوروز وذكر انتفاضة 1991 تدخل المحبة والسرور في روح المحتفلين”.
ويعلق الأستاذ الجامعي على قرار إلغاء المراسم هذا العام قائلاً: ان “حالات البلاء، كالكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة، تضفي على البلد، وعلى أبنائه، مسحة من الحزن تبعده عن أجواء الاحتفال وعند انتشار الوباء، هناك اجراءات وقائية لابد من تنفيذها والإلتزام بها، حتى لو تطلب ذلك التضحية بكثير من التقاليد والمكتسبات الوطنية، لان المصلحة تقتضي حفظ أرواح المواطنين كونهم زاد هذا الوطن وأساس بقائه”.
تحدّي مخاطر “كورونا”
للزي الكردي مكانة خاصة باعتباره رمزاً قومياً ووطنياً لدى الكرد لايمكن إلغاؤه أبداً مهما اشتدت الظروف وازدادت المصاعب، ويمكن استذكار السنوات الخمس الماضية كيف كان يحتفل الشعب الكردي بأعياد نوروز ويوم الزي الكردي رغم الأزمة الاقتصادية، بحسب الصحفية هاژه باسط التي تقول: “الأمور اختلفت هذا العام مع اعلان عطلة رسمية في جميع الدوائر والمؤسسات والجامعات والمدارس بسبب كورونا ما جعل الإحتفال بهذه الأعياد غير مناسب في الوقت الحالي”.
وتؤكد الصحفية الكردية في حديثها لـ”صباح كوردستان” ان “الكثير من العوائل تحدّت مخاطر كورونا وخرجت بالزي الكردي الى الاماكن الترفيهيمة والمنتجعات السياحية احتفالاً بهذه المناسبة، ولم يخلو بيتٍ من بيوتاتنا إلا وارتدى نفراً منه الزي الكردي هذا إن لم يكن أفراد العائلة كلهم وخصوصاً النساء”.
منذ 29 عاماً
ولم يتعوّد المواطنين في محافظة دهوك عدم الإحتفال بيوم الزي الكردي في 10 آذار من كل عام وذكرى الانتفاضة وأعياد نوروز منذ أكثر من 29 عاماً رغم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي حلت بالإقليم عموماً والمحافظة خصوصاً لكن مخاطر فيروس كورونا دفع الى عدم الاحتفال بهذه المناسبات مثل الأعوام السابقة. كما تذكر ذلك المراسلة التلفزيونية في دهوك سرى اياد.
وتضيف اياد في حديثها لـ”صباح كوردستان”: ان “عدم الإحتفال بيوم الزي الكردي وأعياد نوروز في هذا العام خفف من وطأة الاصابة بالفيروس في دهوك لاسيما مع قدوم الاف السواح من المحافظات الأخرى الى المحافظة سنوياً وازدياد الإختلاط”.
من الجدير بالذكر ان الإحتفال بالزي الكردي اقتصر لدى أهالي دهوك وباقي مدن كردستان في هذا العام على ارتداء الزي داخل المنازل مع خروج نسبة قليلة من المواطنين الى الاماكان والمناطق السياحية فقط دون اقامة أي مراسم أو تجمعات رسمية.
صلاح حسن بابان