ميرزا الدناني يحذر : لا ترموا الأحجار في البئر الذي تشربون منه.
رسالة هامة يوجهها الدكتور ميرزا الدناني الى ابناء الجالية الايزيدية في المانيا
نداء عاجل وهام الى أبناء الجالية الايزيدية في ألمانيا
أيها الأحبة،
لا يخفى عليكم أن ألمانيا أصبحت الموطن الثاني للمجتمع الأيزيدي، حيث يعيش أكثر من مئتي ألف، وجدوا هنا حريتهم وإحترامهم وتقديراً لهويتهم وفق معايير حقوق الإنسان. لا يحاسبهم أحد على أفكارهم وعقيدتهم الدينية والسياسية والإجتماعية التي كفلها الدستور. ومعلوم أيضا، إن إستمرت التعقيدات والاضطهادات في بلادنا وإستمر الظلم والكراهية ضد شعبنا في العراق، فقد يصبح هذا البلد بمرور الزمن أكبر تجمع سكاني للأيزيديين في العالم.
ولهذا يهمني كثيراً أن أنقل لكم بأمانة بعض التداعيات الخطيرة التي تحصل في المجتمع بشكل عفوي أحياناً، قد لا تكون مقصودة لكنها لا تلائم الجو الديمقراطي والحريات التي كفلها الدستور الألماني. ولهذا السبب فإن سلبياتها خطيرة جداً على أبناء مجتمعنا بشكل عام. وعلينا الانتباه لها قبل أن نخسر الكثير.
وواحدة من هذه الأمور تداعيات زواج إبن السيد أوصمان كودن في وسائل التواصل الإجتماعي. هذا الحدث الذي أعتبره مجرد قرار شخصي بسيط متعلق به فقط، لا يؤثر على مستقبل ولا هوية الايزيدية. كما أن هناك مئات الحالات مثله، لكن لم يتم إثارة ذلك بهذا الشكل ولم تصل الى درجة تهديده وتهديد عائلته بالقتل. فمن يرفض مثل هذه الحالات يستطيع ان يقاطعهم ويتجنب التعامل معهم، لكن ليس من حق أي واحد منا التدخل في خصوصيات الاخرين في ظل دولة ديمقراطية يحكمها القانون الذي يحفظ حرية الدين والمعتقد والفكر والانتماء والتعبير.
أيها الأحبة
أن سبب مخاطبتي لكم هي إتصال خطير وردني اليوم من السلطات الالمانية الرسمية التي وصلتها نسخ من مواقع فيسبوك ومقاطع فيديو وتعليقات من أشخاص ايزيديين يهددون عائلة السيد اوصمان كودن بالقتل والاعتداء بسبب فعلته. حيث أبدت السلطات الالمانية قلقها من إحتمالية قيام بعض الايزيديين بأعمال انتقامية او محاولات ارتكاب جريمة قتل او إعتداء جسدي بحق هذه العائلة التي طلبت حماية الدولة خوفاً على أرواحها. والحقيقة حاولت أن أوضح للجانب الألماني، أن التفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي ليس جدياً وإنما تعبير عن رفض شفهي، ولا يعني أن أي شخص سوف يقوم بأي عمل أحمق ضد عائلة كودن، ولا أعتقد أن أي إنسان سيقوم بأية جريمة تذكر. كما أننا جميعًا معرضون للتهديد بالقتل أو الإهانات والشتائم، لكن المجتمع بشكل عام مسالم ولا يتجاوز حدود الفيسبوك ولا يتجاوز حدود “فش خلق”.
ولكن رأي الدولة الألمانية صريح وجدي، حيث قالوا: “نحن نحترم الخصوصية الدينية الايزيدية، ولا نريد التدخل وأي شئ تقبلون او لا تقبلون في دينكم. فمن حقكم أن تناقشوا هذه الأمور فيما بينكم ومن حقكم ان تقاطعوا التعامل مع إنسان يخالف تقاليد مجتمعكم، لكن ليس من حقكم فرض هذه التقاليد بالقوة على أي فرد، لأن الدستور الألماني يحفظ كل الحريات. ومهمتنا هي منع ارتكاب الجرائم بحق هذا الانسان. كما ان مهمتنا هي إحالة هذه التهديدات واصحابها إلى المدعي العام لمحاسبتهم جنائياً”.
أيها الأعزاء،
خطورة هذا الموضوع ليس خوفي من جر بعض الأشخاص إلى المحاكم بسبب فيديو أو تعليق في الفيسبوك، واتهامهم بالتحريض أو جريمة التهديد، فكل إنسان يتحمل مسؤولية تصرفاته قانونياً. لكن الخطورة هي الإساءة الكبيرة لسمعة الإيزيدية. فمثل هذه التصرفات توحي أننا شعب يختلف عن تعاليم ديننا المسالمة وتجعل الأوروبيين يعتقدوننا مجرد طائفة متخلفة تمارس العنف ضد أبناءها بدل اللجوء الى القانون والوسائل الديمقراطية للتعبير عن الرأي، وبذلك لا تختلف عن غيرها من شعوب الشرق الأوسط المتخلفة التي تقتل الناس بإسم الدين والمذهب والقومية. والخطورة الأكبر أن مثل هذه الأفعال سوف تحرم عليكم آخر عش آمن لجأتم إليه لحماية مستقبل أطفالكم وحماية هويتكم من الضياع. هذا المكان الذي تشعرون فيه بحماية كرامتكم.
لهذا رجائي من كل شخص قام بتهديد السيد اوصمان وعائلته، أن يمسح تعليقه او رسالته أوالفيديو، وإذا أراد فهو يستطيع ان يعبر عن رفضه بطريقة ديمقراطية وحضارية دون توجيه كلمات تهديد بالقتل أو شتائم أو إهانات، فهذه لن تنفعه ولن تنفع مجتمعنا أيضًا.
ودعوني أقول لكم ختاماً وبصراحة، من خلال خبرتي المتواضعة في هذا البلد منذ ربع قرن، أن قرارات الإقامة واللجوء ومنح الاعتراف ليست مجرد قرارات إنسانية، لأنها لا تصدر عن المحاكم، بل قرارات سياسية بإمتياز تخضع لدراسات دقيقة تعدها وزارة الداخلية والدائرة الفيدرالية والجهات المختصة، وهي التي تحدد فيما إذا كانت هذه الفئة أو تلك تصلح أن تحصل على حق الحماية أم لا. فحتى لو كان هناك مراعاة للظروف الإنسانية لمجموعة ما للبقاء المؤقت، فالتحليل السياسي والاستراتيجي هما العاملان الأهم في إمكانية القبول أو الرفض الدائم…
فلا ترموا الأحجار في البئر الذي تشربون منه.
ميرزا دنايي
فاتلينكن ١٧ مارس ٢٠٢٠