لا تتردد الولايات المتحدة في الاعتراف بأنها تخوض في الوقت الحاضر حرباً مع إيران وكوريا الشمالية؛ فالعقوبات التي تفرضها على هذين البلدين دليل واضح على هذه الحرب التي لها آثار مدمرة تفوق في تأثيراتها الحرب العسكرية التقليدية.
وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، سبق أن أكد في تصريحات لقناة “CNBC” الأمريكية، ديسمبر الماضي، أن عقوبات بلاده على إيران وكوريا الشمالية هي “بديل عن الحرب”.
وقال إن بلاده “ترى في العقوبات بديلاً عن الخيار العسكري، وتجدها مجدية”.
واشنطن فرضت عقوبات على طهران، في أغسطس 2018، عقب قرار الرئيس دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع طهران، الذي تم التوصل إليه عام 2015.
أقصى ضغط
وتمارس الولايات المتحدة حملة “أقصى ضغط” على إيران من أجل إجبارها على الجلوس إلى الطاولة والتفاوض على اتفاق أشمل يتناول أنشطتها النووية وبرنامجها للصواريخ الباليسيتية، وأنشطتها الإقليمية التي تقول واشنطن إنها “مزعزعة للاستقرار”، بينما تنفي طهران ذلك.
ويعتبر دونالد ترامب أكثر الرؤساء الأمريكيين استخداماً لسياسة الحصار والعقوبات ضد الدول.
ويسير ترامب في سياسته تلك على خُطا أسلافه في البيت الأبيض، وقد خط لهم هذا النهج وودرو ويلسون، الرئيس الـ28 للولايات المتحدة، الذي تولى الحكم من عام 1913 إلى 1921.
واشتهر الرئيس ويلسون بقوله: إن “الأمة التي نقاطعها هي أمة على وشك الاستسلام”، وتأكيده بالقول: “طبّق هذا العلاج الاقتصادي والسلمي الصامت والمميت ولن تكون هناك حاجة لاستخدام القوة، إنه علاج رهيب لا يكلف حياة خارج الدولة التي تقاطعها، لكنه يفرض ضغوطاً عليها، وفي رأيي أنه لا توجد دولة حديثة يمكن أن تقاوم”.
العراق المثال الحي
من أقرب الأمثلة على تأثير الحصار الذي يفوق تدميره ما تفعله الحروب هو ما حصل في العراق.
هذا البلد حين خاض حرباً لثمانية أعوام مع إيران لم يكن يعاني شعبه من فقر وجوع وأمراض ومشاكل عديدة مثلما حصل حين فرضت عليه الأمم المتحدة وأمريكا وحلفاؤها عقوبات اقتصادية؛ بعد غزوه الكويت في العام 1990.
وتسببت العقوبات تلك في إلحاق أضرار اقتصادية وإنسانية وصحية وتعليمية بالغة بالعراقيين.
ووصفت تأثيراتها بالكارثية في المجالات الإنسانية، حيث أدت إلى وفاة أكثر من مليون ونصف من العراقيين، من بينهم نحو نصف مليون طفل، وحرمت العراقيين لأزيد من عقد من الزمن من الحصول على حاجاتهم من الغذاء والدواء.
قانونية العقوبات
تمثل المادتان 39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة الإطار القانوني الذي تستند إليه الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديداً في فرض عقوبات اقتصادية على دول معينة.
فوفقاً للمادة 39؛ يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
وتنص المادة 41 على أنه لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب من أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير.
ويجوز -بحسب المادة نفسها- أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية.
قوة الولايات المتحدة التي تنامت منذ الحرب العالمية الثانية، وقوة نفوذها التجاري والمالي -بحسب مختصين- مكّنتها من امتلاك سلاح العقوبات الاقتصادية على دول أخرى تختلف معها في المصالح، وباتت تستخدم هذا السلاح سواء من جانب واحد أو عبر التحشيد الدولي لإقراره من خلال المنظمات الدولية، لا سيما الأمم المتحدة.
ومن خلال حرمان الدولة المستهدفة بالعقوبات من قروض التوريد والتصدير البنكية، والحظر التجاري، وحظر التحويلات المالية، والحرمان من الحصول على قروض من المؤسسات المالية الأمريكية، وكذلك الحرمان من الاستثمار في الأصول الأمريكية.
ولكون العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة من جانب واحد على دولة معينة أقل فاعلية من العقوبات الاقتصادية المتعددة الأطراف تلجأ واشنطن إلى فرض عقوبات من جانب واحد على دولة أو شركة تتعامل مع الدولة المعاقَبة اقتصادياً؛ فتتحول العقوبات بهذه الطريقة من محض أمريكية إلى دولية.
وقد أنشأت الولايات المتحدة خصوصاً لهذا الغرض قانوناً، في مارس 1969، أسمته قانون هيلمز-بيرتون.
“كورونا” يثقل جراح الإيرانيين
على الرغم من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على الشركات والدول التي تتعامل مع طهران؛ ما زاد من نزيف الاقتصاد الإيراني، لكن الحكومة الإيرانية لم تستجب للإدارة الأمريكية، إلا أن فيروس كورونا كانت له الكلمة الفصل في هذا الجانب؛ حيث باتت إيران من بين الدول التي تتكبد خسائر كبيرة، بشرية واقتصادية، نتيجة تفشي الفيروس في البلاد.
على إثر ذلك حث الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأمريكيين على مطالبة حكومتهم برفع العقوبات.
وقال روحاني في رسالة نشرها الإعلام الرسمي، مساء الجمعة (20 مارس الجاري): “تسببت عقوبات الحكومة الأمريكية بفقدان كثير من المواطنين الإيرانيين لصحتهم ووظائفهم ودخلهم”.
وأردف: “حان الوقت لأن يطالب الشعب الأمريكي الحكومة الأمريكية بصوت عالٍ.. وألا يسمح بأن يزداد التاريخ الأمريكي سواداً”.
وقبل أيام من رسالة روحاني قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إن فيروس كورونا كشف للعالم حقيقة العقوبات الأمريكية على إيران التي أصبحت بموقع أضعف وغير قابل للمقارنة مع بقية الدول في مكافحة الوباء.
وقال ظريف برسالة عبر الفيديو: إن “سلب حق الحصول على الأدوية والأغذية يضع إيران في موقع أضعف وغير قابل للمقارنة مع بقية دول العالم في مكافحة فيروس كورونا”، وأضاف: “كورونا كشف للعالم حقيقة العقوبات الأمريكية الجائرة على بلادنا”.
وفي آخر حصيلة للفيروس في إيران بلغت الحصيلة الإجمالية للوفيات، حتى الاثنين (23 مارس الجاري)، 1812 حالة وفاة، في حين بلغ عدد المصابين 23049 حالة إصابة، بحسب وكالة “رويترز”.
وتعد إيران بؤرة لتفشي فيروس كورونا في منطقة الشرق الأوسط وغربي آسيا.