الجمعة, نوفمبر 29, 2024
Homeمقالاتالحُب - العِشْق - الهيام : بيار روباري

الحُب – العِشْق – الهيام : بيار روباري

إختلف الناس حول تحديد درجات الحب، البعض صنفه إلى تسع درجات، والبعض الآخر صنفه إلى ثمانية درجة. أنا أصنفه إلى ثلاثة درجات هي: الحب – العشق – الهيام. وسأتوقف عند كل واحدة منها على حدا بالتفصيل، كي نتعرفه عليها ونرى الفرق بينهما. ومن وبعدها سأمر على التسميات الأخرى، التي أعتبرها محطات في هذه المراحل الثلاثة.

 

بدءً كلمة الحب في اللغة العربية تحمل معانٍ عديدة، حيث يُمكن اعتبارها كلمة عامة، تختصر في نفسها عدة معاني. فقد ذكرت معاجم اللغة العربية، أن كلمة الحُب مأخوذة من كلمة الحِبة، وهي التي تُشير إلى اسم بذور تنمو بالصحراء. والسبب في تسمية الحِب حُباً؛ لأنه لباب وأصل النباتات، والحب أصل ولباب الحياة. ومنها إشتق كلمة الحب أي من كلمة حُباب، وهو الذي يعلو الماء عند المطر الشديد، وهذا يدل على غليان القلب، وكثرة ولعه للقاء المحبوب.

هناك عدة أسس لنجاح أي حُب حقيقيّ وإستمراره، ومن هذه الأسس:

– الإنسجام الجنسي.

– الاحترام المُتبادل.

– الإخلاص والوفاء.

– التسامح والتضحية.

– التقارب الفكريّ، والإجتماعي، المادي والعلمي.

– إحترام خصوصية الأخر.

– النظافة الشخصية والصحة البدنية.

– الصدق واللباقة والكرم.

 

في حال عدم توفر هذه العناصر أو الإسس، لا يمكن أن يكون هناك تفاهم بين الطرفين، وأن يستمر العلاقة بين المحبوبين وسينتهي الحب بعد فترة قصيرة. وقد يتسأل البعض: لماذا وضعت الجنس كأول شرط؟

الجواب:

ثمانين بالمئة (80%) من المشاكل بين الرجل والمرأة، حسب أكثرية الدراسات والبحوث التي أجريت على المستوى العالمي، مصدرها الفراش أي الجنس أو النكاح بالفصحة. والعنصر الثاني من هذه العناصر أيضآ مهم وبنسبة كبيرة، لأنه لا يوجد حب من دون كرامة. فكرامة المرء وحريته فوق كل شيئ، بما فيه الحب.

 

 

وقبل الحديث عن الحب ودرجاته، لا بد أولآ من التوقف عند أمر مهم للغاية ألا وهو: هل نحب بعقلنا أم بقلبنا؟ وأي واحدٍ منهما مركز الحب؟

 

الكثيرين منا يعتدقون أن مركز المشاعر هو القلب، ولكن هذا خطأ جسيم يقع فيه البعض منا. حيث أن القلب ليس سوى عضلة ووظيفتها ضخ الدماء في جسم الإنسان، وهو عمليآ مضخة أو متور، لا أكثر ولا أقل،. ولا علاقة له بالمشاعر الإنسانية قط.

 

كيف وقع الإلتباس، وأصبح القلب رمزآ للحب؟

إعتقد الناس قديمآ بسبب قلة الوعي والتطور العلمي، أن القلب هو مركز المشاعر، وسبب هذا هو إرتفاع نبضات القلب، عندما يميل المرء لشخص أخر أي ينشد إليه عاطفيآ. وبسبب عدم الوعي هذا إختلط الأمر عليهم، ونسوا أثناء تعرض الإنسان للخوف، أيضآ ترتفع ضربات قلبه، وأثناء فرحه الشديد يحدث ذات الشيئ. وبناءً عليه إتخذ القلب رمزآ للحب. لكن العلم أثبت وبشكل قاطع لا شك فيه، أن الدماخ هو مركز المشاعر والأحاسيس جميعها، فرحة وحزينة.

 

عندما نلتقي بشخص فيه أو فيها صفات معينة، تنساب أو قريبة من صفاتنا، نشعر بالميل اليهنحوه أو نحوها، ويقوم الدماغ بافراز مادهة كيميائيه تبعث على الشعور بالفرح، وتؤثر على مراكز الهرمونات بالجسم. وهذه المراكز بدورها تقوم بافراز هرمونات تشبه الأدرينالين، مما يسبب إحمرارآ في الوجه ويتسبب عرق اليدين وسرعة التنفس، وزيادة في ضربات القلب، كل هذا معآ يمنحنا الشعور بالسعادة.

 

يقطن الحب أساساً في المخ ككل، ولكن هناك بعض الأجزاء في مخ الإنسان، هي التي يقع فيها الجزء الأكبر من التصرفات والذكريات حلوها ومرها، حيث إن الفص الوجدي من المخ هو لالذي يختزن جميع الذكريات والانفعالات الوجدانية الحلوة منها والمرة والحزينة. 
 
أما الفص الأمامي من المخ فهو المسؤول عن التفكير والمعرفة وتصرفاتنا والعقل والرصانةأيضاً. ويستقبل المخ أساسا عن طريق العين التي منها توزع كل ما نراه إلى فصوص المخ خصوصا الفص الوجدي والفص الأمامي، وذلك بعد أن تمر على الفص الخلفي من المخ المسؤول عن إدراك وفهم هذه الصور وعندما ينفعل المخ بما رآه يبعث إشارات مختلفة إلى جميع أجزاء الجسم، ولكن بدرجات متفاوتةفمثلا يرسل إشارات إلى العضلات أو اليد لتحية من يحب وإلى القلب ليزداد نبضه بقوة أو إلى الأوعية الدموية بالوجه ليقول لها إن هذا هو المحبوب. وإشارات المخ المرسلة هذه إلى عضلات الجسم أغلبها يذهب أتوماتيكيا إلى القلب والغدد العرقية واللسان وباقي الأعضاء، دون القدرة على التحكم الكامل في هذه الإشارات.

 
مما سبق نجد أن القلب ليس له علاقة بالحب كما يدعي العامة، ولكنه مظهر وأداة من المظاهر والأدوات التي يستخدمها المخ لإظهار الحب في الجسم، وقد يقول العامة إن العين والأذن تعشقان قبل القلب أحياناً. هذا حقيقة، لأن المخ الذي مركز الأحاسيس والعواطف، يستقبل الإشارات الصوتية والمرئية عن طريق الأذن والعين. ثم يتأثر بها ثم ويظهر تأثيرها على القلب أي أن العين هي المستقبل قبل القلب ولكن العين لا تحب، بل المخ هو الذي يحب. والحب باللغة العلمية النفسية ” السيكولوجية ” هو انعكاس شرطي، أي يتولد الحب بين شخصين، إذا أحسن أحد الشخصين المعاملة، وتقرب بلطف ومودة إلى الآخر بصفة.  
 
وقد ينهار الحب أيضاً بالانعكاس الشرطي أي أنه إذا أساء المحب المعاملة بطريقة جافة مستمرة يتهدم هذا الحب الكبير، والدليل على ذلك أن كثيراً من المتزوجين الذين كانوا يحبون بعضهم حباً أشبه بحب العبادة. ثم إفترقوا وإنفصلوا لأن الحب لم يجد ما يغذيه من المودة والمعاملة الطيبة الدائمة

 

بعد هذه المقدمة الضرورية، حان الوقت للحديث عن الحب ودرجاته.

 

الحُب

الحُب يعني مَيل شخص ما إلى شخص آخر. وهذا المَيل يسمى “بالحُب”الحُب عمليآ هوعملية تصور أو تخيل، التي من خلالها يرتفع الحبيب أوالحبيبة، في وعي وعين المحب إلى حيز أعلى من الوجود الفعلي. والحب بطبعه أحادي النحو. ماذا نعني بذلك؟ نعني بذلك أن المحب لا يستطيع أن يحب أكثر من شخص واحد مرة واحدة. والحب عادة يكون من طرف واحد، ولكن هناك حالات يكون الحب فيه متبادل بين طرفين أي بين رجل وإمرأة.  الحب حالة عاطفية وينطبق في الأغلب، على الشباب وبنت الجيران، أو الطالبة في المتوسطة وزميلها، أو أحد أقربائها، والحب بشكل عام لا يدوم طويلآ.

 

العِشْق

العشق هو أحد معاني الحُب، وتعني في اللغة الحُب المُفرط. وهي مُشتقة من عشِق، يعشَق، عشقاً فهو عاشق. وعندما يقال عشق فلانٌ فلاناً هذا يعني: أنه أحبهُ حُباً شديداً وتعلَّق به، ويشتدُّ الحب في قلب المُحِب ويكثُر، لكنه يبقى أضعف بقليل من درجة الهيام، كما أنهُ ممزوجٌ بِنوعٍ من الشهوة والإعجاب الشديد جداًكما أن هذه الكلمة تدل على الحُب الأعمى، الذي يطغى على صاحبه، فهو يستهلك نفسيته ووجدانه.

بكلام بسيط وموجز العشق هو الإنتقال من الحالة العاطفية التصورية، إلى الحالة الواقعية التفاعلية. حيث أن العشق حثي، أي محثوث وفيه تناغم جثماني (فيزولوجي) مع الجزء العاطفي. وهو أطول من الحب وأقوى وأرسخ. كما أن العشق تفاعلي النحو، ولا يمكن أن يفكر العاشق بشخص أخر، لأنه وصل إلى حالة الإكتفاء.

 

الهيام

كلمة الهيام في اللغة هي مصدر مُشتق من الفعل هامَ يَهِيم، ومعناها الجنون من العشقوتطلق هذه التسمية على أعلى درجات الحُب وأشدها، وهي تدل على المرحلة التي يصل فيها المُحب إلى الجنون

من كثرة العشق، فيتطور حبُه ويزداد، فتشتعل نار العشق في قلبه مما يؤدي إلى ما يُسمى بـ”الهُيام”وهذه هي المرحلة النهائية من الحب، فتكون الأكثر اكتمالاً وقوةً على الإطلاق.

بكلام أخر الهيام هو، تخطي مرحلتي التصور والتفاعل الجسدي، والإنتقال إلى درجة أعلى وتسمى بالهيام، والتي عمليآ تعني تشبع المحبوب بالحبيبة أو العكس، ولم يعد يرى في الحياة شيئ أخر سواه.

الهائم، يتعدى المحبوب كشخص ويعيش الحالة نفسها وتعود الحالة هي الأهم في نظره. لأن في نفس الهائم يلتقي العالم السفلي مع السماوي، وبالتالي هو ينظر إلى ذاته في هذه الحالة، لا إلى الحبيب أو المحبوبة.

 

أسماء الحب:

 

1- الهوى:

الهوى هو أولى درجات الحب، ويتمثل الهوى في الحب الذي يعيشه المراهقون بسبب الهرمونات في أجسادهم، فيتولد لدى الشخص انجذاباً للطرف الآخر ورغبةً رومنسية جديدة عليهويكون الحب عابراً في هذه المرحلة، فقد ينمو الحب بوتيرة سريعة، أو يموت ويزول تماماً بشكلٍ سريع أيضآ. 

2- الصًّبوة:

مرحلة الصًّبوة هي ثاني درجات الحب وتلي الهوى مباشرةً، فيها تكون هنالك ود متبادل بين الطرفين، وهذا يدل على رغبة الإنسان الشديدة في شخص آخر، مع الحفاظ على ضبط النفس وربما المغازلة في بعض الأحيان، تكون الجاذبية للحبيب كبيرة في مرحلة الصًّبوة، لكن ذلك لا يعني أن هنالك علاقة حب رسمية قد نشأت.

 

3- الشغف:

الشغف هو حالة من التوق الشديد للتوحد مع الحبيب، وتكون مشاعر الشخص وسلوكياته عاطفية بشكل كبير، حيث يسعى إلى الحب المتبادل والإتحاد مع الشريك لإشباع عاطفته الشخصية. وتعلق الشخص هذا نابع من أعماق قلبه، لذا يتمسك بالشريك لدرجة كبيرة قد تصل إلى التبعية أحياناً. 
 
4- الكَلَف:

تسمى رابع درجات الحب بالكَلَف، وهي عندما يكون الحب شديداً، ويصل إلى حد إيذاء الشخص الذي نحبه، ونسبب له المعاناة. هذا القدر الكبير من العشق، قد يتسبب بردود فعل جسدية عنيفة أحيانآ، ويكون المُحِب مفتوناً بالشريك بشكلٍ كبير.

 

5- العشق:

العشق يعني أن الإفتتان بالحبيب وصل إلى مرحلة متقدمة، حيث يشعر الشخص بأن المشاعر تسيطر عليه بشكل كامل، وفي هذه المرحلة تكون العواطف جميلة للغاية، حيث يرى المحب حبيبه في صورة جميلة، وخالي من العيوب، وبكلام أخر يصاب بالعمى تجاه الحبيب أو الحبيبة.

 

6- النجوى:

في مرحلة النجوى يكون الحب شديداً لدرجة الحزن، يحتاج الشخص للحبيب بطريقة تُشعِره بالألم، وبأن مشاعره ميؤوس منها. والوصول إلى هذه الدرجة من الحب، يجعل الطرفان منفتحان بالكامل نحو بعضهما البعض، ويخوضان في محادثات عميقة يشرح كل منهما، الضعف الذي يشعر به تجاه الآخر، ويعود معنى الكلمة إلى الخلاص والمناجاة. 
 
7- الوُد:

بعد مرور المحبين بالحزن والضعف والألم من حبهما، يصبح كلاهما قادراً على التعبير عن أنقى أشكال الحب وإظهار الرفق الحقيقي للشريك بعد كل المعاناة والألم اللذان مرا بهما. هذه المرحلة عادة مليئة بالرقة والوداعة تجاه الحبيب، حيث أن الحبيبان قد تعلما مواجهة الضعف وحماية حبهما وأنفسهما. 
 
8- الهُيام:

أعلى درجات الحب وأكثرها اكتمالاًوالبعض يسميها الجنون، حيث يشعر الشخص بالحرية الكاملة في الجنون والمشاعر اللامنطقية والغير عقلانية التي يعيشها، وهي نتيجة المرور برحلة طويلة من الحب، يمنح الشخص كل عواطفه للحبيب في هذه المرحلة، أما الدلالة المجازية لكلمة هُيام فهي تعني الموت، وهذا يعني أن العشاق يصلون إلى الهلاك في السعادة والنعيم بعد العثور على الحبيب وتجاوز جميع مراحل الحب سوياً.

 

أختتم موضعنا هذا بالتساؤل التالي: من أين ينبع العشق يا ترى؟ إن كنت تريد سماع رأي الشخصي، فأنا أميل إلى الإعتقاد التالي: “العشق مسٌ سحري سماوي، منبعه الفضاء وهو بشكل من الأشكال قضاء وقدر ليس لنا فيه أمر،  فيغزو أجسادنا ويسكنها لفترة من الزمن، ومن ثم يغادرها، كما يغادر الندى وجه الزهر وخدها النضر”.

 

15 – 03  2020

 

===============================================================

المراجع:

1- تعريف ومعنى الحُب في قاموس المعجم الوسيط.

قاموس: عربي – عربي.

المؤلف: مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

 الناشر: مكتبة الشروق، القاهرة

سنة النشر: 2012، الطبعة الخامسة.

 

2– درجات الحب في اللغة عند العرب 
مقالة للدكتور نور الدين منى.  
http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=196590

 

3- تعريف ومعنى عشق في معجم المعاني الجامع.

معجم: عربي – عربي. 
 
4- تعريف ومعنى الهيام في معجم المعاني الجامع.

 

5- الحُب والزواج في المجتمع العربي.

ديوان العرب  بقلم حاتم جوعية.

www.diwanalarab.com

 

6- فقه الحب.

الكاتب: د. يوسف زيدان.

دار النشر: الرواق  مصر.

الطبعة الأولى: عام 2015

 

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular