حكايات كليلة ودمنة من السفر العظيم في الأدب العالمي ، يضمُ حكايات قصيرة من الأساطيرعلى ألسنة الحيوانات ذات مغزى أرشادي من المفيد أن ( تُجيّرْ ) لخدمة جيل الأطفال لكونها مليئة بالعبر ومسلفنة بالرحمة والعطف والمحبة والتآلف والفرز بين الخير والشر بأسلوبٍ مبسط مما شجعت المؤسسات الفنية والمنتديات المتخصصة ببرامج الأطفال في العديد من الدول العربية ، ووجدتها في لبنان في سفرتي الأخيرة لها والتي دفعتني في الكتابة فيها ، وقد أبهرني أهتمام الفنيين في تلفزيون العاصمة بعملٍ دؤوب في أستثمار هذه الحكايات القصيرة الشيّقة إلى أفلام كارتون مثل : الأسد وأبن آوى – المحتال والمغفل – طائر البحر – الناسك وأبن آوى – الحمامة المطوقة – السمكات الثلاثة – القرد والنجار .
التعريف بالكتاب
*كليلة و دمنة* السفر العظيم هو من نفائس الأدب العالمي ، وهو عِبارةٌ عن قصص وحكايات رمزيّةٌ خرافيّة شخوصُها الحيوان ، يُرجحْ أنّها تعودُ لأصول هندية وتُرجمتْ الى الفارسية ثم العربية وكان يسمى قبل أن يترجم بأسم (الفصول الخمسة) وهي مجموعة من قصص ذات طابع يرتبط بالحكمة والأخلاق، سطّرها الحكيم العظيم ( بيدبا) وترجمهُ الى العربية( أبن المقفع) وهو يهدف الى النصح الخلقي والأصلاح الأجتماعي ، ويبدو الكتاب وكأنه قصة مصورة جرتْ وقائعُها على ألسنة الحيوانات بأسلوبٍ طريفٍ جذابْ فيه الفكاهة والمتعة.
يبدأ الكتاب : ب— يزعموا أنّ—- ثُمّ سرّدْ الحكاية فهو يمهّد للقصة بحكمة ثم يجعل القصة تفسيراً لهذه الحكمة كقولِه :
أنّ الذي يعمل بالشبهة يعتقد أنّه صادقٌ ولا يشك به: فهو كالمرأةِ التي أعطتْ نفسّها لعبدِها ففضحّها، فأنهُ في الأصل ينطوي على جملة من اللقطات الفلسفية والمعاني الأنسانية والمُثُلْ الأخلاقية التي جعلتهُ من الآثار الخالدة ضمنْ التراث العالمى ، والكتاب دعوةٌ اصلاحيةٌ في البحث والنقد اللاذع للساسة بحيث تستّر فيها الفيلسوف وراء شخصيات حيوانية درءاً من غضب الحاكم لذلك يعتبر الكتاب *جوهرة العقل* فهو يرتكز الى صراع بين قوّة المنطق ومنطق القوّة ، تحتوي على حكايات قصيرة ذات مَغزىً أرشادي والكتاب بمجمله منقولً عن الفارسية قد نُقل أليها من الهندية وترجمهُ الى العربية ( عبدالله بن المقفّعْ ) .
وهي قصة عن ملك هندي يُدعى (دبشيليم) طلب من حكيمه (بيدبه)أن يؤلف له خلاصة الحكمة بأسلوب مُسّليّ فيها العقل أكبر منتصر إإ، ويمثل الكتاب ظاهرة أبداعية في النثر العربي القديم خلال القرن الثاني للهجرة وهي ذات أصول سردية موصولة بالخرافة والأسطورة والحكاية العجيبة ، ولو نظرنا ألى أركان القصة فأنّها تدورُ على فضاء موهوم زماناً ومكاناً ، فالمكان مطلق والزمان كذلك وفي ذلك تجريد للحكاية وحماية لها من أعدائها ، وقدر ما فيه من الهزل فأنّه لايخلو من الفائدة .
والكتاب يرتكز على (المثَلْ ) حجةٌ يُستدل بها المتكلّم إلى عبرةٍ فيها القيّم،مثل : العقل خيرٌ من الجّاه والمال ، خيُر الكلام ما قلّ ودلّ ،خير السلاطين من أعدل في الناس، شرُ العشقِ ما زادَ وذلّ، الصبرُ عند نزول المصيبة عبادة، أن أزديّتَ جميلاً لأحدٍ فلا تذكّرهٌ وأنْ أزدى لك أحد جميلاً فلا تنساه.
من هو أبن المقفّع؟
هو روزبه بن داويزيه ، مفكرفارسي زرادشتي أعتنق الأسلام وسمىّ “عبد الله بن المقفع” وعاصر كلاً من الدولة الأموية والعباسية ، ينحصر زمنه{106-142 هجري/724-759 م} دًرّس الفارسية وتعلّم العربية ، وبعد أن أتقن العربية على يد عبد الحميد الكاتب ترجم “كليلة ودمنة” من الفارسية (البهلوية) الى العربية ، جمع بين الثقافة العربية والهندية والفارسية واليونانية فنال من كل هذه لها الثقافات نصيبا ًوافراً من الفصاحة والبلاغة والأدب ، وخَلّفَ لنا الكثيرمن الآثار الأدبية – في النثر والبلاغة والخط ، ما يشهد على سعة عقله وعبقريته وهو صاحب المدرسة الرائدة في النثر، وأخذ الأقاصيص من الثقافة الهندية وطوّعها للثقافة العربية- الأسلامية ، وعمل كاتب دولة وأختصّ بكتابة العهود والمواثيق بين رجال السياسة وبخط القوانين — وكان دهاؤه ودقته وبلاغته في كتابة نصوص المواثيق سببتْ قتله إإ.
أعتمد أسلوب” السهل الممتنع” في كتابة الحكاية جعل من الحيوان بديلا عن الأنسان ودليلا عليه بأسلوبٍ رمزي حتى لا يثير الحاكم وأضاف الى الكتاب الأصلي بابا طويلا وأربعة فصول في البحث عن ( بيدبة) – الفيلسوف الهندي- ماهيته وكينونيته وفلسفته ، وأن الأصل الهندي ضاع عبر الأزمنة الغابرة وظلت الترجمة العربية هي المعوّل عليها في أعتماد هذا الأثر النفيس .
رموز شخوص الحكاية
عالمْ الأنسان :الملك ( دبشيليم) رمز الحاكم المفتقد للحكمة والتدبير ، (بيدبة) الفيلسوف : رمز الحكمة المفتقرلسلطة الحكم .
عالم الحيوان: الأسد—- الملك المتعجّل المفتقّرللمعرفة والحكمة والمحتّكم لسلطة الجسد حسب منطق القوة دون قوة المنطق، الثور : هو خادم الملك تابع معدوم الشخصية مُسْتغّلْ ، أبن آوى : وهو رمز المكر والخديعة عقله يعمل بالشر لا بالخير ويجيد تقمص الناسك في خدمة الحاكم ( و يُرمز للأخوين (كليلة ودمنة ) دور هذا الحيوان الشرير).
ليست الشخصيات الحيوانية في كتاب ( كليلة ودمنة ) إلا وسيلة فنية وظفها *أبن المقفع” لنقد الواقع الفكري والأخلاقي والسياسي ، وسعى الى أصلاحه بطريقة مباشرة متوسّلا بالشخصيات الحيوانية كرموز للحدث.
الهدف من—— رموز القصة !!
1-يوضح أصول الحكم.
2- يفضح تدهور القيمّ وأنهيار المنظومة الأخلاقية فيطرح على الراعي مجموعةٍ من المبادىء حتى لا يفسد الملك وتهلك الرعيّة.
3-يكشف تآمر الحاشية لأجل مكاسب ذاتية.
4-يفضح ظلم الحكام وتفردهم بالسلطة.
5-ضمّ الكتاب تعاليم خاصة تهّم الرعية والحكام.
6-يشخص الأنسان المتصوّف والمتمرّد والشقي والمتدّين العابد والملحد؟
7- يهدف الى النصح الخلقي الأجتماعي والتوجيه السياسي.
8-تصوير الحكم النموذجي في الدعوة الى العدل والمشورة والمساواة.
9-تصوير مظاهر الشر – المتأصل في النفس الآدمية- مثل الأنانية والمكر والخديعة وهيمنة الأثرة والجشع والكذب.
10- تصوير مظاهرالصراع الشعوبي والعنصرية بين الأجناس البشرية.
11-الدعوة الى التعاون والأيثار.
12- نشر المعرفة العقلية والقيّمْ .
وأخيرا بقيت الكتب التى كتبها (أبن القفع) ونقلها عن الفارسية أوالهندية والبنغالية أواليونانية *مرجعاً* ثرّاً لخزانة الكتب العالمية والعربية –الأسلامية ، لأنّ الكتب الأصلية ضيّعها الزمن الغابر، وترك لنا { أبن المقفع} الكثير من الكنوز رغم إنّهُ لم يُعمّرطويلاً ولكن أدبهُ عمّر وسيُعمّرْ—– وإنّ الكتاب قصةٌ أستعاريّةٌ دالّها الحيوان ومدلولها الأنسان ———
عبد الجبار نوري/ستوكهولم
في- مارس 2020