إنفاق شخص ما، هو دخل شخص آخر. هذه العبارة تفسر باختصار الخطر الكبير الذي يواجهه الاقتصاد العالمي الذي تقدر قيمته بما يصل إلى 87 تريليون دولار.
فالعلاقة بين الإنفاق والدخل، والاستهلاك والإنتاج هي جوهر عمل الاقتصاد الرأسمالي وأساس «آلة الحركة الدائمة».
فنحن نشتري الأشياء التي نحتاج إليها ونقدم المال مقابل ذلك إلى أناس أنتجوا هذه الأشياء، وهم بدورهم يستخدمون ذلك المال لشراء أشياء أخرى يريدونها وهكذا… دوما. وما يقلق بشدة بشأن الآثار الاقتصادية المحتملة لوباء كورونا هو أنه يدفع «آلة الحركة الدائمة» هذه إلى حالة شبه متوقفة في قطاعات كبيرة من الاقتصاد فترة غير محددة.
ولم يشهد أي اقتصاد حديث حالة كهذه. فلا أحد يعرف كيف ستتفاعل الآلة الاقتصادية مع هذا الضرر. وإذا نظرنا إلى جداول الإحصاءات الرسمية للاقتصاد الأميركي نستطيع أن نفهم حجم القطاعات التي توشك أن تتوقف بشكل شبه كامل.
انكماش هائل في الإنفاق
إن الولايات المتحدة ومعظم بلدان العالم على وشك انكماش هائل في الانفاق الاستهلاكي الذي يعني بدوره تراجع الناتج الاقتصادي وانخفاض الدخول بين الأفراد الذين يقدمون الخدمات.
وجداول مكتب التحليل الاقتصادي تشير إلى أن الانفاق الاستهلاكي يشمل ثلاث فئات ستشهد على الأرجح تراجعا حادا خلال الأسابيع المقبلة وهي النقل، والترفيه، والغذاء والإقامة.
وأنفق الأميركيون 478 مليار دولار على خدمات النقل في عام 2019 (ولا يشمل الرقم شراء سيارات خاصة)، وأنفقوا أيضا 586 مليار دولار على الترويح (مثل تذاكر الأحداث الرياضية).
وأنفقوا أيضا 1.02 تريليون دولار على الخدمات الغذائية والإقامة (وجبات بالمطاعم وإقامات بفنادق لكن لا يشمل ذلك الأغذية المشتراة من المتاجر للاستخدام المنزلي).
وهذا يضيف ما يصل إلى 2.1 تريليون دولار سنويا أي 14 في المئة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي، الذي يبدو أنه سيتلاشى على الأقل عدة أسابيع وربما أكثر. ولا يُعرف إلى أي مدى ستتراجع تلك الأرقام وفترة التراجع.
فما يعنيه هذا الانهيار في الانفاق بتلك الفئات الرئيسية للطرف الآخر في دفتر الحسابات… أي «الدخول»؟.
الإيرادات الواردة من تلك القطاعات تذهب إلى أماكن شتى . إنها تدفع أجور الموظفين مباشرة، وتذهب للموردين وللضرائب التي تمول الشرطة والتعليم مثلا، وتذهب أيضا إيجارات لأصحاب العقارات وأرباحا للمستثمرين. وتواجه كل تدفقات السيولة هذه خطرا كبيرا في ظل انهيار الانفاق الاستهلاكي.
نحو 14 مليون موظف
القطاعات الخمسة التي تواجه انهيارا مباشرا وفوريا في الطلب أو مهددة بالتوقف بسبب «كورونا» هي النقل الجوي، والفنون الاستعراضية والرياضة، والترويح وفروعه، والفنادق وغيرها من أشكال الإقامة، والمطاعم.
وقدمت هذه القطاعات الخمسة 574 مليار دولار أجورا في المجمل عام 2018 وهو نحو عشرة في المئة من إجمالي الأجور التي تتوزع على 13.8 مليون شخص، وتمثل تلك الأرقام حصة الاقتصاد المعرض لأشد خطر مباشر.
هذه هي الصناعات المرجح أن تنهار إيراداتها. لن تملك هذه القطاعات ببساطة الإيرادات الكافية لإنجاز التزاماتها المعتادة وأهمها مبلغ 11 مليار دولار أسبوعيا يدفعها القطاع في العادة أجورا لموظفيه ، إضافة إلى مدفوعات أخرى كالإيجارات وخدمات الدين وضرائب على الممتلكات.
صحيح أنه سيكون هناك بعض التعويض، إذ سيتم شراء المزيد من متاجر البقالة بدلا من المطاعم على سبيل المثال وسيزداد الانفاق على الرعاية الصحية . لكن الاقتصاد لا يعتدل بهذا القدر المتواضع من الإنفاق ومسألة عمل الأطباء والممرضين وموظفي متاجر البقالة فترات إضافية لا تضاهي ملايين العاملين في المطاعم وشركات الطيران والفنادق الذين ستنهار دخولهم.
والآثار الأولية المحتملة ستكون ضخمة نتيجة عدم بيع كل هذه الوجبات بالمطاعم، وبقاء غرف الفنادق خاوية ، واستمرار توقف الطائرات هذا فضلا عن آثار أخرى غير مباشرة.
فماذا يحدث إذا أحدثت عمليات إفلاس واسعة النطاق خسائر في النظام المصرفي وتشديدا على الائتمان في كل جوانب الاقتصاد. في هذا الموقف، قد تجد حتى الشركات صاحبة الأداء المالي الناجح والقادرة على النجاة من الأزمة عاجزة عن الاستمرار بسبب أزمة سيولة.