كل زعماء العالم، ومن بينهم قادة شعبنا في اقليم جنوب كوردستان، متفقون على أن أهم المهام لديهم اليوم هو “الحرب على السيدة كورونا” المتوحشة التي قتلت حتى الآن أكثر من 30.000 إنسان على وجه الأرض، وهذه السيدة التي تذكرنا بالميدوزا وزهاك ذي الثعبانين على كتفيه الاسطوريين، والمخلوقة من مخلوقات المختبرات العلمية للحرب البيولوحية – كما يبدو– وحسبما يقول خبراء كبار في عالمنا من جنسياتٍ وبلدانٍ مختلفة لن تتركنا إلا بعد القضاء على كبار مكتشفيها ومبتكريها والأطباء الذين يسعون للتخلّص من مسلسل جرائمها وأعدادٍ كبيرة من البشر. وبصدد هذا الفيروس وأمثاله أرى أنه ممتعٌ حقاً رؤية فيلم “العدوىContgion-“ الذي تم انتاجه في عام 2011 وليس في عامنا هذا، وكذلك هذه المقابلة الشهيرة لأحد عمالقة الفكر في أوروبا ديفيد آيك.
أما زعماء أحزابنا وأتباعهم ومواليهم فإنهم مكترثون ب”العدو” الأهم من الكورونا بالنسبة لهم، ألا وهو صاحب الأنامل التي تنقر على لوحة المفاتيح في جهاز كومبيوتره ويكتب له مقالاً أو تعليقاً يعبّر به عما يجيش به صدره من هموم “كوردية” أو بصدد ما يجده من أخطاء في مسارات وتصريحات وإعلانات زعماء الحركة الكوردية التي بدأ البعض من الناقدين السوريين يشك في وطنيتها السورية، إذ برأيهم أن معظم زعماء حركتنا الموقرة يأخذون أوامرهم من خارج الحدود السورية، بل بعض فصائلها ذات مرجعية سياسية تعيش في الكهوف والمغارات بذريعة أنها تقود “ثورة” لم يبق لها أي طلاء كوردي مع الأسف.
الكورد تعلموا في تاريخهم الطويل شتى صنوف القتال، من رمي الحجارة بدقةٍ متناهية بالمقلاع من ذرى الجبال، وصنع السهام “الميدية” الشهيرة، كما تعلموا الفروسية لاضطرارهم العيش بين الجبال والوديان وللدفاع عن وطنهم ضد الغزاة والمحتلين، ونرى لهم تاريخاً مليئاً بصفحات الإقدام والتضحية بالنفس من أجل جيرانهم من الشعوب الأخرى، كما كانوا البادئين بالفلاحة والزراعة حسبما يؤكّد الباحثون والمؤرخون، وتشرّبوا حب زعمائهم واحترامهم إلى درجةٍ عالية، فرئيس العشيرة وشيخ المتحد الاجتماعي وكبير القوم ورئيس الحزب هم الذين يطأطىء لهم الكوردي رأسه بتقديرٍ لا مثيل له، وقد يكون لهذا شيءٌ من السلبية، إلاّ أنها “الروح الكوردية” التي اكتشفها كثيرٌ من المستشرقين، حتى أن الكورد الأسرى من الذين كانوا يخدمون في وحدات الجيوش العثمانية، الذين كانوا في معتقلات ومنافي سيبيريا في عهد روسيا القيصرية، ومن بينهم ضباط كورد، كانوا يحترمون كبارهم وضباطهم الأسرى مثلهم ولا يرفضون لهم أمراً ويدافعون عنهم وعن سمعتهم بانضباط يحسدون عليه.
ولكن مع تطوّر المجتعمات والتواصل المعقّد المتشابك بينها، بدأت الناس تفكّر في أن على الزعماء أيضاً إحترام شعوبهم وتقبّل ملاحظاتها والاستماع إليها ودراسة سائر الانتقادات الخطية والشفهية الموجهة إليهم وإلى سياساتهم، ومن بين هذه المجتمعات التي منها مجتمعنا الكوردي أيضاً من تنامى النقد والنقد الذاتي بين أفرادها ومؤسساتها وأحزابها وزعمائها، وتفاوتت درجة تقبّل النقد من جهة الحاكمين، فمنهم من كان لا يقبل أي نقد واختار المسار الدكتاتوري الدموي مثل الزعيم النازي أدولف هتلر الذي جلب للعالم ولشعبه الدمار والقتل والجوع والتشرّد وعمل على تصفية ناقديه بشراسة منقطعة النظير، وجوزيف ستالين وماوتسى تونغ وبول بوت وبينوشيت، والعديد من جنرالات أفريقيا وآسيا، الذين قتلوا الملايين من معارضيهم… ومنهم من تعلم سعة الصدر من تجارب شعبه كما نرى اليوم لدى معظم زعماء أوروبا السياسيين، الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية، والذين منهم من تسبهّم وتشتمهم، حتى من دون حق، أمام كاميرات التلفزيون وفي الساحات العامة، إلاّ أنه لا يفقد السيطرة عل نفسه، بل يعتبر النقد الموجه إليه “رأياً حراً” و”حقاً من حقوق المواطن الحر”… وهذه نراه كل يوم في الحياة العامة في أوروبا. بل إن سلاح “النقد الساخر” يستخدم على كافة المستويات الإعلامية والأدبية والفنية وصار لأوروبا أدب متميّز منذ أكثر من قرنٍ من الزمان هو الأدب الساخر لا يعترض عليه أحد، إلاّ من أصابه الخبل، وهؤلاء نسبة ضئيلة اليوم.
لا زالت بلداننا وأوطاننا في الشرق الأوسط بعيدة عن الترقي إلى هذا المستوى الذي يجده الأوربيون طبيعياً، ففي بلادٍ مثل سوريا وصل نقدٌ ساخرٌ لتلاميذ صغار إلى درجة دفع البلاد السورية برمتها إلى فوهة المدفع وتحويلها إلى جحيمٍ لا يطاق، وفي تركيا العضو في حلف النيتو والطامحة إلى اعتبارها “دولة أوربية!” يمكن أن يؤدي إلى السجن أو التصفية الجسدية كاريكاتورٌ ساخرٌ رسمه أحد الناقدين عن رئيس الجمهورية (أردوغان) أو عن (آتاتورك) الذي مات قبل عقودٍ طويلة، وفي إيران ربما يؤدي بك إلى المشنفة أو السجن مدى الحياة تندّرك بعمامة أحد الملالي الزاعمين بأنهم يقلدّون النبي (ص) أو الأئمة في لباسهم، والنبي (ص) كما الأئمة أبرياءٌ مما يرتدون ومما يفعلون. وهذا التخلّف في مجال قبول النقد ربما يكون عادياً في أوطاننا، ولكنه فعلاً لا يتناسب مع تصرفات أتباع وموالي الزعماء السياسيين الشرق-أوسطيين الذين يعيشون في المهاجر، وبخاصة في أوروبا اليوم، ولا يتحملون ذرةً من النقد، ناهيك عن “النقد الساخر” لأحد زعاماتهم التي تبدو وكأنها عمامات الكبرياء على رؤوس هؤلاء الأتباع، بل إنهم يدافعون عن “حمامات الأحزاب” وكأنها خُلِقَت معصومة وتعيش معصومة ثم تموت في عصمةٍ أبدية.
منذ أيامٍ معدودات، صرّحت المستشارة الألمانية الرائعة إنغيلا ميركل للصحافة تصريحاً، ثم سألها فيما بعد أحد الصحافيين عما كانت تقصده بتصريحها ذاك، فقالت بما معناه: “-لا تؤاخذوني، فقد أخطأت، ومن الأصح أن أقول هذا.” أفلا يزيدها احتراماً بين شعبها اعتذار هذه المرأة التي تحكم أكثر من 80 مليون إنسان منذ أكثر من 12 عاماً؟ وهل يحتاج هكذا زعماء لسكرتير السكرتير ليقوم بالدفاع عنها وعما صرّحت به من قبل؟
إننا معشر الكورد البسطاء ننتظر من زعمائنا أن يلجموا فرسهم حين يتوجه أحد الناقدين أو الساخرين إلى مقاماتهم، فعدم قبول النقد أو رفضه ومحاربته دليل ضعف وعدم ثقة بالمسار بل يثر الظنون حول الزعامة “غير المقدسة” ذاتها.