أن الحديث عن ما ألمَ بالعراق منذ الانقلابين الذي قامت بهما القوى القومية والرجعية وعلى رأسهم حزب البعث العراقي في 8 / شباط / 1963 وانقلاب 17 تموز 1968 لا يمكن أن يتصوره المرء ولا يمكن وصفه بدون تسميته “بالكارثة والمأساة “، ولست مبالغاً إذا ما قلت أن عشرات الالاف من المقالات والكتب والدراسات وضعت لهذا الغرض وهي توثيق الحالات المدمرة التي مرت على العراق والشعب العراقي، وأكثرية الآراء خرجت باستنتاج واحد أن من يدفع ثمن الكارثة والمأساة هم أكثرية الشعب من الكادحين والفقراء وأصحاب الدخل المحدود والعمال والفلاحين الفقراء والكسبة، هذه الحقيقة نتلمسها من نتائج الدراسات والتحقيقات والبيانات التي تصدرها المنظمات المسؤولة والمتخصصة حول نسب الفقر ودون الفقر وبها كشفت وزارة التخطيط العراقية بين الشعب العراقي الذي عدد سكانه بلغ ” 38.8 مليون نسمة” ، وهذه الزيادة الكبيرة غير الطبيعية في بلد نامي كان تعداد سكانه في (1960 ) لا يتجاوز ” 7 ملايين” ، حيث لا يوجد برامج للتخطيط السكاني وبقى طوال عهود البعث الصدامي والاحتلال يعاني من الإرهاب والبطش وانعدام الحريات والحقوق المشروعة وخروقات لا مثيل لها لحقوق الإنسان والحروب الداخلية والخارجية والإرهاب ” القاعدة وداعش ومنظمات إرهابية ساهم في تكوينها فلول النظام السابق وقوى قومية وإسلامية متطرفة إضافة إلى الميليشيات الشيعية الوافدة أو التي تأسست بعد الاحتلال فضلاً عن الوضع الاقتصادي المتردي جراء سياسة النظام السابق والحصار الاقتصادي وحوالي أكثر من ( 17 ) عاماً على استلام السلطة من قبل أحزاب الإسلام السياسي وبخاصة الشيعية والمتحالفين معهم، هذا الكم من عدم الاستقرار والحروب مع داعش الإرهاب وانفلات الميليشيات الطائفية المسلحة والاعتماد على الاقتصاد الريعي واستغلال مبيعات النفط بجانب السرقات الكبرى والفساد المالي والإداري الذي استشرى في كل بقعة وزاوية كل ذلك وضع العراق في أسفل قائمة الدول الفقيرة التي تعاني من الانفراط الأمني وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فتضاعفت البطالة وازداد الفقر والأمراض وفقدان الأمل بوجود فرص عمل حقيقية لآلاف العاطلين والخريجين وغيرهم حتى بات الفقر وكأنه أزلي بين الطبقات والفئات الكادحة وأصحاب الدخل المحدود، بينما نرى تمتع القلة من اللصوص والفاسدين والطغمة المتنفذة بأفضل أنماط الرفاهية والبذخ ، وبصدد نسب الفقر فقد صرح عبد الزهرة الهنداوي أن “نسبة الفقر في العراق 20 % من مجموع السكان، وهي تعادل نحو( 7 ) ملايين مواطن، يوجد معظمهم في المحافظات الجنوبية” ولا نعرف كيف نسى الهنداوي النسب السكانية في المحافظات الغربية بعد طرد داعش الإرهاب وانتقال عشرات الآلاف إلى المخيمات والمجمعات للنازحين والهاربين من جحيم القتال الذي دار بين القوات الحكومية وبين داعش الإرهاب ، الذين هم فعلياً في فقر مدقع وعاطلين عن العمل ويعيشون في مستنقع الفقر والحاجة، وأمام هذا الواقع المؤلم المأساوي والكارثي والظروف القاسية التي تواجه الطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة ظهور موضوعة فيروس كورونا مما يزيد البلاء بلاءً اشد قسوة ولا سيما حظر التجوال المفروض بسبب كورونا في ظل حكومة غير مستقرة وهي موجودة لتصريف الأعمال لا غير، ووجود هالة من الاحتجاجات الجماهيرية التي عبرت عن نفسها في انتفاضة تشرين ( 2019 ) مما يجعل الحكومة عاجزة على إيجاد حل للكثير من المشاكل وبخاصة الجديدة بعد تفشي فيروس كورونا والتعرف على الآليات التي ستتخذ وكيف يستطيع السيد عبد الزهرة الهنداوي أن يخبرنا أن “السلطات تناقش مجموعة من الإجراءات للتخفيف عن كاهل الفئات الفقيرة الذي تمثل ( 20 % ) من عدد السكان، لكنها غير قادرة حتى الآن على اتخاذ الخطوات العملية في هذا الاتجاه، نظراً للمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد”، فعلاً كيف ستستطيع الحكومة إنجاز المهمات المناطة بأي حكومة طبيعية وبخاصة موضوعة انتشار فيروس كورونا في ظروف على الأقل شبه طبيعية كي تتفرغ بشكل جدي وملموس للعمل الجاد.
أن المصيبة الكبرى والكارثة الأعظم هو القلق من أن يتفشى كورونا ليكون وباء شامل يصيب عشرات الآلاف من المواطنين أمام هذا البؤس في التحضير وقلة الإمكانيات الصحية بما فيها الكوادر الطبية التي هربت أو هاجر القسم الكبير منها إلى خارج البلاد بسبب الإرهاب والميليشيات الطائفية وانفلات الأوضاع الأمنية، وبهذه المناسبة فقد حذرت منظمة الصحة العالمية على لسان ممثلها عدنان نوار يوم الخميس 28 / 3 / 2020 من خطر تفشي فيروس كورونا وشدد حينها على الالتزام بقرارات الحكومة بخصوص حظر التجوال ” والبقاء في المنازل” دون الخروج إلا لأسباب وحالات ضرورية ” كونه السبيل الوحيد لمنع تفشي المرض” وأشار عدنان نوار بخصوص بيان وزارة الصحة العراقية إن “عدم الالتزام بحظر التجوال وقرارات خلية الأزمة الحكومية سيمهد إلى تسجيل عدد كبير من الإصابات من خلال التماس الذي يحصل بين المواطنين” وهو أمر بالغ الخطورة حيث نشاهد أن عدداً غير قليل يرفض الالتزام بتوجيهات وزارة الصحة أو البيانات الخاصة بالحذر من فيروس كورونا ويوعز الرفض لتوصيات دعاوى البعض من رجال الدين الذين يطالبون الجماهير بالزيارات الدينية أو الاحتفال بالمناسبات والتجمعات لإحياء البعض من المناسبات، إلا أن ما يؤسف له أن أعداد المصابين في المدن المعنية تكاد تكون العالية بين المدن، ونظرة خاصة للوضع الإيراني ومدينة مشهد وقم يجعلنا نتأكد أن الإجراءات العملية للتخلص من هذا الفيروس الخبيث وليس الزيارات والمناسبات الدينية مع احترامنا لها، بدورها حذرت الأمم المتحدة من انتشار الفيروس بسبب الزيارات “وتُلاحظ الأمم المتحدة في العراق مع التقدير أن الجهات الدينية في العراق حثّت المؤمنين على جعل الصحة العامة على رأس أولايات، البقاء في منازلهم بدلاً من التجمع في أداء الزيارات حتى تنتهي الجانحة”
إذن الخطر من الوضع الخطر جداً يلزم المواطنين الالتزام بقرارات وزارة الصحة والمنظمات والدوائر الصحية ومنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، ولقد حذرت القوى الوطنية والديمقراطية من مغبة الإهمال وترك الأمور على وضعها حتى لا تتطور نحو الأسوأ وتخسر البلاد أبنائها بجرة قلم ، ولهذا نجد في بيان الأحزاب الشيوعية والعمالية ودعى البيان الحكومات إلى اتخاذ تدابير” فورية ” بخصوص الخطر الناجم عن وباء فيروس كورونا وتضامن البيان مع الجهود التي تبذل في أطار الحملة العالمية التي تناضل من اجل القضاء على هذا الفيروس وبخاصة مجموعة الأطباء والممرضين وطواقم المستشفيات والوحدات الصحية ” التي تخوض المعركة وتكافح في ظل صعوبات كبيرة” وأشار البيان إلى مسؤولية انتشار الفيروس إن الخطر الناجم عن وباء CoVID-19 يُبرز وجوه القصور العميقة المأساوية للأنظمة الصحية في جميع البلدان الرأسمالية” ورأى البيان ” إن العمال و باقي الشرائح الشعبية لا يستطيعون دفع الثمن ثانية و لا ينبغي أن يقوموا بذلك!” وقد جرى التأكيد على (6 ) إجراءات لازمة لمواجهة الوباء على الفور، شرحت فيها متطلبات تامين قاعدة للتخلص من الوباء وإنقاذ الملايين من البشر وبخاصة الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة والفقيرة وأصحاب الدخل المحدود وأشارت النقطة السادسة إلى التالي
“• إننا نقول لا للتدخلات الإمبريالية والمناورات العسكرية كتلك التي يجريها الناتو، ونطالب بإعادة توجيه الموارد العامة لدعم حاجات الشعوب، كتمويل أنظمة الصحة العامة والتأمين الاجتماعي”
إن التوجه الجاد من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع لدعم القطاعات الصحية والصناعية والزراعية للتخلص