يُعرف جبل شنكال من حكايات سفينة نوح عندما رفع (سنّ الكلوب) عقيرته ومنعها من العبور، وكذلك يعرف بفارس يستأنس به الجبل دون سواه، وما أن يفارقه؛ لهدنة مع أعدائه أو لاستراحة قسرية حتى يئن لفراقه، ويحن للقائه، كيف لا وبينهما عهد مرسوم بدم أجداده، وهو يجدد العهد في كلّ مرة يسيل فيها دم أحد أتباعه ظلما على الجبل الذي يهلهل للفقراء مع صوت أول اطلاقة في الفجر.
كان الشخصية الأيزيدية الأكثر جدلا في الصراع بين القديم والجديد، وهو الأكثر شهرة بتمسكه بالقديم دون الالتفات للحديث. فخور بزيّه الشنكالي التقليدي الأصيل. عاشق للوّن الأبيض، ومهتم بأدق التفاصيل؛ ليحافظ على بقاءه في دائرة الأيزيدياتي. متقشف وكأنه فقير هندي. نقي، بل إن صفحته بيضاء كندف الثلج وكماء كانيا سبي.
بين قلبه وبين الجبل عيون ماء يشرب منها وكهوف ينام فيها وأفياء شرقية يرتاح عندها، وهو صريح ولم يكن يوما صّفاف كلام وما في قلبه ينطقه لسانه حتى لو كان علقما له أو عليه، ولم ينطق باطلا يوما. شديد الغيرة على معتقده. قاسي مع ابنه قبل ابن غيره فاستحق بذلك الاحترام والتقدير من الصغير قبل الكبير.
صاحب قضيّة ولم يجعل من الآخرين شمّاعة يعلّق عليها اخطائه أو كبواته، فقد وعى عمقها وثقلها وارثها وقيمتها وأهميتها للمستقبل. مستقبل أهله في عموم جبل شنكال، وفهم تاريخها الممتد بين حريق بابل وحريق شنكال المتكرر عبر فرماناتها وخيانة الجيران فيها.
في حضرته تحسب تين سنجار وزيتون بعشيقة هما من قسم بهما الله عندما قال: “والتين والزيتون”، فمثلما سترت أوراق التين سوءات آدم وحواء في الجنة، فغاباتها في الجبل ستحافظ علينا دائما، ولابد انها نزلت من الجنة معهما خصيصا لنا.
هو الوحيد الذي يتمنى المرء أن يكون في شجاعته وهيبته، وهو مَنْ نتذكر مواقفه قبل غيره، والعديد من الكبار والأبطال اتخذوا من سيرته المتميزة مشعلا ينير دروبهم وعندما يمرون بحالة صعبة أو موقف استثنائي يقولون مع أنفسهم:
يا ترى ماذا كان سيفعل (مام داود) لو كان مكاني؟ وهكذا كلماته ستبقى خالدة في صدورنا نستفيد منها ما حيينا.
بين الخيم المؤقتة الآيلة للسقوط والكهوف المظلمة مسافة الأمل في قدوم شرفدين وتحقيق العدالة الإلهية، ولا بأس إن بدأها من بين محبيه ومحبي الجبل أولا.
هذا الجبل المنسي لم يذكره مسؤول إلا ساعة فرمان؛ ولهذا كان الجبل هو سرّ الأغاني وبهجة الدبكات بحنجرة خدر فقير وعيدوى كتي.
كان عملاقا، وكانت فرائص أعدائه ترتعد عند سماع اسمه أو أخباره وكانوا دائما أقزاما في حضرته. حتى وهو سجين وفي قبضتهم.
لم يكن مغامرا. بل كان باحثا عن الحقيقة والخلود ومناضلا من أجل الحق والعدالة والحرية.
لم يقسم في حياته مرة دون أن يفي بقسمه.
نذر رأسه ل (شرفدينه) وعقد جدائله ميثاقا لنذوره.
داود الداود كان جبلا على الجبل!
فكم نحن بحاجة لأمثالك في فرماننا هذا يا مام داود.
*******
هذا الرجل داؤد الداود تم نفيه الى بعشيقة وجاء سكن في دارنا وفي احد الايام جاء متصرف الموصل وقتها اعتقد سعيد قزاز ( الوزير الكوردي المخلص من اهل السليمانية واخر وزير داخلية في العهد الملكي واعدم بعد 14 تموز1958 ) وقد ابلغ داود الداود من قبل عمي سليمان بقدوم المتصرف اليه لكنه بقى في غرفته ولم يخرج الى استقباله الى ان دخل الغرفة وقف فوق راسه . ….رحمه الله مع القزاز كانوا شخصيات قوية لاتخاف … وفي الاخير ليس لدينا غير ماقاله الشاعرمحمود درويش ( ايها الاموات قوموا لقد مات الاحياء ) .
شكرا أستاذ خالد علوكة على اهتمانك بمقالتي وأضافتك الجميلة.. نعم اتفق معك وكما ذكر في المتن: أننا بحاجة إلى أمثال هذا الرجل ..الآن!