هل يمكن بناء اقتصاد وطني وتنمية متوازنة في دولة طائفية فاسدة؟
تشير بعض المصادر المطلعة إلى إجراء مفاوضات بين الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية الطائفية من خلف كواليسها، إلى احتمال أن يتوحد حزب الدعوة من جديد ليرشح أحد قيادييه السادرين في غيهم والمعروفين للشعب ، أو أن يصبح عادل عبد المهدي، القيادي السابق في المجلس الأعلى الإسلامي قبل انشقاقه، رئيساً للوزراء في العراق، رغم اعتذاره لخشيته من فقدان تأييد هذه القوة بعد قليل من تنصيبه، في تحالف “معقول” بين الفتح وسائرون، لو لم يكن الحزب الشيوعي العراقي حتى الآن عضواً في هذا “السائرون!”، المتقلب دوماً بين اليمين واليمين الوسط المتخلف، ثم العودة إلى اليمين الأكثر وحشة وظلمة لمستقبل العراق وشعبه، في ضوء الضغوطات المشتدة التي يتعرض لها مقتدى الصدر وأبويته ومهو ما يزال شاباً ومزاجه الشخصي، ثم يتحول من رفض التعاون مع قوى خاضعة لإيران إلى تحالف مع قوى راكعة بالتمام والكمال لإيران. ولكن سيكون هذا التحالف الوزاري، كما أرى وكما رأت الكاتبة والصحفية التقدمية د. سلوى زكو، غير معقول وغير مقبول وغير مبرر بالمرة، لو استمر الحزب الشيوعي العراقي، المناضل المُجرب والمجَرِب والعريق والأقدم وجوداً في الساحة السياسية العراقية منذ تشكيل حلقاته الماركسية الأولى 1930 وتأسيسه عام1934، في هذا التحالف العجائبي الغرائبي، واحتمال المشاركة في وزارة من “گرگري!”، رغم وجود فرامل (بريكات) معلنة في حالات معينة، إذ سُتدفع البلاد خطوة إضافية خطيرة ومرعبة باتجاه المزيد من السقوط في أحضان إيران، وبقاء الميليشيات الطائفية المسلحة متحكمة بالساحة السياسية والاجتماعية والعسكرية العراقية، وستستمر الأوضاع على ما هي عليه، بل ستزداد سوءاً، بسبب جشع إيران للدولار الأمريكي في العراق ولكل شيء فيه!! وإذا ما حصل هذا الشيء وأصبح عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء، أو من يماثله، أو من حزب الدعوة الملفوظ، فسيطرح كل منهم رؤيته الاقتصادية التي لا تبتعد عن رؤية أسلافه من رؤساء وزارات الأحزاب الإسلامية الحاكمة في العراق منذ أكثر من خمسة عشر عاما, وقد تسنى لي مناقشة مقال عبد المهدي الموسوم “من أين وكيف يبدأ الانطلاق الاقتصادي بالعراق مع السيد عادل عبد المهدي”. ؟، في سلسلة مقالات من خمس حلقات، نقاشاً هادفاً وموضوعياً. من هنا أقول بأن هذه القوى لو شكلت وزارة جديدة على شاكلة سابقاتها وأعادت العمل بنظام المحاصصة الطائفي القائم حالياً لعجزت الدولة العراقية الهشة والهامشية المعتمدة في اقتصادها على الريع النفطي عن التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام في حل معضلات الاقتصاد والمجتمع في العراق، بل ستتسبب بمشكلات اقتصادية محلية وإقليمية ودولية جديدة، بسبب الاحتمال الأكبر في خضوعها لإرادة إيران في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يؤكد باستمرار عليها هادي العامري، مسؤول فتح وقائمة البناء وقائد “ميليشيا منظمة بدر الطائفية المسلحة” والمنضوية أجزاء مهمة وكبيرة منها تحت عباءة الحشد الشعبي، الذي تسيطر على قياداته الفرعية الأساسية قادة الميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة، إضافة إلى كونها لا تزال تعمل بمنظمة بدر وميليشيات أخرى تعمل تحت عباءة وهوية الحشد ولكنها تحمل هوية ميليشياتها الخاصة بها أيضاً.
كتب لي صديق فاضل، أقرأ كتاباته واستمع إلى رأيه بعناية، في أعقاب نشر مقالي الموسوم “ما القديم الجديد في الدولة العجائبية والغرائبية العراقية؟ ما يلي:
“ أحسنتم، انها دولة مكوناتية تقسم مناصب الدولة فيها. حسب كل مكون ويخضع المنصب نفسه داخل المكون الواحد لقانون العرض والطلب، انها سوق سياسية مع الأسف، احسنتم التشخيص والتحليل”.
وحقاً وصلتني الكثير من الرسائل المهمة ومن شخصيات عراقية ديمقراطية ومستقلة كثيرة أسعدني ذلك، كما نشرت في عدد كبير من المواقع، إضافة إلى نشرها في جريدة العالم العراقية، كحال الكثير من مقالاتي التي تنشر في هذه الجريدة مشكورة. فشكراً لثقة من كاتبني بشأن ما ورد في مقالي المذكور.
أؤكد من جديد بأن هذه الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية، شيعية كانت أم سنية، أولاً، وهذه القوى الحاكمة الحالية، التي قادت البلاد إلى مستنقع فيه المزيد من الرثاثة والتخلف والبطالة والبؤس والفاقة والخراب والدمار والنزوح والهجرة القسرية والموت، لا يمكنها بأي حال أن تبني الدولة الديمقراطية المنشودة التي تنتهج سياسات اقتصادية اجتماعية ثقافية بيئية، داخلية ودولية مستقلة، لأنها طائفية النهج والنزعات، ونهَّابة للثروات، ومعادية لحقوق الإنسان، بما في ذلك حق التنمية والبيئة النظيفة والعدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي والأمن الوطني المستقر والمتطور. إنها المعاناة التي ستطول، إن لم تنجح الحركة المدنية الشعبية السلمية والديمقراطية الوصول إلى تغيير في ميزان القوى الداخلية لتغيير الواقع الراهن بهذه الدرجة المطلوبة والضرورية أم تلك، نحو إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي.
لم يختلف الاقتصاديون العراقيون عن تحديد طبيعة الاقتصاد العراقي الريعي النفطي ولا عن تخلفه وتشوهه الشديدين في قواه المنتجة وطبيعة علاقات الإنتاج السائدة فيه عموماً. وقد كتبت كثرة من الاقتصاديين العراقيين مجموعة كبيرة من الكتب المهمة حول الاقتصاد والنفط على امتداد العقود المنصرمة حتى الوقت الحاضر، ومنها كتب ودراسات ومقالات الدكتور على مرزا وكتابه الجديد الموسوم “الاقتصاد العراقي: الأزمات والتنمية”، وهو أحدث كتاب في هذا الصدد وموعود به، كتب عنه السيد الدكتور وليد خدوري مقالاً مهماً قيَّمهُ بما يستحق من تقدير للكتاب والكاتب الاقتصادي الغزيز في الإنتاج والمعرفة، ونشر في جريدة الحياة وفي موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين بتاريخ 17/09/2018. وسأجد فرصة للكتابة عنه.
- الاختلاف بين الاقتصاديين الديمقراطيين بشأن الاقتصاد العراقي يبرز في بلورتهم حجم النواقص والسلبيات في الواقع الراهن وعموم الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفي مدى تأثيرها على الدولة والاقتصاد والمجتمع حالياً من جهة، وفي النهج والحلول المطلوبة التي يقترحونها لهذا الواقع المتدهور باستمرار من جهة ثانية. وهو أمر طبيعي ويدفع إلى المزيد من النقاش والتحليل والتدقيق بهدف الوصول إلى الصيغة المثلى، شريطة أن تتوفر الظروف والشروط الذاتية والموضوعية لنهج سليم ومتقدم في العراق. فليس وضع الحلول الاقتصادية المطلوبة والصحيحة للاقتصاد العراقي بالعملية الشديدة التعقيد والصعوبة بالنسبة للمختصين والخبراء في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والذين يمتلكون المعلومات الضرورية عن واقع الاقتصاد وثرواته وموارده البشرية وحاجات البلاد الفعلية، الآنية وذات المدى المتوسط والبعيد. هذه المسألة يعترف بها من يدرك بأن الخلل ليس في طرح الحلول، بل في غياب الناس الأوفياء لشعبهم عن المواقع التي ينبغي ان يكونوا فيها المختصون المخلصون ويستوجب وجودهم المهمات والحلول الناجعة المنشودة. فالخلل المقصود هنا هو في هيمنة مجموعة من الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي أقامت لها احزاباً سياسية دينية طائفية، جمعت في صفوفها القيادية مجموعات من البشر، تكالبت منذ تسلمها السلطة باليد مباشرة من الولايات المتحدة وإيران، وهي مغرقة في التخلف وبعيدا عن وعي مهمات التنمية المستدامة وشروطها، ثم في وضعها موارد البلاد المالية والخاماتية، ولاسيما النفط والغاز الطبيعي، تحت رحمتها وتصرفها ونهبها كلما حلا لها ذلك، وبدا واضحا ان الشيء الوحيد الذي عشقته هو النهب الدائم وارشاء المزيد من البشر والتفريط بالمال العام ليدوم لهم الحال. وهنا أضعكم أمام أحد النماذج السيئة التي دلَّنا عليه عادل عبد المهدي في لقائه التلفزيوني مع القناة السومرية, فهو يتسلم راتب وزير متقاعد ومخصصات غلاء المعيشة كوزير، ومستحقات الحماية الشخصية ومصروفات الدعاية والإعلام، إضافة إلى ثروته الشخصية التي استردها بعد غزو أمريكا للعراق. ثم يتسلم مبلغاً مقدره مليون دولار شهرياً أو (12) مليون دولار أمريكي سنويا كمساعدة اجتماعية يتصرف بها كما يشاء بغير حساب! وهو ليس وحده بهذه “المنحة السنوية” الدائمة التي يمنحها الحكام لأنفسهم من أموال أجدادهم، بل معه الكثير من هؤلاء “القادة الأفذاذ!!!” الذين يسرقون ملايين الدولارات الأمريكية من خزينة الدولة ومن أفواه الجياع والمعوزين والمشردين من الأطفال اليتامى والفقراء والنساء الثكالى والأرامل دون ان يشعروا ولو للحظة واحدة بالذنب والخزي والعار لما يمارسونه. وهم بهذه المساعدة التي يقولون انهم يقدموها للفقراء، يشترون بها أصوات الفقراء ويوسعون نفوذ الطبقة الرثة الحاكمة المالي والاجتماعي! على هذه اللوحة البائسة دافع عنها عادل عبد المهدي بوعي رجل لا يفقه من الاقتصاد شيئاً مناسباً. ويذكرني هذه التصرفات بما ورد في خطبة لأبي جعفر المنصور حين وقف خطيباً في يوم عرفة حدد برنامجه السياسي كما يلي: بهذا الصدد ما يلي: ” وقف أبو جعفر المنصور يوم عرفة خطيبا يحدد برنامجه السياسي فقال:
“أيها الناس, إنما أنا سلطان الله في أرضه, أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده, وحارسه على ماله, أعمل فيه بمشيئته, وإرادته وأعطيه بإذنه, فقد جعلني الله عليه قفلا, إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم, وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني.”. (راجع: الدكتور إمام عبد الفتاح إمام، “الطاغية”، دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي, سلسلة عالم المعرفة رقم 183, الكويت 1994, ص 219). بهذا السلوك يتعامل حكام العراق مع أموال شعب العراق!
ماذا يعني ذلك؟ إن هذه المجموعة من سياسيي العراق المغرق بالطائفية يتركز همها ويتمحور لا في كيفية بناء الاقتصاد الوطني المزدهر الشعب المنتج والشبعان والسعيد، بل في الكيفية التي تنمي ثرواتها الشخصية وبقاء نفوذها على الاقتصاد المتخلف والرثاثة وتصرفها المطلق بالمال العام والنفوذ على المجتمع. هذا الواقع برهنت عليه السنوات الخمسة عشر المنصرمة بألف ألف وبرهان. وأصبح عدد الفاسدين آلاف أضعاف ما كان منهم في زمن البعثيين، وآلاف آلاف الأضعاف على ما كان عددهم في زمن الملكية.
هل ينفع ان أشارك في طرح برامج وحلول للاقتصاد والمجتمع والثقافة والبيئة وامور أخرى؟ نعم هو نافع للجمهور الواسع، ولكنه غير نافع للحكام الحاليين الذين اذلوا دينهم وشعبهم ووطنهم وهم يدركون ذلك تمام الإدراك، ولكن في غيهم جادون ولا يمنعهم من ذلك غير انتفاضة الفقراء والمعوزين والعاطلين عن العمل، غير العمال والفلاحين الذين يكدون لا ليَشبَعوا وعائلاتهم، بل ليُشبعوا من سلبوهم لقمة عيشهم وعائلاتهم، وهم ليسوا سوى حكام العراق ولإلب القوى والأحزاب (الدينية!) التي أصبح إلهها المطلق هو الدولار الأخضر وليس الله الذي لا يعبدوه!
لقد فاض غضب الناس بالضحك على ذقونهم وتجويعهم وشراء الذمم والمناصب. ان هذه القوى الحاكمة لن تبني اقتصاداً وطنيا عبر عملية تنمية اقتصادية وبشرية مستدامة يستوجبها واقع العراق ويعرفها من يريد نقل العراق من مستنقعه النتن الراهن الى مواقع اخرى يطمح اليها الشعب ويعمل من اجلها، بل هي تعمل لمزيد من خراب العراق وملء الجيوب والبنوك بالسحت الحرام!!!
لا أنوي في هذه المقالة المشاركة في تقديم الحلول التي أراها واقعية للعراق، فالحلول مطروحة منذ سنوات كثيرة، إذ إن النقص في وجود الناس المخلصين لهذا الشعب والأرض الطيبة على رأس الحكم وفي المواقع التي ينبغي ان يكونوا فيها ليدفعوا عجلة التنمية الوطنية والديمقراطية المنشودة، والقلة الموجودة لا تسمع!
إن الصراع الجاري في العراق بين القوى الحاكمة الحالية لا يمس مصالح الشعب والاقتصاد والنمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل للعاطلين وتأمين العيش والضمان الاجتماعي والصحي للناس الفقراء والمعوزين، بل من يمكنه فرض نفسه ويتسلم السلطة من بين هؤلاء الحكام القيمين على الحكم حتى الان ليعيدوا إنتاج نظامهم الطائفي المحاصصي المقيت، وتقاسم المغانم وليذهب الشعب العراقي الى ما يماثل جحيم البصرة والجنوب، ولتتلقى صدور وظهور المتظاهرين الرصاص الحي والقتل والاعتقال والسجن والتعذيب والموت على أيدي مرتزقتهم من الميليشيات الطائفية المسلحة وقوى الاٍرهاب الاخرى القادمة من وراء الحدود الإقليمية والدولية.
يقال ان الأمريكيين يريدون العبادي والايرانيين يريدون هادي العامري أو المالكي، وأن اخرين يريدون ويتحركون بين هذا وذاك ليرضوا بمساومة حقيرة، كما حصلت في العام 2010 وجاء المالكي لدورة جديدة في رئاسة الحكومة، الطرفين الخارجيين وليس الشعب العراقي ومصالحه وخلاصه من الذل والهوان الراهنين. ليس من مصلحة الشعب ان يبقى مثل هؤلاء البشر على رأس الحكم، فالظلم إن دام دمر، ولكن في النهاية ينقلب على رأس الفاسقين الظالمين من حكام البلاد!!!