فرد جاك مبتسمًا..مع العزيمة لا يوجدمستحيل .
الجزء الرابع ( رواية كتارا 2019-2020)
الطريق إلى مملكة الرؤوس الثلجيّة ..
قرار زراعة رأس…
ظلّا سائرين نحو ثلاث ساعات ، ثمّ أخيرًاركبا سيارة قاصدين الوادي الجديد ، وما زالالخوف يسيطر على كليهما.
فلمّا وصلا اتّصل بأحد سماسرة العقاراتواشترى شقة متواضعة على الفور.
تمددا على السرير وناما من الإعياء الشديد ،نام فطين محتضنًا المال المتبقى من شقةجنوب سيناء بعدما استخرج منه المال الذياشترى به الشقة الحالية.
الخوف يعتصر قلبه ، وفهمان أشدّ خوفًا منهلأنه يحبّ أبيه جدًا فضلاً عن قلبه الضعيفالذي لا يستطيع تحمل أدنى الكوارث.
ومرجع خوف فطين أنّه لأول مرّة في حياتهيعيش طريدًا رغم بعده الشديد عن مسرحالجريمة ، وكان يواسي نفسه ويطمئنها منخوفها بعد إجراء العملية التي عزم علىإجرائها.
استيقظ فطين ، بينما ابنه لم ينم إلّا غفوات ،ارتدى ملابسه ومضى وقد آثر فهمان ألّايسأله عن وجهته.
ذهبَ إلى إحدى المكتباتِ الشهيرةِ في القريةِواشترى بعضًا مِن كتبه المفقوده وحاسوبًاجديدًا وعادَ إلى المنزل .
بحثَ في بعضها عنْ تقنيات زراعة رأسإنسان أو وجه ، وبعد التحرّي والتمحيصِقرّرَ أنْ يزرعَ رأسًا كاملاً بدل الوجه دون إشارةطبيب مختص.
فتحَ الحاسوبَ ليبحثَ عن أسماء أطبّاءيقومون بمثل هذه العمليات فحصل علىأشْهَرِهم ، إنّه صاحب مشفىً كبير بالواديالجديد واسمه..مؤيد أصيل ، والموْقع مدوّن بهإنجازاته الطبيّة.
أعمق البحث ليعرفَ عنه أكثر، فعرفَ أنّ أكثرمِن مُحامٍ رفعوا عشرات القضايا ضده لأنّهيقوم بعمليات زرع أعضاء دون الحصولعلى إذن مِن وزارةِ الصحةِ.
وتكلّمتْ بشأنه صحفُ المعارضةِ المصريّةِفقالت إنّه سفاحٌ وماصٌ للدماء ، والنظامالحاكم يغضُّ الطّرف عنه لأنّهم يتحصّلونمنه على ضرائب باهظة.
فتتبعَ فطينُ هذه الأخبار الخطيرة واستوثقَمنها عن طريق مقابلة أحد الذين ذكَرَتُهمالصحفُ بأنّه تبرّعَ بجلد وجهه لأحد المجرمينالهاربين مقابل مبلغ ضخم مِن المال ،وبالطبع دون الحصول على تصريح مِنوزارةِ الصحةِ حتى يستطيع المجرم الهاربالإفلات مِن جريمته.
وزارة الصحة لا تستخرج التصريح إلّابوجود المُتبَرِعِ والمُتَبَرَع له وعمل اختباراتبصمات الأصابع وخلافه للتأكد أنّ المتبرَع لهغير مجرم .
وبعد التأكد التام مِن صحة الأخبار قررَّ أنْيلتجئ إلى مؤيد أصيل ليعمل له العمليّة.
فكّرَ فطينُ كيف يصل إلى الدكتور مؤيدلمساومته على زرْع رأس له دون تصريح مِنوزارة الصحة .
خرجَ مِن بيته قاصدًا العنوان المدوّن فيالإعلان الإشهاريّ للمستشفى علىالحاسوب ، خرج ولم يستأذن ابنه كالعادةفعقله مغيب تمامًا عن كلّ شئ إلّا ذاك الأمرالذي قرّر فعله.
توجّه فهمان إلى الحاسوب فور رحيل أبيهمباشرة ، فوجد مواقع لمشافٍ تزرع الأعضاء ،فقرأها ثمّ تساءل ..ماذا تودّ أن تفعل يا أبتِ.
بمجرد وصول فطين المشفى سأل أحد أفرادالأمن عن الطبيب مؤيد أصيل .
فقِيِل له أنّه مدير المستشفى ، ويأتي إليهايومًا أو يومين في الأسبوع وغالبًا السبتوالثلاثاء ، والسبت رئيس عنده ، ثُمّ سألهالحارس سؤالأً خبريّاً قائلاً..
–أليس اليوم السبت ؟
–ردَّ فطينُ بلى .
–كم الوقت الآن؟
–الساعة دخلتْ على الثانية عشر صباحًا.
–على وشك الوصول .
–ومتى ينتهي مِن عمله ؟
–مساءً
وجه الحارس نظرة على الطريق الذي مِنالمعتاد يسير فيه الدكتور مؤيد ، وبالفعلوجدَ سيارته مقبلة ، فأشار إلى السيارةبإصبع الإبهام قائلاً لفطين ها هو قد جاء .
انتظرَ فطينُ انتظارَ المتحفّزِ، ونظرَ نظرةَالوجل حتى وصلتْ السيّارة ونزلَ منها فرآهفطين .
شكَر الحارسُ ثُمّ مضى مسرعًا خلف الطبيبالذي ولجَ مِن الباب الرئيس لكنّه لمْ يدركْه .
حكَّ رأسه أسفل لاسته وقرّرَ أخيرًا أنْ ينتظرهحتى انتهاء عمله.
ولمْ يترك المكان حتى مارس عادته المشهورةبالنظر إلى تكنولوجيا الجنس البشريّ .
فنظرَ إلى المبنى ولفتَ نظره خروج أحدالمصاعد مِن المبنى لتدخل في المبنى المجاور، هذا المبنى هو ملحق المستشفى إذْ يحتويعلى الصيدليّة وبعض الحجرات لإقامةالمرضى فيها.
ويبدو أنّ أحد المرضى عُملت له عمليةجراحية ونقلوه بالمصعد إلى المبنى الملحق .
تفحّصَ المصعدُ واستذكرَ قراءته ، وعلى الفورعلم أنّ المصعدَ يعمل بتقنية الرفعالمغناطيسيِّ بديلاً من الكابلات ، وأنّهبإمكانه السير أفقيّاً ورأسيّاً فضلاً عن حركتهالمعروفة وهي الهبوط والصعود.
مضى فطينُ تاركًا المشفى إلى حين ، حتى إذاحانتْ لحظة غروب الشمس عاد إلىالمستشفى ووقفَ على مرأىً مِن بابها الرئيسحتى إذا خرجَ الطبيبُ مؤيد تبعه.
وبالفعل خرج مستقلاً سيارته فتبعه فطينُبسيّارة أجرة على الفور ، حتى إذا وقفتْسيارةُ مؤيدِ أمام الباب الرئيس للفيلا كانهناك باب آخر كان يمثلُ جراجًا خاصًا له..فُتح جراج الفيلا إلكترونيًا ودخلَ وأُغلقالجراج ولمْ يخرجْ مؤيد بالطبع .
امتعضَ فطين ، حيث كان يظنُّ أنّه سوفيخرج ثمّ يلجُ الفيلا من بوابتها الرئيسة ،فأقبلَ كالتائه إلي حارسها وقال له ..أريدمقابلة الدكتور .
فردَّ عليه ..هل أنت على موعد معه ؟ ، فردّفطين . لا ..فقط أخبره أنّي أريده في شئ هاموخطير .
هاتف الحارسُ الطبيبَ فأمره بإحضاره إلىحجرة الاستقبال .
ولجّ فطينُ حجرة الاستقبال وقابله مؤيد وحيّابعضهما .
–تعجّب مؤيد من هيئته ، ومن لاسته المزركشةوالجلباب ، ثمّ قال له مؤيد ..أأمرْ يا معلم .
–قال فطينُ بهدوء ..رأس ، أريد زرع رأس .
–ردّ باستياء.. هذا ليس محل عمل ..قابلنيفي المستشفى غدًا ، اتفضلْ ..مشيرًا بيده إلىباب الخروج .
–ردّ بثقة وهدوء ، أريد زرعَ رأس ولك ما تطلب.
–احتدَّ صوته مُتسائلاً سؤال المتهكم ..مِن أنتيا رجل ؟ ولماذا لمْ تقابلنِي في المشفى؟
–بهدوء وثقة ..أريد زرع رأس بلا تصريح مِنوزارة الصحة ولا علم الحكومة ،
فأنا رجل يلوذ بك وأراكَ مُغيثًا ، ولا أظنُّ كريمًامثلك يردُّ مستغيثًا إلّا إذا كان المستغيث لئيمًاوأنا لستُ كذلك رعاك الله .
–أتريد أيضاً أنْ تُغير اسمك ؟ قالها بسخريّةٍوتهكّم .
–واصل هدوءه ..يا ليت .
–اشتدّتْ نبرةُ صوته أكثر، ثُمّ سأله..مَنْ قالَ لكإنّي أخالف القانون ؟ اخرجْ وإلّا طلبتُ لكالشرطة .
– أرومُ أنْ تساعدني ، صمت هنيهة إذ لمحصورة معلقة على جدار الحائط وخلف ظهرهمباشرة ، يظهر فيها وهو يقوم بإحدىالعمليات لأحد الأشخاص ومن خلفه بطاريةذرية لا يلحظها إلّا ذو علمٍ كبير، فعلم علىسبيل الظنّ أنّ مكان العملية في أحد الأنفاقالفلسطينية وأن المريض أحد أفراد اتحادها ،فكانت الصورة بمنزلة فرصة ذهبية اقتنصهاعلى الفور قال له ..أنا رجلٌ وطنيّ والموسادالإسرائيلىِّ يلاحقني .
–انتبهَ للعبارة “فأنا رجلٌ وطنيّ والموسادالإسرائيلي يلاحقني “وسكت على إثرهاهنيهة ثُم قال بهدوء مغمغمًا بكلام متهدج ق..قل..ق..قلتُ لك اخرجْ .
لمْ يستطعْ مؤيد أنْ يكبحَ جموحه نحوانتمائه لعروبته التي لا تُضاهى ، هذا ماشعرَ به فطين عندما لجلج في الكلام . فاستبشرَ خيرًا.
وقرّرَ أنْ يصمتَ ويطول صمته حتىيستخرج ما بداخل مؤيد مِن خلال علاماتوجهه ورعشة منكبيه التي بدتْ واضحةًعندما أخبره أنّ الموساد الإسرائيليَّ يلاحقه.
وآثر الهدوء والصمت .
نظرَ مؤيد بفراسته إلى فطين ، تلك الفراسةالتي لا تُخطئ أبدًا ، نظرَ إليه وقوّمه فيخياله ، فقال في نفسه أنّه رجلٌ تبدو عليهعلامات الإجلال والقوّة معًا ، كما تبدو عليهعلامات الصلاح والنبل ..فأزمع بداخله علىعمل حيلة ليتأكد مِن ظنونه التي بثّها فيخياله على الفور .
وهكذا تفحّص كلٌّ منهما الآخر كأنّهماخبيران في علم لغة الإشارة والجسد .
قال مؤيد بعد فكر وبصيرة ..أيّها الرجل ،اقعد ، ثُم قال أنا لا أقوم بمثل هذه العملياتلكني أصدقك فيما قلتَ .
ثمّ سرح بخياله مرّة أخرى مرددًا على مسامعأذنيه ..لابدّ أنْ أكون حذرًا خشية أنْ يفتضحَأمري ويَهلك مَن ورائي..
والاتحاد في حاجة إليّ من موقعي المتميزفي المستشفى .
ثمّ ناوله سيجارة وأخرج قداحته الأخّاذةوأوقدها له ثمّ تصنّع وقوعها على حجر فطين، فلمّا أراد فطين ردّها إليه قال الطبيب هيوقعتْ في حجرك وهي مِن نصيبك ، خذهاهدية بسيطة جدًا ، فأخذها فطين .
ثمّ أعاد مؤيد قوله ..أيّها الرجل الكريم إنّي لاأمارس هذه العمليات مطلقًا ، وإن كنتَصادقًا فأسأل الله أن ينجيَّك مِن القوم الظالمين.
–إذًا ..هذا رأيك الأخير .
– قال بحزمٍ ..ومصرّ عليه .
نهضَ مؤيد كعلامة لانتهاء الجلسة ..وتبعهفطينُ وقوفًا على الفور ، ثُمّ استأذنه فيالانصراف تاركًا القدّاحة وراءه .
ناداه أثناء دلوفه الباب ، فانتبه ، فقال لهمؤيد القداحة ..لقد نسيت القدّاحة ..ثُمّ أقبلإليه وربت على كتفيه ودعا له بالسلامة.
مضى فطينُ مترجلاً هائمًا على وجهه لا يكاديتحمّل همس الريح ، ولم يكفّ أثناء سيره عنالتدخين ترويحًا عن نفسه .
كان يوقدُ السيجارة بقدّاحة الطبيب ،والطبيب يتابعه مِن خلالها ، ولمْ يسمعْ غيرنقر نِعال المارة وبعض أصوات هديرالسيارات إذْ كان الوقت في الهزيع الأول مِنالليل .
ظلَّ سائرًا يفكّر فيما ينتظر ابنه مِن سوء المآل، ومؤيد خلفه ليأتي بالخبر اليقين عمّاتلمّسه في فطين من وطنيّة لا تقارن .
وصل أخيرًا إلى الحيّ ودلف باب العمارة ،فأسرع مؤيد بسيارته حتى يبصر العمارةالتي يقطنها .
يتبع ………….يتبع.
بقلمي .. ابراهيم امين مؤمن