ليس كل تطورٍ يؤدي لتقدم إيجابي، هذه مغالطة ترافق كل مراحل التقدم على مختلف الأصعدة، فالإنتقال من طور لأخر لايضم في ثناياه حتمية الأحسن، فالأمر مجرد حركة ديناميكية تحتمل الحدين، أفضل وأسوء.
ولا أُريد الخوض في كورونا من الناحية السياسية والتي سأكتفي بالقول بأنه يشابه لحد ما تطور السلاح الناري (مثال لما ذكر في البداية أيضًا)، وهو ضمن السلسلة المكملة للحروب العالمية، التي عمد صانعوها منذ ذلك الوقت وللآن للتذرع بالحجج بل وفي صنعها (من عهد الاغتيالات لعهد تناول حساء الخفاش) ، لتغطية السبب الحقيقي الذي دائمًا ماكان ثنائيًا (عقائديًا ،أقتصاديًا)،
و مهما كانت البواعث في خضم إحتدام الصراع الحالي بين العرقين (الأصفر والأبيض)، فهي نتاجٌ أعتيادي للتطور التقني والتكلنوجي المستمر،
وبالعودة لإطارها كأزمة فهذا من شأنه أن يضعها في قطب معادلته، وفي هذا الصدد يقول انطونيو نيغري ( أن الأزمة ليست نظير التقدم بل هي صورة ذاته)،
لأن التقدم لايقوم على أساس جديد بقدر ماهو إعادة هيكلة الموجود برؤى حديثة، والتي تبقى دائمًا جزئية، مما يترتيب تقدم للجزء الذي شُمل وإهمال للباقي ، كما أن هذه الحركة المستمرة لما يطلق عليه بعجلة التقدم أمست تدهس الثوابت الفطرية للإنسان (الجزء المهمول) والتي تغذي تعامله الحسن مع الأخرين، عبر التحجيم المستمر له بالمنفعة الشخصية فقط، وأدلجة كل مفاصل الحياة لصالح الرأسمالية، والأهتمام بتطوير الوسائل (الآلات) وإهمال الغايات (الناس) بل وصل الأمر لتدجين الغاية من أجل الوسيلة، فتقدمت التكلنوجيا وكل مفاصل الحياة (وهذا أمر إيجابي) ولكن بمقابل ذلك فأن الأخلاق الإنسانية في إنحدار ( وهذه أزمة)، و هذا مايفسر المفارقات الحاصلة بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية، فنجد أن الأخيرة أكثر تعاضدًا وتكافلًا من الأولى التي تحتاج دائمًا للتدخل الحكومي في ظل غياب المبادرات الشعبية العامة، بل وأمتد لما بين المدينة والقرية داخل الدولة الواحدة، أي أينما حل التقدم.
اليوم بات لزامًا علينا أن نعي أن أستمرار التقدم بجزئية الوسيلة وقد يشكل علينا البعض بأن الإنسان ناله التطور، وهذا ما لايُختلف عليه لكنه تطور لصالح التأقلم أي ليكون أهلًا لأستخدام الوسيلة ولا أُريد الخوض في الإعلانات المستمرة التي ترافق عملية التدجين هذه والتي تنصرف لعملية اقتصادية بوسائل نفسية، فلو قصدنا تطور الإنسان لذاته لما آل الى هذا الانحدار وأبتكر لنا قنبلة نووية وانشغل بتجريب كورونا، فبلا شك أنه (أي الأستمرار) هذا الوضع على ماهو عليه يجعلني أشعر بفرحة أنني قد لا أعيشُ لزمن تبلغ فيه الحرب البيولوجية مداها فأشهد هورشيما بحلة مختلفة.