محمد حسين، ذو الـ 30 عاما، اُعتقل داخل داره بمدينة الموصل من قبل مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” بتهمة كتابة عبارات مسيئة ضد التنظيم، وكان مصيره القتل والقاء بجثته الى حفرة الخسفة.
الحاجة الستيني ام علاء بدموع وحسرة تحدث لـ (كركوك ناو) عن اليوم الذي اعتقل فيه ابنه محمد وقالت انه “في احدى مساءات شباط – فبراير 2015 الباردة دخلت مجموعة مسلحة الى المنزل، يرتدون الزي الرسمي لتنظيم داعش، وقالوا ان محمدا يجب ان يرفقهم للتحقيق معه”.
“وعند السؤال من قبل والده عن الأسباب أجاب أحدهم ولغاية اليوم اذكر ملامحه، ذو لحية سوداء طويلة عينيه جاحظة يحمل يقبضته مسدسا، ابنك مرتد يكتب العبارات المسيئة ضد الدولة الإسلامية”، مضيفة، ثم استدار مسلح اخر نحو زوجي وقال له.. هل تقبل انت بذلك، فتسمر بمكانه ولم يرد بحرف واحد.
دخلت مجموعة مسلحة الى المنزل، يرتدون الزي الرسمي لتنظيم داعش، وقالوا ان محمدا يجب ان يرفقهم للتحقيق معه
“السابع من اب 2015 انتشرت الاخبار في الموصل بتثبت تنظيم داعش لقوائم الذين اعتقلهم وقتلهم على جدران مشفى الجمهوري العام في الساحل الأيمن للمدينة، فذهب زوجي يرافقه ابني علاء كي يشاهدوا الأسماء لعل محمد من ضمنهم.. وبعد انتظاري لهما لأكثر من 4 ساعات دخل ابني علاء البيت وقال لقد تم قتله والقاء جثته في حفرة الخسفة، وان التنظيم أبلغنا بعدم إقامة مجلس عزاء على روحه لأنه مرتد” هذا ما قالته ام علاء.
“الخسفة” حفرة عميقة تقع في عمق الصحراء جنوبي مدينة الموصل، حولها تنظيم داعش إلى “موقع للموت”، بعد سيطرته على الموصل في حزيران 2014، واستخدمه لتنفيذ الإعدامات وجعلها مقبرة جماعية لإلقاء جثث الضحايا دون ان يفرق بين مسلم ومسيحي وايزيدي.
شاهد عيان يروي تفاصيل “الخسفة”
موسى حسين محمد منتسب أمني في الحشد العشائري، زار حفرة الخسفة اربعة مرات عندما كانت تسيطر داعش على الموصل وقال لـ (كركوك ناو) ان “الخسفة عبارة عن حفرة مرعبة جدا مظلمة، عند القاء الحجر بها لا يسمع ارتطامه بالقاع حتى لو رميت الحجر الكبير وقد جربت ذلك مرات عديدة مع أصدقاء لي”.
“عندما كنا نصل الى موقع الحفرة، الرائحة النتنة التي تنبعث منها قوية، وهذا يدل على عدد الضحايا الكبير الذين القيوا بها، كذلك ان المكان المحيط بهذه الحفرة على امتداد نحو 3 كيلو متر مربع غير مسكون نهائيا، وهو ما يجعل المكان مخيفا الى درجة الرعب”.
ويتابع، ان “هناك مناطق في محيط الخسفة ماتزال مفخخة منذ زمن تنظيم داعش، وان أي مسؤول سواء في حكومة نينوى المحلية او الاتحادية لم يقم بزيارة الخسفة والاطلاع عليها”.
تقع الخسفة جنوب مدينة الموصل بالقرب من قرية (العذبة) التي تبعد عن مركز المدينة 20 كم جنوبا، وتبعد الخسفة حوالي 5 كم عن القرية الواقعة على الشارع العام الرابط بين الموصل وبغداد، استعملها تنظيم داعش في التخلص من ضحاياه بعد سيطرته على مدينة الموصل في منتصف 2014.
“الخسفة”.. إبادة بحق أبناء الموصل
يؤكد الكاتب والباحث السياسي الموصلي عبد الجبار الجبوري، ان “فاجعة الخسفة إبادة جماعية بحق أبناء الموصل، فإلقاء 2070 وأكثر من هذا العدد على اليد التنظيم المتطرف جريمة بحق الإنسانية جمعاء”.
ويقول (لكركوك ناو)، ان “شهداء الموصل الذين قضوا جراء القصف او العمليات العسكرية واستطاع ذووهم انجاز معاملاتهم الرسمية لم يتم تعويضهم من قبل الحكومة الاتحادية لغاية الان، فكيف الحال لشهداء لا أثر لجثمانهم او أي شي اخر؟، وعند والوقوف على الامر والتمعن به سنجد حجم الظلم الذي تتعرض له الموصل”.
اغلب ضحايا “الخسفة” هم من شريحة القضاة والاعلاميين ومنتسبي الشرطة والجيش ومرشحي انتخابات وشيوخ عشائر واخرين تم اعدامهم جماعيا وافرادا والاعلان عن موتهم في 7 اب 2015.
ماهي الخسفة؟ وكيف الوصول الى الضحايا في قاعها؟
الدكتور علوان رابح الباحث الموصلي في علم العلوم الجيولوجيا يقول ان حفرة الخسفة ووفق دراسات جغرافية مكثفة يبلغ عرضها 50 متراً، وبعمق 184مترا ولا يوجد لغاية اليوم دراسة مفصلة عن الأسباب التي أدت لها بسبب اهمال الحكومات العراقية المتعاقبة للموضوع.
وتابع، ان” الجهات العراقية غير قادرة على النزول الى قاع الحفرة واستخراج الضحايا لأنها لا تمتلك المعدات اللازمة لتنفيذ العملية، وبسبب التركيب الجيلوجي للمنطقة، ووجود غاز اوكسيد الكبريت، وغاز الميثان السام، فضلا عن جغرافية المنطقة الصعبة، لذا لا بد الاستعانة بفرق اجنبية في اعمال البحث والاستكشاف والاستخراج تساعدهم فرق علمية عراقية في تنفيذ المهمة، ثم اجراء تحليل (dna)، الخاص بتحديد الانساب لمعرفة الضحايا وبالتالي الوصول الى ذويهم وضمان حقوقهم”.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد نشرت تقريرا لها في وقت سابق أكدت فيه أن تنظيم الدولة الإسلامية أعدم المئات من المحتجزين ودفن جثثهم في موقع قريب من الموصل.
الجهات العراقية غير قادرة على النزول الى قاع الحفرة واستخراج الضحايا لأنها لا تمتلك المعدات اللازمة لتنفيذ العملية،
وأكد التقرير وفقا لشهود عيان أن التنظيم رمى عددا كبيرا من الجثث بينها جثث لعناصر من القوات الأمنية العراقية في حفرة طبيعية يطلق عليه اسم الخسفة جنوب الموصل.
أم علاء تؤكد انه بعد أربع سنوات لا تملك قبرا لابنها تزوره عندما تشاق اليه، وترش الماء عليه كما هي العادات العراقية، ولا تمتلك وثيقة رسمية تؤكد وفاته، والحكومة ترفض الاعتراف باستشهاده واستشهاد من تم القائه بالخسفة، وتقول اليوم هي ووالده الذي أصيب بالشلل النصفي وامراض اخرى من الم الفراق لا تملك سوى الصبر على امل ان يكون القادم أفضل”.
كركوك ناو – نينوى