مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية
النص : { وإذِ آبتلى إبراهيمَ ربُّهُ بكلمات فأتمهنُنَّ ، قال : إنِّي جاعلُكَ للناس إماماً ، قال : ومن ذُرِّيَّتي ، قال : لاينالُ عهدي الظالمين }
التفسير : إن الآيات التي وردت قبل وبعد الآية الرابعة والعشرين بعد المئة من سورة البقرة تتحدث عن أهل الكتاب ، بخاصة اليهود والنصارى ، وعن إبراهيم وبنيه أيضاً على وجه الخصوص . ووقت أن كلف الله تعالى نبيه إبراهيم وآختبره بتكاليف شاقة ، وبأوامر ونواهي ، فأتمهن وأدَّاهن بأحسن شكل ، بل على وجه التمام والكمال ، وقام بتنفيذهن بأفضل ما يمكن ، منها هجرته من الوطن والديار ، وإلقاؤه في النار كي يُحرقوه ، ثم آبتلاؤه بذبح آبنه إسماعيل حينما أمره الله عزوجل . فخرج إبراهيم من كل هذه التكاليف والإختبارات الإلهية ناجحاً ، فخاطب الله نبيه إبراهيم بأنه سبحانه قد [ جعله ] للناس إماماً ، أي مناراً وقدوة صالحة ومثالاً يقتدي به الناس .
يقول السيد محمد رشيد رضا في تفسيره : [ هذه الإمامة بمحض فضل الله تعالى وآصطفاءه لا بسبب إتمام الكلمات ، فإن الإمامة هنا عبارة عن الرسالة ، وهي لا تنال بكسب المكاسب ، وليس في الكلام دليل على أن الإبتلاء كان قبل النبوة ] يُنظر كتاب ( تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار ) لمؤلفه السيد الإمام محمد رشيد رضا ، ج 1 ، ص 369 . الإمامة المقصودة في الآية الحكيمة ، هي الرسالة الإلهية المقرونة بالنبوة كما قال السيد الإمام محمد رشيد رضا وغيره من المفسرين والمحققين . عليه ، فإن هذه الإمامة الإصطفائية من لدن الله تعالى مقرونة بالنبوة ، إذ لا ينالها أيَّ أحد من البشر ما عدا الأنبياء – عليهم السلام – ، وهي كذلك لاتنال بالكسب والجد في العلم وغيره إذن ، من الخطإ الفاحش الإبتعاد مباشرة عما تحتمله الآية ، أو تفسيرها من الناحية المذهبية الضيقة كما يفعل الشيعة . هنا الإمامة المقصودة والمعنية ، هي إمامة خاصة لا عامة التي يمكن الحصول عليها بالكد والكسب والعمل ، أي إن ذلك النموذج الخاص للإمامة ، هو حصريٌّ للأنبياء المرسلين فقط لا غيرهم على الإطلاق ، وهي ليست لغيرهم – أي لغير الأنبياء – ، أما ما دون الأنبياء فالإمامة ممكن ، لكنها عامةٌ وليست ربانيةٌ وحْيانيةٌ نبوية رسالية أبداً .
على هذا الأساس لم يجعل الإسلام الإمامة ، أو الخلافة التي تعني بأهم معانيها وابعادها السياسة والحكم والحكومة ركناً من أركانه ، ولم يجعله أيضاً أصلاً من أصوله . ذلك إن الأركان والأصول الدينية والإيمانية هي معروفة في القرآن وصحيحن السنة ، وهي ثابتة غير قابلة للتغيير والتبديل والتجديد ، أو المراجعة والإجتهاد ، مثل شهادتي التوحيد والنبوة والصلاة والزكاة والصوم والحج ، أو الأركان الإيمانية كالمعاد والحشر والنشر والبعث يوم القيامة ، فهذه الأركان هي ثابتة في الإسلام ولا تخضع لمعايير التطور والتغيير والإجتهاد الزمني والمكاني . أما الإمامة – الخلافة فهي بالعكس تماماً ، إذ هي معروفة بأنها قابلة للتطور والتغيير والإضافة وفق تطور الزمان ومعايش الناس في بلدانهم من حيث الإدارة والحكومة والإقتصاد والأعراف والتقاليد والثقافة وغيرها ومن ينظر الى تواريخ الأمم في الغابر والماضي والحديث والمعاصر يكتشف ذلك بوضوح شديد .
بعدها دعا إبراهيم ربه ف{ قال : ومن ذريتي } فذكر سبحانه : { قال ؛ لا ينال عهدي الظالمين } ، أي : إن إبراهيم قال بأن يجعل الله عزوجل الإمامة المقرونة النبوة في بعض ذريته ، فذكَّره الله تعالى بأن عهده في الإمامة الخاصة المقترنة بالنبوة والرسالة ، كونها أمانة عظمى لا تصلح للظالمين . لهذا واضحٌ ، كل الوضوح إن الظالم – كما قرره الله تعالى – لا يستحق مطلقاً لحمل أعباء هذه الأمانة العظمى ، ولا هو جدير بها أبداً . أي إن هذه الإمامة المقترنة بالنبوة لا ينالها ولا يمنُّها الله تعالى إلاّ من كان نبياً مرسلاً من عنده ، وكفى ، حيث الآية لا تحتمل تفسيراً آخر .
الشيعة وتفسير الآية : معلومٌ إن الشيعة لا يُأوِّلون ولا يُفسِّرون الآية الرابعة والعشرين بعد المئة من سورة البقرة تأويلاً وتفسيراً مغايراً ومتناقضاً ، كل التناقض معها وحسب ، بل إنهم هكذا تأويلهم وتفسيرهم للغالبية العظمى من آي القرآن الكريم ، وسببه التطرف والغلو المذهبي لهم لآل بيت النبوة الكريم ، وذلك الى حد التأليه حجب عنهم رؤية الحقيقة والتفسير الأقرب الى العقل والمنطق والإعتدال والمصداقية . فواضحٌ كالشمس الساطعة في رابعة النهار إن الآية المذكورة تتعلَّق بنبي الله إبراهيم وبنيه في زمنه خاصة ، ومن ثم تتعلق بذرية إبراهيم بعده من الأنبياء المرسلين حصراً لا غيرهم على الإطلاق .
قال الطبرسي في تفسيره للآية : ( عن المفضل بن عمر ، عن الصادق ، قال : سألته عن قول الله عزوجل { وإذِ آبتلى إبراهيم ربه } { بكلمات } ، ما هذه الكلمات ؟ ، قال : [ هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، وهو أنه قال : يارب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تُبتَ عليَّ ، إنه هو التواب الرحيم ] ، فقلت : يابن رسول الله : فما يعني بقوله { فأتمهن } ، قال [ أتمهن الى القائم آثني عشر إماماً ، تسعة من ولد الحسين ) يُنظر كتاب ( تفسير الطبرسي ) لمؤلفه الطبرسي ، ج 1 ، ص 423
ويقول نفس الشيء مفسر شيعي آخر في تفسيره للآية مع إضافات شاذة أخرى ، وهو العياشي [ ت 932 م ] ، فيقول : ( رواه بأسانيد عن صفوان الجمَّال ، قال : كنا بمكة فجرى الجديث في قول الله : { وإذِ آبتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } ، قال : [ أتمهن بمحمد وعلي والأئمة من ولد عليٍّ ، في قول الله { ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم } ، ثم قال : إني جاعلك للناس إماماً ، قال : { ومن ذريتي ، قال ؛ لا ينال عهدي الظالمين } ، قال : يارب ويكون في ذريتي ظالمٌ ؟ ، قال : نعم فلان وفلان وفلان ومنِ آتَّبعهم ، قال : يارب فعجل لمحمدٍ وعليٍّ ما وعدتني بهما ، وعجل نصرك لهما ) يُنظر كتاب ( تفسير العياشي ) لمؤلفه أبي النظر محمد بن مسعود عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي ، ج 1 ، ص 76
بهكذا تحريف عمل ويعمل الشيعة في تفسير الآيات القرآنية تفسيراً متناقضاً معها ، بل متصادماً ، كل التصادم معها ، فمثلاً : ( عن أبي ولاّد ، قال : سألتً أبا عبدالله عن قوله { الذين آتيناهمُ الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يُؤمنون به } ، قال : ، فقال : هُمُ الأئمة ) يُنظر نفس المصدر المذكور والمؤلف والجزء والصفحة .
مع إن الآية المذكورة ، وهي الحادية والعشرون بعد المئة من سورة البقرة تتعلق بأهل الكتاب من اليهود والنصارى فقط ، حيث المراد به المؤمنون الصادقون من أهل الكتاب حصراً ولا تتعلق بالمسلمين إطلاقاً !
هكذا نجد غريب الشيعة في تفسيرهم لمعني [ بني إسرائيل ] : ( عن محمد بن علي ، عن أبي عبدالله قال : سألته عن قوله { يابني إسرائيل } ، قال : هي خاصة بآل محمد ) ! يُنظر نفس المصدر المذكور والمؤلف والجزء ، ص 62 ، ثم يستمر المؤلف المذكور في التحريف فيما هو أبعد من الغرائب والعجائب ، فيقول بعد أنِ آفترى على رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – بأن أحد أسماءه ، هو [ إسرائيل ] ! : ( عن أبي داود ، عمَّن سمع رسول الله يقول : أنا عبدالله ؛ إسمي أحمد ، وأنا عبدالله ؛ إسمي إسرائيل ، فما أمره فقد أمرني ، وما عناه فقد عناني ) ! يُنظر نفس المصدر المذكور والمؤلف والجزء ، ص 62 – 63
إستناداً لما ورد نجد من السهولة عندهم حتى القول العظيم في تحريف الآي القرآن الحكيم ، مثل : ( عن زيد الشحَّام ، عن أبي جعفر قال : نزل جبريل بهذه الآية ) ! يُنظر نفس المصدر المذكور والمؤلف والجزء والصفحة .
وصواب الآية القرآنية هو : { فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم * فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون } البقرة / 59 ، علاوة على الجرأة الغاشمة في التحريف لكلام الله سبحانه فإن الآيات التي قبلها وبعدها تتحدث عن أهل الكتاب حصراً ، وقوم نبي الله موسى بالتحديد ، وهي لا تتعلق بالمسلمين ولا ترتبط بهم . ثم يستمر العياشي في تحريفه للآيات القرآنية ، فيقول : ( عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : أما قوله { أفكلما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم } الآية ، قال أبو جعفر : ذلك مثل موسى والرسل من بعده وعيسى ضرب لأمة محمد مثلاً ، فقال الله لهم : ) ! ، يُنظر نفس المصدر المذكور والمؤلف والجزء ، ص 68
وصواب الآية بالتمام والكمال دون تحريف هو : { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفَّينا من بعده بالرسل * وآتينا عيسى آبن مريم البيِّنات وأيَّدناه بروح القدس * أفكلما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكمُ آستكبرتم ففريقاً كذَّبتم وفريقاً تقتلون } البقرة / 87 . كما نلاحظ الآية بشديد الوضوح فإنها تتعلق بأهل الكتاب حصراً ولا علاقة لها بالإسلام ونبيه والمسلمين عامة ، بخاصة آل النبي الكريم ..