تعود بدايات الاهتمام بالمعرفة إلى بداية وجود الإنسان على الأرض، ومنذ تلك اللحظة لم يكف عن التعلم والركض خلف المعرفة، حتى بات أقوى سلاح بيده، ومنذ سنين طويلة والسباق محموم بين الأمم المتحضرة عليها. وللأسف الشديد الإمة الكردية ليست من بين تلك الأمم، بسب تخلف قياداتها السياسية ذات العقول العفنة على مدى أكثر من 2500 عام. هذا إلى جانب الإحتلال المباشر لكردستان وتقسيمها وتقسيم أبنائها.
بداية أخذ الإنسان يتعرف إلى عناصر البيئة التي يعيش فيها، ويجمع المعلومات البسيطة حولها لتساعده على تحديد سلوكه وكيفية تعامله معها، وحل الصعوبات التي تواجهه، ليتمكن من البقاء حيآ والاستمرار في الوجود وتطوير حياته تدريجيآ.
المعرفة تطورت مع السنين وإن بشكل بطيئ، إلى قفزة قفزة نوعية عندما إكتشف الزراعة، ثم الورق ومرورآ بالثورة الصناعي التي أدت تطور هائل في نمط حياة البشرية، وإلى أن عصرنا هذا عصر المعلوماتية، الذي جعل من الكرة الأرضية قرية صغيرة.
من خلال هذه المقدمة القصيرة، حاولت إلقاء الضوء ولو بشكل سريع، على تطور المعرفة وتدد أوجهها ومصادرها، وبقيا علينا أن نحدد ماهي المعرفة وأنواعها؟ وما علاقتها بالمعلومات؟ و أبرز خصائصها، وأهميتها في حياة البشرية.
مفهوم المعرفة:
المعرفة تعني، قدرة الفرد على إستيعاب وإدراك ما يدور حوله من حقائق، وفق ما يكتسبه من معارف ومعلومات من خلال القراء، والتفكر والإختبار. ويرتبط مقدار المعرفة بمستوى الذكاء وسرعة بديهة المرء، وسعيه الدؤوب لتعلم الأشياء المجهولة واكتشافها وكشف أسرارها، وتنمية القدرات الذاتية والإستفهام من الأخرين فيما لم يفهمه. بكلام أخر تعني، الخبرات والمهارات، التي يكتسبها المرء من خلال القراء والتعلم والتجربة. وقد إقترن مفهوم المعرفة في اللغة العربية بالعلم والإدراك. وورد في معجم المنجد، كلمة المعرفة مشتقة من فعل (عرف)، وعرف الشيء يعني علِمه.
أهمية المعرفة:
مع بداية الألفية الثالثة وتطور وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات وظهور ما يسمى بالعالم الرقمي أصبحت للمعرفة، مكانآ مهمآ ومحوريآ ومورداً هاماً للأفراد والشركات والمؤسسات والحكومات، على اختلاف طبيعتها.
المعرفة العلمية والعملية تحقق الابتكارات والاكتشافات والاختراعات والتكنولوجيا النوعية، حيث أن التكنولوجيا هي نتاج المعرفة والعلم وبالشكل الذي يقود إلى استثمارات جديدة، ومن ثم زيادة القدرة الإنتاجية.
إن الإستثمار في مجال المعرفة، يولد إنتاجآ أفضل وأقل رخصة، ويزيد من ربح المؤسسات والشركات ونفوذها وقدرتها على التنافس. إن الزيادة المستمرة في الاستثمارات ذات الصلة المباشرة بالمعرفة، ينتج عنها تكون رأس مال معرفي لا يقدر بثمن، تمثله الأصول غير المادية وغير الملموسة، وينجم عنه زيادة في نتاج المعرفة والعلموالمعرفة تلعب دورآ مهمآ في حياة المؤسسات والشركات ويمكن تلخيص هذا الدور في عدة نقاط أهمها:
1- المعرفة تمنح المؤسسات قيمة إضافية لها.
2- تخلق بيئة تنافسية ودائمة التطور لها.
3- تعتبر المعرفة مصدراً لا غنى عنه لضمان الجودة ، وتحفيز حركة أنشطة الإبداع والابتكار.
4- تساهم في تحول الشركات إلى الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة، والذي يعرف باسم اقتصاد المعرفة.
5- الإعتماد على رأس المال البشري في تطور الاقتصاد وكل مناحي الحياة.
6- المعرفة هي التي تحدد سياسة المؤسسات والشركات وإستراتيجيتها المستقبلية.
7- من يملك المعرفة هو من يحدد الإتجاه ويتحكم في مصير العالم.
خصائص المعرفة:
للمعرفة خصائص متعددة، من أهمها ما يلي :
الأولى إنسانية: ميزت المعرفة الإنسان عن باقي الكائنات الحية، كما أنه هو الذي ينقلها من جيل لآخر وهو القادر على إيجادها وهضمها وتوليدها وتجديدها.
الثانية تراكمية: المعرفة تتكون مع الزمن، وتحدث على فترات زمنية طويلة نسبياً ويحتفظ بها الفرد أو المؤسسة بغرض الإستفادة في معالجة أي مشكلة تتعرض حياة البشرية.
الثالثة تولد وتتجدد: حيث أن الإنسان كفرد ومجموعة، قادرين على الدوام توليد معرفة جديدة من خلال التفكر، أي أنها تنضب.
الرابعة تتقادم أو تموت: المعرفة كما تولد فتتقادم أو تموت أيضاً. مثلاُ الحاوسيب والهواتف النقالة تتقادم بسرعة.
الخامسة المعرفة يمكن أن تمتلك: المالك للمعرفة يمكنه الاحتفاظ بها، أو بيعها، أو المتاجرة بها، ومع ذلك تظل موجودة لديه.
السادسة تفظ أو تخزن: يمكن حفظ المعرفة في الوثائق، وأدمغة الأفراد، وقواعد المعرفة، ومواقع الانترنت وغيرها.
السابعة لا تفنى بالاستعمال: المعرفة قابلة للاستعمال الدائم لأكثر من غرض.
مصادر المعرفة:
هناك مصادر متعددة للمعرفة، ولكن يمكن حصرها في مصدرين أساسيين هما:
الأول داخلي:
يشمل الإنسان أو الفرد العامل، الذي لديه المعرفة والخبرة التخصصية في في مجال معين، ويعلم كيف ينجز عملآ يتطلب إبداعاً من طرف، وهذا ينطبق على مجموعة من الأفراد، الذين يعملون كفريق في إطار مجال معين، لويبتكرون معارف جديدة في مجال عملهم.
الثاني خارجي: تشمل العلاقات المتبادلة فيما بين المؤسسات الخاصة والحكومية، إذ تؤدي هذه العلاقات إلى تعلم الكثير من المهارات والخبرات من بعضها البعض.
أنواع المعرفة:
تصنف المعرفة إلى ثلاثة أنواع هي:
المعرفة الإكتسابية:
هي كل ما يكتسبه الإنسان بحواسه، ومن ثم بفعل دراسته في المدرسة، وما يقرأه بمباردة شخصية منه أي المطالعة، والتعلم من الأخرين وتجاربه العملية.
المعرفة التفكرية:
هي تلك الناتجة عن التفكر أو التفكير الإنساني حيث ينجم عنه تولد معرفة جديدة غير مسبوقة، وقد يقوم بذلك فرد لوحده، أو فريق عمل معين ضمن مجال محدد من العلوم.
المعرفة الإختبارية:
هي تلك المعرفة التي نحصل عليها من خلال التجربة العملية في المخابر والمعامل، وميادين العمل المختلفة.
الفرق بين المعرفة والمعلومة:
الفرق الأساسي بين المعلومات والمعرفة، هو أن المعرفة إستنتاجية أكثر منها حسابية. وغالبا ما تكون عامة وغير محدودة بمكان وزمان ما. أما المعلومات فهي حقائق علمية صحيحة كالإحصيات، ومعدلات النمو الإقتصادي، والسكاني، والمعرفة تستفيد منها وتبني عليها.
العلاقة بين المعلومات والمعرفة:
العلاقة بين المعلومات والبيانات والمعرفة علاقة عضوية وتكاملية. البيانات والمعلومات، دون دون معالجها لا قيمة لها. والمعالجة هنا نعني بها المعرفة. مثلآ أسباب التضخم المالي في سنة مالية ما. أو أسباب زيادة حالات الإجرام المنظم في مدينة معينة عن السنوات السابقة أو في البلد عمومآ. المعلومات لا تتحول إلى معرفة إلا إذا استثمرها الإنسان في عمل ما، فالمعرفة شأنها شأن الطاقة نتستخدمها في المهام المطلوب منها أو الأشياء التي نحن بحاجة إليها.
ختامآ، بعد هذا الشرح المبسط قدر المستطاع والموجز، بقيا السؤال المهم التالي:
أين نحن الكرد كإمة من المعرفة؟ وما هو نسبة مشاركتنا في إنتاج المعرفة مقارنة بالإمم الأخرى؟
هذا السؤال أتركه في رسم القيادات الكردية المنتفخة والمتورمة، ومعهم أبناء شعبنا الكردي جميعآ.
02 – 04 – 2020
==============================
المراجع:
1- كتاب: المنجد في اللغة والإعلام.
الكاتب: لويس معلوف.
الناشر: دار الشروق – بيروت عام 1992.
2- كتاب: مدخل لدراسة المكتبات وعلم المعلومات.
الكاتب: حشمت قاسم.
الناشر: دار غريب – القاهرة عام 2007.
3- كتاب: إدارة المعرفة الطريق إلى التميز والريادة.
الكاتب: عمر أحمد همشري.
الناشر: دار صفاء للنشر – عمان – الأردن عام 2008.
4- Zack, M. H. (1999). Developing a knowledge strategy. California Management Review, 41(3), 125-145. Retrieved
Husel. Thomas and Bell .a (2001)Measuring and Managing Knowledge 5- McGraw-Hill :Boston