الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeاخبار منوعةرجل ادّعى النبوة وتسبب في أعنف حرب أهلية على مر التاريخ

رجل ادّعى النبوة وتسبب في أعنف حرب أهلية على مر التاريخ

 

تُعد الحروب الأهلية أتعس حلقة في تاريخ الشعوب، فخلالها يتناحر أبناء الوطن الواحد مخلفين دماراً واسعاً ببلادهم وصفحة سوداء في تاريخهم. رغم ذلك، لا يخلو التاريخ الإنساني من عدد هائل من الحروب الأهلية التي تسببت في سقوط مئات الملايين من القتلى ولعل أبرزها الحرب الأهلية الأميركية والحرب الأهلية الإنجليزية والحروب الدينية بفرنسا والحرب الأهلية الروسية والحرب الأهلية الإسبانية والحرب الكورية.

وشهد العالم ما بين سنتي 1850 و1864 أعنف حرب أهلية على مر التاريخ الإنساني، وكانت الصين مسرحاً لهذه الكارثة الإنسانية التي تسببت في مقتل عشرات الملايين بسبب رجل ادعى النبوة وأعلن للعالم أنه “شقيق المسيح”.

منذ طفولته، تميّز هونغ إكسيوكوان بمستواه العلمي الرائع حيث تمكن من حفظ عدد هام من كتابات الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، فضلاً عن ذلك وعلى الرغم من الحالة المادية السيئة لعائلته، واظب هونغ على دراسته أملا منه في التقدم إلى برنامج الوظيفة العمومية الصيني والحصول على وظيفة مرموقة بهدف تحسين الوضع المادي لعائلته.

رسم تخيلي لهونغ إكسيوكوان الذي ادعى النبوة وتسبب في حرب أهلية

للأسف لم تكلل محاولة هونغ إكسيوكوان الأولى في اللحاق بالوظيفة العمومية بالنجاح حيث تم قبول نسبة ضئيلة جداً من المترشحين، ولهذا السبب انتقل هونغ نحو منطقة غوانزو بهدف الترشح مرة ثانية هناك.

خلال تجوله بشوارع غوانزو سمع هونغ قسيسا أميركيا بصدد الحديث عن المسيح والجنة وقد شد هذا الحديث انتباه هذا الشاب الصيني. مثّلت هذه اللحظة لحظة هامة في تاريخ الصين، فمن خلال هذا الحديث الذي سمعه من القسيس سيقدم هونغ لاحقاً على بلورة فكرة جديدة متسبباً من خلالها في أعنف حرب أهلية على مر تاريخ البشرية.

خلال تواجده بمنطقة غوانزو، فشل هونغ إكسيوكوان في الالتحاق بالوظيفة العمومية وبعد حوالي سنة، فشل الشاب الصيني مرة ثالثة، ليدخل على إثر ذلك في حالة نفسية صعبة جعلته يهذي حيث تحدّث عن أحلام غريبة تراوده حول رجل ذي لحية ذهبية، وقد نادى هذا الرجل هونغ بـ”ابنه” ودعاه “لتخليص الصين من حكم الشياطين”.

سنة 1843 وعلى إثر فشله للمرة الرابعة في اللحاق بالوظيفة، أقدم هونغ على تأويل أحلامه السابقة بشكل فردي ليعلن للجميع حينها أنه “الشقيق الأصغر للسيد المسيح” داعياً الأهالي لمساندته من أجل “تخليصهم من الشياطين وطرد الأجانب وخلق مملكة السماء على الأرض”.

صورة للختم الملكي الرسمي لمملكة تايبينغ

مطلع سنة 1850، بلغ عدد أتباع هونغ إكسيوكوان 10 آلاف شخص وخلال أشهر قليلة تضاعف هذا العدد مرات عديدة حيث التف عدد كبير من الفلاحين والمزارعين حوله أملا في تحسين حالتهم المعيشية. ومع حلول شهر يناير/كانون الثاني سنة 1851، قاد هونغ ثورة عارمة اجتاحت مناطق واسعة من الصين وهددت سلالة تشينغ الحاكمة.

خلال فترة وجيزة نجح أتباع هونغ إكسيوكوان في الهيمنة على مناطق واسعة من الصين وسيطروا على العاصمة القديمة للبلاد نانجينغ، وعلى إثر ذلك أعلن هونغ عن قيام ما يعرف بـ”مملكة تايبينغ السماوية” والتي اعتمدت نظاما سياسيا غريبا. حال إعلان قيام مملكته، أرسى هونغ إكسيوكوان نظاما اعتبره كثيرون خليطا بين تعاليم المسيحية والشيوعية المعاصرة، حيث تم اعتماد المزارع المشتركة ووزع الغذاء بالتساوي بين الجميع، فضلاً عن ذلك تم تقسيم المجتمع إلى نصفين حيث عاشت النساء في جهة والرجال في جهة أخرى، إضافةً إلى كل هذا أمر هونغ بالتخلص من كل ما يرمز للنظام الصيني وسلالة تشينغ بداية من مؤلفات كونفوشيوس وصولاً إلى تعاليم الديانة البوذية والتقويم. طُبقت القوانين بصرامة مطلقة داخل ما يعرف بـ”مملكة تايبينغ” حيث عوقب بشدة كل من خالفها، إلا أنه لم تطبِّق أي منها على الحاكم هونغ إكسيوكوان، والذي لم يتردد في إحاطة نفسه بالعديد من الحسناوات.

في حدود سنة 1860، بلغت قوة “مملكة تايبينغ” أوجها حيث قُدر عدد سكانها بنحو 30 مليون نسمة، فضلاً عن ذلك كانت قوات سلالة تشينغ الصينية الحاكمة غير قادرة على مجابهتها. لكن مع بداية سنة 1861، اتخذ هونغ قرارا سيئا تسبب في نهاية مملكته حيث أقدم على محاصرة منطقة شنغهاي التجارية العالمية مستغلاً بداية الحرب الأهلية الأميركية.

لم يرق قرار محاصرة شنغهاي للبريطانيين الذين اعتمدوا على هذه المنطقة التجارية من أجل نقل الأفيون إلى الصين، وعلى إثر ذلك أقدمت بريطانيا على جلب مزيد من قواتها من مستعمرتها بالهند بهدف شن حرب سريعة ضد “مملكة تايبينغ”. على الرغم من نقصها العددي استغلت بريطانيا تفوقها التكنولوجي لتتمكن خلال فترة وجيزة من إلحاق هزيمة ساحقة بقوات هونغ والتي تراجعت إلى حدودها السابقة، فضلاً عن ذلك استغلت سلالة تشينغ الحاكمة بالصين هذا الأمر لتشن هجوما مضادا ضد “مملكة تايبينغ”.

خلال فترة وجيزة اتخذت الحرب منحى خطيرا، حيث تحول المدنيون إلى الهدف الرئيسي للنزاع تزامنا مع انتشار المجاعة بالمنطقة. فضلاً عن ذلك لم تتردد قوات كلا الطرفين في إبادة قرى بأكملها حال التشكيك في ولاء أهاليها. على إثر معارك ضارية، أجبرت قوات “مملكة تايبينغ” على التراجع نحو مدينة نانجينغ والتي فرض جنود سلالة تشينغ حصاراً خانقاً حولها، وفي حدود سنة 1864 ومع اشتداد الحصار عانى أهالي المنطقة من مجاعة أهلكت الملايين.

رسم تخيلي يجسد سيطرة قوات سلالة تشينغ الصينية على مدينة نانجنغ سنة 1864

أمام تفاقم المجاعة حاول هونغ إكسيوكوان إقناع أتباعه بتناول الأعشاب، فبعد خطاب حماسي بين الجماهير التقط الأخير بعض الأعشاب وأكلها. مع الأسف كانت هذه الأعشاب التي تناولها هونغ سامة وعلى إثر ذلك فارق الأخير الحياة بعد معاناة وآلام شديدة. خلال الفترة التالية تمكنت قوات سلالة تشينغ من اقتحام مدينة نانجينغ وأعدمت نسبة كبيرة من سكانها، كما تم استخراج بقايا جثة هونغ إكسيوكوان من القبر قبل أن تحرق أمام أعين الجميع.

استمرت هذه الحرب الأهلية التي عصفت ببلاد الصين 14 سنة بعد أن تسبب فيها رجل ادعى النبوة معلناً نفسه “شقيق السيد المسيح”، فضلاً عن ذلك أسفرت هذه الحرب الأهلية عن مقتل حوالي 25 مليون شخص لتصنف كأعنف حرب أهلية على مر تاريخ البشرية.

المصدر: العربية.نت

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular