الأستاذ الفاضل الباحث القدير والأدِيب اللبيب الدكتور عَلاء الجوادي المحترم
أخي وَصديقي الأدِيب البَليغ الوَدود فَاروق عبد الجبار عبد الإمام المحترم
الناسُ صِنفان ( فإنِّهم إمّا أَخٌ لكَ فِي الدِينِ، أو نَظير لكَ بالخلقِ) الإمام عَلي بن أبي طالب/ نهج البلاغة
بِسعادةٍ كبيرةٍ قَرأتُ كامِل المقالة الطويلة جداً – المُمتعة – المَوسومةِ (مِن ذاكرةِ الموحد المندائي فاروق البغدادي إلى الغالي أبن الدوحة الهاشميَّة)(1) وَالمنشورة فِي مَوقعِ (مُؤسسة النور للثقافةِ وَالإعلام) بتاريخ (06 – نيسان/أبريل – 2020) عَلَى صفحةِ الدكتور عَلاء الجوادي، وَالمقالة بقلمِ : فاروق عبد الجبار عبد الإمام.
سُررتُ بِمُحتواها وَنُبل ما سطر فيِها مِنْ مشاعِر إنسانيَّة وجدانيَّةٍ حَميميَّةٍ وَسردٍ مُمتعٍ وَمَعلوماتٍ تاريخيَّةٍ وثقافيَّةٍ قَيمةٍ تَستحق القراءة وَالبحث فيها.
واضِحٌ جداً الجُهدُ الكبيرُ المَبذولُ بجمعِ مُحتوياتِ المَقالةِ لغايةِ نشرها بهذا الشكلِ الرائع؛ يَشكرُ عليه سَعادة السَّفير الأَديب البروفسور (عَلاء الجوادي) فَقد وَضَعَ بَينَ ايدينا عَملاً متميزاً بامتياز، فهو كِتابٌ فِي مقال؛ ففيه الأدب والفن والسياسة وعلم الاجتماع!
أوَّلُ مَا يَلفتُ نظركَ فِي المَقالةِ هو الأسلوب الأدبي الذي كتُبتْ فيه أنه (أدَب الرسائل الإِخوانيَّة) فَفِي الرسائلِ المتبادلةِ بَيْنَ الأديبين (عَلاء الجَوادي وَفَاروق عبدِ الجبار) تَشدكِ اليها اللغةَ الأدبيَّةَ الراقيَّة الفَصيحة المليحة، وَكذلكَ تفصح لك المقالة عَن المواهبِ الأدبيَّةِ والمعرفيَّةِ والثقافيَّةِ الرائِعةِ التي يَتمتعُ فيها (الزَميلانِ / الصَّديقانِ) فِي تَبادلِ التحايا والسُّؤالِ عَن الأحوالِ، وَفِي النَظمِ وَالنَثرِ وَالسَّردِ وَالتَّدوين.
المَقالُ وَثيقةٌ (أدبيَّةٌ، ثقافيَّةٌ، اجتماعيَّةٌ، سياسيَّةٌ) تَبحثُ فِي سَردٍ ممتعٍ للعلاقاتِ الاجتماعيَّةِ وكيفَ كانتْ قبل أكثر مِن نصفِ قرنٍ من الزمنِ تجري في المحلاتِ العريقة (للعاصمةِ بغداد)، وابرز التطورات السياسيَّة والاجتماعيَّة التي ترعرع فيها فِي تلك الفترةِ الزمنيَّة مِن تاريخ بغداد وبالتحديدِ فِي بقعةٍ جغرافيَّةٍ مهمةٍ جداً فِي مدينةِ بغداد مَحلة (قَنبر عَلي) وَما جَاورها (سُوق حَنون) والتي تقعُ فِي قلبِ العاصمةِ / جانب الرصافة، فمن المنطقةِ ومن مدرستها (المدرسة المهديَّة الابتدائيَّة للبنين) تَخرج وَساهم مِئات الآلاف مِنْ الشخصياتِ التي اصبحَ لها دورٌ واضحٌ وكبيرٌ ومتميز في كافةِ مجالاتِ الحياة ( الفكريَّة وَالاقتصاديَّة والسياسيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة ) في العراق والمعمورة، انها كانت ولَمْ تزلْ قلب بغداد النابض!
احتَوتْ المقالةُ عَلَى قصصٍ أدبيَّةٍ شيقةٍ، ونُصوصٍ شعريَّةٍ بديعةٍ، وَمَقالاتٍ وَخَواطر فكريَّة متنوعة.
فَقد جاءتْ القصةُ الأدبيَّة القصيرة الجميلة ( تداعياتُ قـِرد) بقلم الأديب (فاروق عبد الجبار) والتي كُتبت بلغةٍ أدبيةٍ رشيقةِ شيقةٍ، سلسلة، وَبعمقِ مدلولها السياسي الناقد لما يمرُ به العراق مِن محنة كبيرة مُستمرةٍ تضربُ بكلِّ عنفها لتدميرهِ أسماها ( المحاصصة) أنها بحقٍ جذوةٍ لشرٍ خطير.
القِصةُ الثانيةُ أسمها ( الأوتجي) وَهِي قصص استذكارية من واقع المحلة حقيقية الأشخاص، جاءت كعملٍ مشتركٍ يروى مدوناً على لساني زميلي مقاعد الدراسة الابتدائية (الصديقين الحميمين) وهي قصص عن أهلِ المنطقة التي سكنا و اكملا دراسة اول مرحلة دراسية – أبتدائية- فيها محلة (قنبر علي).
فَفِي سردِ قصةِ ( الأوتجي) تَبرز للقاريءِ الروابط الإنسانيَّة السائدة فِي الحياةِ الاجتماعية الموجودةِ فعلاً فِي تلك الفترةِ وَالتي يغلبُ عَليها (الصِدقُ والمَودةُ والطيبةُ والبَساطةُ والألفةُ والإنسانيَّةُ وَ الاِحترام) فسكان المحلة مِن مختلفِ القومياتِ وَالأديان، كما يرد في المقالة وعلى أرضِ الواقع.
وَأَنَا أقرأ فِي المَقالةِ كانَ حَنينٌ كبير يَشدني للمكانِ الذي تَتحدثُ عَنه المَقالة : فَأنا مِنْ مَواليدِ مَحلةِ ( قَنبر عَلي ) بالتحديد (تَحت التكية فِي بنايةِ التَّورات ) سنة (1953) لكنني لَمْ أدرس فِي مدارسها؛ فَقد انتقلنا إلى منطقةِ (الدورة المهدية الأولى/ في جانب الكرخ من بغداد) في (عام 1959) بعد أن أتم والدي أنشاء (دارسكن) جديد حديث فيها،وذلك قبل الدخول للمدرسة؛ وهي السنة التي كما مثبت في الرسائل المتبادلة وصورة الوثيقة المدرسية المنشورة في المقال والتي تعود لصديقي (فاروق) تخرجه من الصف الأول الأبتدائي للسنة الدراسية 1958-1959.
وَقَد حزنتُ أشد الحُزن عَلَى تهديمِ بناية ( التَّوارت) هذا المعلم البغدادي المهم، وَالتي وردَ ذكرها فِي أكثر مِن مكانٍ فِي مقالكم الكريم.
تَفردُ المَقالة فَصلاً مُخصصاً (للمَقامة المندائيَّة) أنَها بحقٍّ عمل أدبي كبير مُتفرد للأديب المُبدع (فاروق عبد الجبار) سيبقى هذا الأثرُ الأدبي الفني من الأعمال (الخالدة) المتميزة، لِما أمتازت به (المقامة) مِنْ أسلوب أدبي ليسَ بالسهلِ الولوج فيه، لقد كتبت (المقامة المندائية ) ببراعَةِ الأديبِ الرَصين المُلم بأدواته ، جارى فيها جهابذة نتاج أُدباء فَن المقامات.
أَنتهزُ هذهِ الفُرصة لاسَّجل شُكري وامتناني اليكما استاذي الفاضلان (الدكتور الأديب علاء الجوادي والأديب فاروق عبد الجبار) لاختياركما أكثرُ مِن مقطعٍ من مقالتي المنشورة في عدةِ منافذ إعلامية ومنها موقع ( مؤسسة النور للثقافة والإعلام) كنت قد قراءته أثناءَ تشرفي بتقديم صديقي وأخي الحَميم الأَديب (فاروق عبد الجبار عبد الإمام) فِي مُحاضرتهِ الأدبيَّةِ الرائعةِ، واستميحكم عذراً لاستل من مقالكم الكريم مَقطع مما نشر بخصوص( المَقامة المندائيَّة) وَالأمسيَّة الثقافيَّة والتي جاء فيها:
{ اقامت جمعية مالمو المندائية أمسية ثقافية للمقامة المندائية التي دبجتها يراع اخي فاروق عبد الجبار، وبهذه المناسبة كتب الاستاذ (يحيى غازي الأميري) بتاريخ: 15/10/2014، تعريفا جاء فيه: اغتنمت الجمعية الثقافية المندائية في مدينة مالمو، فرصة تواجد الأديب الباحث الأستاذ فاروق عبد الجبار عبد الإمام، المقيم في استراليا منذ عام (2006) زيارته إلى أوربا، لتستضيفه مساء يوم السبت 04-10-2014 في صالة مقرها الجديد، في محاضرة ثقافية أدبية تاريخية حول الشخصية المندائية الفذة الرِّ يشمّا (أدم أبو الفرج)؛…
يقول كاتب المقالة المحترم: لنُحلّقَ معاً عِبرَ الأثير، ونحن نستعيدُ قِصّةَ شخصيّة مندائيّة نعتزُّ جميعاً بها، شخصيّةً ضَربتْ في تأريخِها أعماقَ التاريخ، شخصيّةً نُسجت حولَها العديدُ من الحكايات التي تكادُ أن تُكّونَ إسطورةً مندائيّة حفظتها الصدورُ على مدى العصور، ولم نزل نتناقلها بكل سرور وحبور، فوثَقَناها بأحرف ٍ من نور. بيننا الآن الأستاذ الأديب الصديق القديم القادم من أستراليا (فاروق عبد الجبار عبد الإمام) والذي أعادَ صياغةَ القِصّةَ الأسطورة، بأسلوبٍ أدبيّ متميّز جزلِ المعاني سهلِ الألفاظِ في سرده القَصصي، فجاءت سهلةً واضحةً بعيدةً عن التكلّفِ وغريبِ الكلام متناسقةِ الألفاظِ والمعاني.لقد استخدم ضيفُنا طريقةَ السَّجع لبناءِ مقامتهِ الموسومة (المقامة المندائيّة قصّة آدم أبو الفرج) والتي وردت قِصتهُ ويترددُ اسمه على لسانِ الصابئة المندائيين في الدعاءِ عند السّرّاءِ والضرّاء على حـدٍ سواء.) وبعد هذا المقطع تحدثت عن علاقتي بالأستاذ الأديب فاروق عبد الجبار والتي تمتد لأكثر من عقدين ونيف من السنين… واستشهدت ببعض المقاطع من مقالة كنت قد كتبتها بتاريخ( 22/12/2004) … في تلك الفترة كان فاروق قد حط به الترحال في (اليمن السعيد صنعاء) ينتظر أن يلتحق مع عائلته معاملة لم الشمل إلى (استراليا) حيث سبقته عائلته إلى أستراليا، أخبرني أنه منهمكاً بين البحث والكتابة لموضوع أدبي لم يطلعني في حينها على أسمه، لكنه كان بلسمه في تلك الغربة والتغرب عن الوطن والأهل، وقد بقي في( صنعاء) بالانتظار ثلاثة سنوات ونصف، وبعد وصوله استراليا بعدة سنوات عرفت أن جهوده كانت منصبة بكتابة (المقامة المندائية)… أخي العزيز فاروق قرأت مقالتكم التي أرسلت لي نسخة منها وزادت من هموم قلبي المطعون بآلاف الخناجر، أعرف يا عزيزي طيبة قلبك المملوء حبا ً ووفاء للناس والأهل والوطن. أستمتع الحضور (بالمقامة المندائية) وأسلوب كتابها، وطريقة سردها، دامت المحاضرة زهاء الساعتين، وحضرها جمهور غفير وشرفنا بالحضور العديد من أصدقاء الطائفة المندائية.}
تُحلقُ بك العديدُ مِنْ فُصولِ المَقالةِ إلى عوالمِ الأدبِ الجَميل، فهذا مَقطع (مستل) مِن قصيدةٍ شعريَّةٍ عنوانها (الترانيم) المقطع المنشور كتب باسلوب أخاذٍ ساحر، بمدادِ الأديب (علاء الجوادي) يُخاطبُ بهِ صديقه الأديب (فاروق) وهو يُهيأ نَفسهُ لإجراءِ عمليةٍ جراحيةٍ كبيرةٍ لتبديلِ بعض من شرايين القلب؛ ستجرى له باليوم التالي ، فِي مقطعِ القصيدة ترد مفردات (مندائيَّة وسريانيَّة وعبريَّة) انها كُتبت بمشاعرٍ وأحاسيسٍ إنسانيَّةٍ أمميَّة، يَقولُ فيها :
فهرعت لاتلو مزموري
فيرفرف نحوي عصفوري
ليبارك حزني العاشوري
وتلوت بمعبد إسْكِلّا
أوراد المندائيين على ماء الذكرى
وبهاء الآلما د نهورا
الواحا بلسان الاراميين، اراها اليوم ببرطلا
وفي تلكيف وتل اسقف ومعلولا مَرْتقلا
انا من زهريرا د بهرا
اقرأ زوهار القابالا
اورادا تتشعشع نورا
واراها في ميسان بمندي
واراها في تورات مهدوم ملؤوها اوساخا زبلا
واراها في معبد يعقوب كمحرقَةٍ توقدها روما
واراها في اضرحة لبني احمد صلبوها هدما
واراها في قبر صحابي منبوش ظلما
واعزي فيها يحيى
واعزي من دمه ثوارا جيلا جيلا
حتى يبقى مزمور الزقورة يُتلا
في بابل او في كَرْبِلّا
في مغتسل طهره يحيى زكريّا
ويحيا الانسان
ويحيا الناس
ويحيا مندللا
واذا سامحنا الحيوان الافعى
فالموت لانسان افعى
لِمَنْ يَودُ أَن يُتابع المفردات الدقيقة البليغة الوصف والمعنى والتي جاءت في مقطع قصيدة (ترانيم) يَجدها ضمنَ شروحات المفردات في المقالة.
وَتَستمرُ المقالة بمواضيعٍ متنوعةٍ اخرى،وفيها صورة وأحداث كثيرة مهمة ترافقُ حياة (الصديقين الكريمين) وكذلك تطورات وتغيرات متسارعة حدثت وتحدث في محلة (قنبر علي) وعموم العراق؛ ورغم كل هذا يبقى (المكان ثابت) فيما العيون والقلوب شاخصة ترنوا اليه بحبٍ وحَنينٍ جامح مهما ابتعدنا عنه وتغيرت الأحوال، ففي هذه (البقعة) نقشت فِي اعمقِ تلافيف المُخ ، أجمل الذكريات والمواقف والأحداث والتي من المستحيل أن تبرح من الذاكرةِ؛ بل ستبقى سجلاً وسفراً لاجيالٍ قادمة، لربما تستفيد مما جاء في هذه المقال وَ السجل التاريخي.
لَقد امضيتُ ساعات اقلب في هذهِ لمَقالةِ الشيقةِ والعلاقَةِ الحَميمةِ ؛ فوجدتُ أنها صادقة حقاً لكونها منذ البداية أبتعدت وتخطت (التَعصب الديني) رغمَ اختلاف توجهاتهم وتطلعاتهم الفكرية والسياسية والدراسة الجامعية ونتاجاتهم الأدبية والفكرية والأهم الانتماء الديني، وَهو الذي دَفعنا إِلى الاِستشهاد بقول ( مشهور) بمقدمةِ مقالتنا مُقتبسٌ من رسالةِ الإمام (علي بن أبي طالب) وردت في (نهج البلاغة) من رسالة (عهد) ارسَلها (الإمام) إلى (مالك بن الأشتر النخعي) عِندما (وَلاه) الحُكم على (مصر) .
أن الذي أدامَ وعززَ أواصر هذه المودة والصداقة هي المباديء الانسانيَّة النبيلة فهي كانت وَلمْ تزلْ التوجه الأول والأخير فِي نهجهما وحياتهما التي أبتهل أن تدوم وتتأصل.
لَكُما مِنا أيُّها الفاضلان (الأديب الدكتور عَلاء الجوادي وَالأديب فَاروق عَبدِ الجبار) كُلّ التَّقديرِ والإحترام والدعاء بدوامِ المَحبةِ والأخوَّةِ.
مالمو- مملكة السويد
في زمن حصار( جائحة الكورونا) المصادف السبت 12- نيسان / أبريل – 2020
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقالة كاملة علي الرابط أدناه
http://www.alnoor.se/article.